+ A
A -
في رواية خريف البطريرك للروائي الكولومبي (غابرييل غارسيا ماركيز) تقول أم الديكتاتور وهي مبهورة بمظاهر العظمة والأبهة التي تحف بابنها: «لو كنت أعلم أن ابني سيصبح رئيساً للجمهورية لكنت أرسلته إلى المدرسة!».
بالطبع هذه مبالغة ماركيزية في السخرية من الحكام المستبدين، ولكن هل يمكن أن يساهم التعليم الجيد والثقافة العالية في تقليم أظافر الديكتاتور؟ بمعنى أن يكون أكثر تسامحاً وتقبلاً للرأي المخالف؟ وواسع الأفق فيبني قراراته بالاعتماد على المختصين لا على هواه الشخصي؟
أسوأ الديكتاتوريين في القرن العشرين لم يكملوا تعليمهم، وهذه مسألة لافتة للنظر، فمثلاً (أدولف هتلر) لم يكمل دراسته الثانوية، وحاول دخول أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا، ولكن طلبه رفض بسبب عدم حصوله على الشهادة الثانوية.. وربما لو أنه أكمل تعليمه لكان تاريخ العالم قد تغّير.
حصل (جوزيف ستالين) في سن الخامسة عشرة على منحة للدراسة بالمدرسة الأرثوذكسية بتفليس، لكنه في هذه الفترة صار ملحداً فتخلى عن الدراسة نهائياً.
في المقابل هناك أيضاً نماذج من الديكتاتوريين الذين أفزعوا العالم بطغيانهم غير المسبوق، وكانوا يحملون شهادات عليا وعلى قدر معقول من الثقافة، من مثال الديكتاتور (أنطونيو سالازار) الذي حكم البرتغال من 1932- 1968 بقبضة حديدية، فنجد أنه كان في الأصل أستاذاً في علم الاقتصاد بجامعة مومبرا.
إذن فمن أين يأتي الخلل؟ آفة الطغيان ليست لها علاقة بالتعليم ولا بالثقافة، ولكنها نابعة من النفس البشرية.. وهذا يوضح لنا كيف أن رئيساً للدولة يحمل شهادة دكتوراه قد يصير كابوساً يجثم على صدر الشعب، لأنه يعاني من عقد نفسية، تعكس نفسها على قراراته وطريقته في إدارة الحكم، فيصير ديكتاتوراً وهو لا يعلم تلك الحقيقة عن نفسه!
إن الشرط الوحيد المطلوب توفره في الحاكم هو أن يكون خالياً من الأمراض النفسية، وعلامة خلو الحاكم من الأمراض النفسية هو أن يكون «طيباً».
من الجيد أن يكون الحاكم متعلماً ومثقفاً، ولكن هاتين الحِلْيَتين لا قيمة لهما حقاً في مسألة الأهلية لشغل منصب رئيس الجمهورية، وهنا نختلف مع رأي (غابرييل غارسيا ماركيز) رغم وجاهته، فالتعليم ليس مهماً، فيمكن لرئيس الجمهورية أن يكون حتى أمياً! والذكاء ليس مطلوباً، لأن الذكاء قد يُوظفُ في غير محله، إنما المهم أن يكون شاغل هذا المنصب الرفيع معافى من الأمراض النفسية، وهذا سيقوده تلقائياً إلى أن يحكم بطريقة صحيحة، فيشعر الشعب بأنه حاكم «طيب».
نرى حولنا حكاماً يحملون شهادات عليا، وهم على هذا القدر أو ذاك من الثقافة، ونحن نتوقع أن يكونوا حكاماً صالحين، ولكنهم يثيرون عجبنا وخيبة أملنا حين نراهم يديرون الأمور بطريقة خاطئة.. والخلل كما أسلفنا ليس في التعليم ولا في الثقافة، ولكن مرده خلل في النفس أُهمل فلم يُعالج، واستفحل عند الإمساك بزمام السلطة فظهرت مساوئه. لا نحتاج إلى ذكر أسماء الديكتاتوريين العرب الذين تميزت عهود حكمهم بالإرهاب والبطش وتسلط الأجهزة الأمنية على الشعب.. وهم الذين نالوا قسطاً لا بأس به من التعليم، ولكن لا يمكن أن تقال بحقهم ولا حتى كلمة «طيبة».. ربما الإنسان «الطيب» في وطننا العربي لا يُسمح له بتولي السلطة، ولو تولاها فإن كثيرين سيقفون في وجهه.
copy short url   نسخ
26/07/2017
2679