+ A
A -
خاص- الوطن الاقتصادي
أكدت مجموعة كبيرة من المراكز البحثية أن توقعات بمستقبل قاتم تحيط بالاقتصادين السعودي والإماراتي خلال عام 2017 وما بعده، بسبب انعكاس التراجع الكبير الذي أصاب أسعار النفط وتوقفه عند رقم الـ50 دولاراً بالكاد، إضافة إلى انخفاض الاحتياطات الأجنبية في كل من أبوظبي والرياض بشكل كبير، والنمو المتواضع في عدة قطاعات اقتصادية غير نفطية كالقطاع السياحي وقطاع الإنشاءات، ووقوف الرؤى الاستراتيجية للتنويع الاقتصادي في الدولتين «على أقدام مرتعشة». وأطلقت الصحف والأبحاث العالمية جرس الإنذار لكلتا الدولتين في عدة جوانب، كالآتي:
تعثر رؤية السعودية «2030»
من جهته توقع تقرير لموقع «اربيان بيزنس»، أن يعوق نمو الإنتاجية المنخفض والإصلاحات التعليمية الواهية تنفيذ خطة رؤية السعودية لعام 2030، مشيراً إلى أن «المملكة كانت تعلق آمالاً كبيرة على استراتيجيتها للحد من الاعتماد على عائدات النفط، وتطوير القطاع الخاص غير النفطي». ويقول التقرير: في حين أن نطاق الاستراتيجية كان «مثيراً للإعجاب» في البداية مع انطلاق أعمال الخصخصة، والتدابير القانونية المخطط لها مثل قانون الإفلاس لتحسين بيئة الأعمال، إلا أنه من المرجح أن تواجه الخطة حواجز صارخة أمام التنفيذ، مما يعيق النمو الاقتصادي الاقتصادي للملكة، ما يبقيها عند الحدود المتواضعة، حيث لن تتجاوز 2.5 إلى 3 % في السنوات المقبلة.
ويؤكد «اربيان بيزنس»، أن رؤية عام 2030 تفشل في التركيز بشكل كافٍ على تعزيز الصادرات غير النفطية، مشيراً إلى أن المملكة تتخلى عن تجديد التعليم واتخاذ تدابير لسد الفجوة في الأجور بين المواطنين السعوديين والعمال الوافدين وهذا موطن عجز آخر في الاقتصاد السعودي.
وتحت عنوان «القشة التي كسرت ظهر الجمل»، أكد موقع «غلوبال ريسيرش» الاقتصادي الكندي، أنه بعد زيارة الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» للمملكة في شهر مايو الماضي، قرر «ترامب» دعم الحصار الذي تقوده السعودية على قطر، وسكانها البالغ عددهم 2.235 مليون نسمة، مشيراً إلى أن «الرئيس الأميركي ربما يكون لديه تاريخ طويل من صفقات الاستثمار المربحة مع المملكة العربية السعودية ولكن تلك ليست واحدة منها».
وأكد الموقع أن قرار السعودية بفرض الحصار على قطر واتباع المشورة الأميركية في ذلك لم يضرها وحسب ولكنه جر وراءها ضرراً بالغاً لكل دول الخليج التي اتبعتها وأعلنت فرض الحصار على قطر كذلك.
وأشار موقع «غلوبال ريسيرش» إلى أن «جنون الرياضي السياسي كبل الاقتصاد الخليجي بأكمله وجعل توقعات الدول التي اتبعته قاتمة، بسبب عدم التفكير في العواقب المالية والتجارية الدولية، التي ستنتج عن ذلك».
وذهب معهد «بروكينغز» الاقتصادي إلى حد أن يطلق على تفكير السعودية المتطرف وصف «تفكير العزلة»، بسبب العواقب الوخيمة التي تنتج عن تطبيقه في المنطقة.
الحروب تفرغ خزائن المملكة
وفي تحليل اقتصادي لموقع «غولد سيك» العالمي عن تأثير التداخل السعودي في حرب اليمن، أكد الكاتب «جيم ويلي سي بي» أن حروب المملكة ورغباتها التطلعية في فرض سيطرتها بعدة دول لم يفرغ خزائن بنادق الجيش السعودي وحسب وإنما أفرغ خزائن المملكة من البنكنوت أيضاً.
وأشار الكاتب إلى العلاقة الوثيقة بين الدولار والصادرات النفطية للملكة، والتي ظهرت جلية في حرب 1973، عندما قررت السعودية قطع المعونات البترولية عن الولايات المتحدة– حليف إسرائيل الأول في المنطقة- وقررت بعضها الربط بين الصادرات النفطية والدولار، مما أدى إلى حصولها على احتياطي نقدي هائل من العملة الخضراء مقابل تصدير البترول.
