+ A
A -
إعداد- عبدالمنعم الحواتي
تخوض قطر هذه الأيام واحدة من أهم المواجهات الدبلوماسية المعاصرة، وفي هذا الخصوص واستناداً على بنود ومعطيات خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، المهم، فقد أظهرت الدوحة مهارة عالية في استخدام وتوظيف الوسائط الدبلوماسية كوسيلة وأداة في مسارح المواجهات الدبلوماسية الإقليمية والدولية: كيف قرأت الدوحة معطيات مسرح المواجهة المحتدمة مع خصومها، وكيف استطاعت خلال أقل من شهر أن تقلب موازين القوى في مسرح المواجهة، بما أدى إلى جعل الدوحة أكثر قدرة لجهة الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة في حالتي الدفاع والهجوم؟
فعاليات دبلوماسية الهجوم (جانب الخصوم)
أكد الخبراء أن الاستخدام الهجومي للقدرات الدبلوماسية يتيح للطرف المهاجم أن يحصل على القدر الأكبر من المكاسب والمزايا النسبية ذات الأهمية لجهة حسم الصراع لصالحه، وبالتطبيق على نموذج العدوان الدبلوماسي الجاري حالياً ضد الدوحة، نلاحظ أن الأداء السلوكي الهجومي لخصومها تميز بالآتي:
• اختار خصوم قطر التوقيت المناسب لهم لشن هجومهم، مستخدمين منهجية الانتقام والعقاب الجماعي، ولاحقاً تبين أن رد الفعل القطري المرن استطاع أن يفشل جدوى فائدة هذا التوقيت بالنسبة لهم، وفي هذا المنحى أشار سمو الأمير قائلاً: (قد أصبح كل من يقيم على هذه الأرض ناطقاً باسم قطر.. وأشير هنا بكل اعتزاز إلى المستوى الأخلاقي الرفيع الذي يتمتع به هذا الشعب في مقابل حملة التحريض والحصار الذي تلاها، وإلى جمعه بين صلابة الموقف والشهامة التي تميز بها القطريون دائماً، حيث أذهلوا العالم بحفاظهم على المستوى الراقي في مقاربة الأوضاع، على الرغم، مما تعرضوا له من تحريض غير مسبوق في النبرة والمفردات والمساس بالمحرمات، وحصار غير مسبوق أيضاً في العلاقات بين دولنا.. كان هذا امتحاناً أخلاقياً حقيقياً، وقد حقق مجتمعنا فيه نجاحاً باهراً، إذ أثبتنا أنه ثمة أصول ومبادئ وأعراف نراعيها حتى في زمن الخلاف والصراع، وذلك لأننا نحترم أنفسنا قبل كل شيء.. وأدعو الجميع إلى الاستمرار على هذا النهج، وعدم الانزلاق إلى ما لا يليق بنا وبمبادئنا وقيمنا.. لقد أدرك أبناء وبنات هذا الشعب بالحس السليم والوعي السياسي خطورة الحملة على وطنهم، ومرامي الحصار الذي فرض عليه.. لقد نظروا ما خلف الستار الكثيف من الافتراءات والتحريض، والذي لم يربك رؤيتهم أو يشوشها، ففهموا دلالات محاولة فرض الوصاية على هذا البلد، وخطورة الخضوع للغة التحريض والتهديد والإملاءات)..
• سعى خصوم قطر لجهة الاستفادة من عامل السرية والفجائية المباغتة، بما يتيح لهم أخذ الدوحة على حين غرة، وفي هذا الصدد تحدث سموه قائلاً (تبين للقاصي والداني أن هذه الحملة والخطوات التي تلتها خططت سلفاً، وأقدم مخططوها ومنفذوها على عملية اعتداء على سيادة قطر بزرع تصريحات لم تقل، لتضليل الرأي العام ودول العالم، وبغرض تحقيق غايات مبيتة سلفا.لم يدرك من قام بهذه الخطوات أن شعوب العالم لا تتقبل الظلم بهذه البساطة، والناس لا يصدقون أضاليل من لا يحترم عقولهم، وثمة حدود لفاعلية الدعاية الموجهة التي لا يصدقها أصحابها أنفسهم).. ولكن رد الفعل القطري استطاع خلال الثلاثة أيام الأولى أن يبطل كافة مفاعيل عامل المفاجأة.
• حاول خصوم قطر الاستفادة من توظيف عامل المكان، ولكن جغرافية المكان القطري ظلت عصية على الحصار بسبب السواحل القطرية المنفتحة على المياه الدولية، إضافة إلى انفتاح الأجواء القطرية على ثلاثة اتجاهات: الشمال – الجنوب – والشرق.
