+ A
A -
اعدت قهوة الصباح وجلست أمام النافذة كما فعلت في الايام السابقة، وبدأت تستعيد خيوط الحلم، والخيوط اشارات، والحلم إشارة أو بشارة، عليها أن تتبع الخيوط وتفهم الإشارات كي تستحق البشارة، تقول لا تأتي الحياة بشيء جزافا وإن كان أضغاث حلم، كل شيء يحدث لسبب، عليها أن تتبع الإشارات لتصل إلى المعنى.
في الحلم ثمة سيدة عجوز تجلس قرب النافذة تستعجل النهار الظهور، فالليل قابض روح تسهر كي تقهره، هي ايضا تسهر لتقهره.
في الحلم ثمة تفاح ينتظر من يقشره، وهي تنتظر رؤية يوسف لتقطع في تأمل حسنه يديها.
في الحلم كتاب يحتل الطاولة، يصف الحياة كسرد متقطع، وحياتها بعيدا عن الغرور هي ايضا سرد متقطع. ربما عليها الاستمرار في الكتابة عن الحياة لتستمر حياتها.
في الحلم ثمة لوحة لعاشقين يجلسان معا، يتبادلان الانخاب وبين امتزاج أنفاسهما جلست طاولة من خشب، وبينها وبين أنفاس من تحب تربع البحر.
إذن ثمة علاقة بين سيدة الحلم والسيدة التي ترقب الفجر عبر نافذة شرفتها، قد تكون أمها تزورها خلسة من وراء الغيم لتراها في حلم، وقد تكون قرينة توسوس لها في الحلم بأن تغامر وتلقي نفسها في البحر، وقد تكون هي هي نفسها تجلس على مسافة بعدها عشرون عاما أو يزيد لتريها ما سيؤول إليه حالها بعد سنين.
وجه سيدة الحلم يكسوه فرح خفي، ورضا بادٍ رغم ضباب الرؤية، ثمة ابتسامة جذابة تزين شفتيها، وهي ترنو نحوها بحنو وتطلب منها بصوت هادئ أن تنام وتترك النافذة مفتوحة، فيما وجهها يبدو قلقا من فكرة النوم في بيت لم تغلق شبابيكه وتتربس أبوابه بعدة أقفال. لكنها في النهاية استسلمت لما كانت سيدة الحلم تريد.
نامت والريح تحرك اجراسا من زجاج علقتها في سقف حجرتها تنبئها برنينها ان هواء نقيا سيعبر رئتيها.
نامت نعم نامت، كطفلة وهي تفكر كيف ستمضي غدها ومن من الأصدقاء سيلعب معها لعبة وصف مذاق البطيخ لشخص سيئ الحظ فقد حاسة التذوق وعينه تنظر إليه وتتشهاه.
في الصباح وجدت ورقة كتبت بخط يدها الوصف التالي: القضمة الأولى من البطيخ الطازج البارد لها طعم الثلج المبشور المسقي بشراب الورد يبلل الريق والعروق والشفتين ولو انصت لفتات الثلج تتكسر وتذوب تحت لسانك، ستسمع صوت الخششة، لا تسل عن المعنى، عش واستمتع وانتعش هذا ما يفعله البطيخ حين يفيض عسله وماؤه من فمك لينز من بين شفتيك، وحين تبتلعه يصير ماء وسكر منه روحك تسكر لترى ما أراه الآن وتحس ما يذوب من اللذات تحت لساني.
كيف بوسعي أن أجعلك تحس بطعم الاشياء في فمي لتحس بما أحس وتراني كما أراني، فأنا أنا، وهذا الذي يخفق كجناح حمامة بين ضلوعي هو قلبي وهذا الهديل صوتي وهذا النواح نواحي فهل تعاني ما أعانيه من حنين حين أصد هجمات الضجر.
والحنين حق لكل من حن عليّ ولو بسؤال عابر عني عبر الهاتف أو الواتس اب، والحنين حق لكل لحظة جعلتني ابتسم وكل فكرة جعلتني أتأمل الكون وأرضى بما قسمه الله لي من عيش رضي.
والحنين ضعف كما ترى يتوق العود للوراء أي إلى نقطة البدء ومن حيث أتى.
أعود للبطيخ لأسأل هل كان للبطيخ طعم القبلة الأولى أم أنني أتخيل ذلك، وهل كان لونه تعويذة حب حتى صارت القلوب حمراء، والزهور حمراء، ولون الشفاه أحمر وأثر القبلة أحمر ولون النزف أحمر.
لم تصدق ما قرأته على الورق، لابد أن شبحا تسلل إلى غرفتها دون ان يحرك الهواء الذي يؤرجح اجراسها الزجاجية وكتب ما كتب بخط يدها.
وفهمت من ابتسامة سيدة الحلم بأن تلك بشارة خير، لتواصل الحياة والكتابة.
copy short url   نسخ
26/07/2017
2141