• استخدام خصوم قطر وسائط المواجهة الدبلوماسية التي اعتبروها ملائمة لعلمية استهداف قطر، وفي هذه النقطة قال سموه (حاولوا المس بمبدأين ضحت من أجلهما الإنسانية جمعاء؛ أولاً: مبدأ سيادة الدول وإرادتها المستقلة، وثانياً: حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومة، فلا معنى لحرية التعبير إذا لم يكن لدى المواطن الحق في الوصول إلى المعلومة.. واحتكار المعلومة هو الذي كسرته قطر بالثورة الإعلامية التي أحدثتها، ولم يعد ممكناً العودة إلى الخلف، فقد أصبحت هذه الثورة إنجازا للشعوب العربية كلها.. وخلال العشرة أيام الأولى لم تعد هذه الوسائط تجدي نفعاً وذلك بسبب قدرة قطر على تحييدها وجعلها بلا فائدة تذكر)، تمتع خصوم قطر بكل هذه المزايا في اليومين الأولين، واستطاعوا استخدام وسائط المواجهة الدبلوماسية ضمن بعدين، الأول (تكتيكي) استهدف القدرات القطرية الدفاعية المماثلة للقدرات الهجومية التي لديهم: تصريحات مضادة للتصريحات القطرية، وصحافة مضادة للصحافة القطرية، وفضائيات مضادة للفضائيات القطرية، وفعاليات تواصل اجتماعي مضادة لوسائل التواصل الاجتماعي القطري، والثاني (استراتيجي) سعى لتجاوز القدرات القطرية المماثلة باتجاه القيام بالقضاء النهائي على القوام الكلي لقدرات الدولة القطرية».
فعاليات دبلوماسية الدفاع (الجانب القطري)
لجات قطر، كغيرها من الدول عندما تواجه العدوان، لجهة القيام باستخدام قدراتها الدبلوماسية الدفاعية، مدفوعة أولاً: لأجل إحباط فعاليات الهجوم النشط الذي اطلقه خصومها، وثانياً: لأجل القضاء التام على التهديدات الماثلة والمحتملة ضد مصالحها الوطنية والقومية العليا، واستطاعت قطر أن تحقق الآتي:
• المفاجأة الأولى: تمثلت في استيعاب واحتواء طاقة الهجوم الدبلوماسي العدواني الذي بدأ في يوم 5 يونيو 2017م.. وفي هذا المنحى تحدث سمو الأمير بكل وضوح قائلاً: (الحياة في قطر تسير بشكل طبيعي منذ بداية الحصار، وقد وقف الشعب القطري تلقائيا وبشكل طبيعي وعفوي دفاعا عن سيادة وطنه واستقلاله).
• المفاجأة الثانية: نشر الإحباط الكامل في أوساط خصومها، والذي انعكس بشكل واضح في اجتماع وزراء خارجية خصوم قطر، ولو كان الهجوم ناجحاً لانعقد الاجتماع على مستوى الزعماء.. وليس على مستوى وزراء الخارجية.
استند الإنجاز القطري على النجاح المطرد الذي حققته الدوحة خلال العشرين عاماً الماضية، والذي شمل الجوانب الآتية:
• دعم عمليات إعداد وتأهيل وتنظيم الموارد البشرية ذات المهارات الدبلوماسية العالية.
• توفير البنيات التكنولوجية المتطورة وفق احدث المواصفات لجهة دعم القدرات الدبلوماسية.
• اكتساب الخبرات المتفوقة لجهة التعامل الدبلوماسي الفاعل مع كافة الأوضاع والمستجدات في الساحتين الإقليمية والدولية.
إعداد الدفاعات الدبلوماسية المحكمة يتطلب قيام الدولة ببناء ودعم قدراتها بما يتيح لها استخدام نوعين من المزايا، الأول: إحباط الهجوم العدواني عن طريق منع وقوعه، وهو أمر يتطلب تعزيز قدرة الدولة في مجال ممارسة الردع، أي ردع الهجوم العدواني قبل أن يحدث، والثاني: هزيمة الهجوم العدواني في حالة وقوعه، وذلك عندما يفشل الردع في منع وقوعه، هذا وبالتطبيق على النموذج القطري نلاحظ الآتي:
• ظلت الدولة القطرية الأكثر إدراكاً ووعياً خلال الستة أعوام الماضية بمدى خطورة الصراع الدائر بين العواصم الإقليمية والدولية في مسارح المواجهات الدبلوماسية والعسكرية الشرق أوسطية وفي هذا الخصوص جاءت تصريحات الدوحة خلال الأيام التي سبقت لحظة عدوان 5 يونيو الدبلوماسي، لتؤكد على الرؤية القطرية المستقلة إزاء جيرانها في منطقة الخليج والمناطق الأخرى، ولكن خصوم الدوحة لم يقرؤوا هذه التصريحات جيداً، وبدلاً من إدراك قيمتها الردعية، لجأوا لاستخدامها كذريعة لإشعال المواجهة الدبلوماسية ضد قطر.
• بحلول 5 يونيو 2017 قام خصوم قطر بشن فعاليات المواجهة الدبلوماسية وأشار سموه إلى ذلك قائلاً ( لقد عرفت منطقتنا العربية أسلوب الانتقام والعقاب الجماعي لمواطني الدولة الأخرى في حالة الاختلاف مع حكومتها، وقد نجحنا في تجنبه هنا في الخليج حتى الآن، ولكن الدول التي طالبت القطريين بمغادرتها وفصلت بين أبناء العائلة الواحدة وطلبت من مواطنيها التخلي عن أعمالهم وعائلاتهم ومغادرة دولة قطر، أبت إلا أن تستخدم هذا الأسلوب)، الأمر الذي أدى إلى تحول الدوحة من تطبيق مبادئ الردع إلى تطبيق مبادئ الدفاع، الأمر الذي أدى إلى إحباط فعاليات الهجوم الدبلوماسي إضافة إلى إسقاط حملة بناء الذرائع التي ترافقت معه، بدليل وصف كبار الخبراء والمسؤولين الدوليين بأن حملة بناء الذرائع انطوت على مطالبات غير موضوعيه وبالتالي فهي غير ممكنة التنفيذ.
وبالنتيجة، لقد سعى خصوم قطر لجهة استخدام الهجوم الدبلوماسي وهم على قناعة تامة بأن قطر لن تستطيع صدهم، وبالتالي سوف يحصلون على المزايا التكتيكية والاستراتيجية، وذلك على أساس اعتبارات أن حسابات توازن القوى تقول بأن القوة الهجومية الكبيرة الوزن المكونة من (السعودية– مصر– الإمارات– البحرين) سوف تحسم على وجه السرعة المواجهة لصالحها طالما أن قطر سوف تجد نفسها في موقف الدولة الصغيرة المحصورة لوحدها في موقف الدفاع، ولكن المفاجأة كانت مذهلة بالنسبة لهم ولدول العالم الأخرى، فقد انقلب السيناريو رأساً على عقب، وذلك بفعل انقلاب بنود معادلة الصراع، فقد نجحت قطر في تحويل نقاط قوة الخصوم ليس إلى نقاط ضعف وحسب، بل واكتسبت قدرة تحويلها إلى نقاط قوة لصالح الدوحة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الملاحظات الآتية:
• فقد محور( السعودية– مصر– الإمارات– البحرين) زمام المبادرة والسيطرة، ولم يعد قادراً على إدارة وتوجيه فعاليات المواجهة الدبلوماسية لصالحه.
• تناقصت فرص الخيارات المتاحة أمام خصوم قطر، فقد فشل خيار المقاطعة، وفشل خيار العزل، وفشل خيار العقوبات السياسية والاقتصادية.
• فشلت محاولات خصوم قطر الحصول على دعم دول العالم، وبرغم مرور اكثر من شهر فإن عدد المنضمين لتكتل الخصوم ظل كما هو ولم تنضم أي أطراف جديدة.
تقول الحكمة السائدة بأن الصراع هو معادلة ذات اربع نتائج هي: إما أن يربح الطرف الأول ويخسر الثاني(رابحــ خاسر) أو يربح الطرف الثاني ويخسر الأول (خاسرــ رابح) أو يربح الطرفان (رابح- رابح) أو يخسر الطرفان (خاسر ــ خاسر) وفي معادلة صراع قطر مع خصومها تفادت قطر أن يخسر الطرفان أو أن يربح طرف ويخسر الآخر ومن ثم فقد كان تركيز الدوحة على أن يتفادى الأطراف الصراع العدواني لأن النتيجة معروفة سلفاً وهي أن الجميع سوف يخسر وبدلاً عن ذلك ركزت على التعاون بحيث يربح الجميع ولكن إصرار وعناد خصوم الدوحة جعل الأمور تمضي باتجاه أن تربح الدوحة ويخسر خصومها.
copy short url   نسخ
30/07/2017
1128