وقال الكاتب، إن علاقة الـ «بترو/ دولار»، كانت تسير بشكل جيد بالنسبة للاقتصاد السعودي في بداية الأمر، إلى أن رأى صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية أن السعودية من بين عدد من الدول الشرق أوسطية الأخرى، يجب توريطها في مجموعة من الحروب «حتى يتم تفريغ خزائنها»، ومن ثم تكون أموالهم قد عادت إليهم بطريقة أخرى، من خلال تشغيل سوق الأسلحة الأميركي على الحروب (عربية/ عربية) وحسب، مشيراً إلى أن حرب اليمن هي أكثر الحروب استنزافاً للموارد السعودية حتى تاريخنا هذا.
الإصلاح أو الإفلاس
في سياق متصل، لم يكن الحديث عن إفلاس السعودية الاقتصادي والسياسي جديد العهد؛ حيث سبق وأقر «محمد التويجري»، نائب وزير الاقتصاد السعودي، إطلاق منظومة جديدة للدعم والإعانة، بحيث توجه لمستحقيها بعدالة أكثر.
وقال التويجري إنه «لو استمر انخفاض سعر البترول ولم تتخذ الحكومة السعودية أي إجراءات وقرارات اقتصادية وترشيدية، وفي ظل الأوضاع الحالية محلياً ودولياً، فإن إفلاس المملكة أمر حتمي خلال 3 إلى 4 سنوات».
وأضاف «التويجري»، أن 90 % من الإيرادات بالمملكة تذهب للمصروفات (الروتينية) كالرواتب والبدلات، ومع الانخفاض المستمر في أسعار النفط واستمرار البنود الروتينية للمصروفات السعودية كما هي، ربما لن يكون مستغرباً إذا حدث ما توقع التويجري بالفعل، خاصة أن صحيفة «الإندبندنت» البريطانية الشهيرة توقعت أيضاً قبل عدة شهور إعلان سبع دول عربية إفلاسها خلال خمس سنوات أو أقل، هي: البحرين واليمن وعمان والجزائر والعراق وليبيا والمملكة العربية السعودية.
تآكل الثروة النفطية
ويتساءل الكاتب «مايكل روبين» في مدونة «إية إي أيدياس» السياسة سؤالاً جوهرياً، ألا وهو: «ماذا كان سيحدث لو لم يكن لدى المملكة العربية السعودية نفط؟».
ويفند الكاتب إجابة هذا السؤال، مشيراً إلى أن تاريخ وشكل السعودية العالمي تبلور فقط بسبب ثروتها النفطية، التي أشرفت على التآكل، بسبب التعامل السيئ للحكومات السعودية المتوالية معها.
ولفت الكاتب، إلى أن تآكل الثروة السعودية النفطية لن يخدم شعبها الذي أسيء إلى سمعته كثيراً وحسب، وإنما سيخدم العالم كله أيضاً.
أدنى مستوى للاحتياطي
ولا تعتبر الثروة النفطية الوحيدة المهددة بالتآكل وضرب الاقتصاد السعودي في مقتل وحسب، فهناك ما هو أخطر من ذلك؛ حيث يوجد تهديد أكبر على اقتصاد الرياض، يتمثل في التراجع الكبير والسريع للاحتياطات النقدية الأجنبية الهائلة التي كانت تتمتع بها، حيث زادت السعودية من وتيرة السحب من احتياطاتها من النقد الأجنبي مع تأخر تعافي سوق النفط، إضافة إلى تعاظم الإنفاق الحكومي، وسلوكها طريقاً محفوفاً بالمخاطر عبر التورط في شراء صفقات أسلحة بالمليارات، ويتوقع الخبراء أن يؤدي في النهاية إلى خفض قيمة العملة المحلية.
وبحسب وزارة الخزانة الأميركية فإن استثمارات السعودية في أذون وسندات الخزانة لديها، بلغت 8.102 مليار دولار فقط، كما تراجعت الأصول الاحتياطية الأجنبية السعودية نهاية 2016، بنسبة 13 % إلى 2.011 تريليون ريال، متراجعة من 2.312 تريليون ريال نهاية عام 2015، لتفقد 80 مليار دولار خلال العام الماضي كثاني تراجع سنوي بعد 2015.
وقال موقع «ستيب فيد» الأميركي: «السعودية، ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم بعد روسيا، تعاني تراجعاً حاداً في إيراداتها المالية، وذلك نتج عن تراجع أسعار النفط الخام عما كانت عليه عام 2014 وتزايد مصروفاتها في العام الحالي بوجه خاص».
الاقتصاد الإماراتي.. السيناريو يتكرر
وعلى الرغم من الاقتصاد الإماراتي كان سباقاً في تبني سياسات التنويع الاقتصادي في المنطقة، فإن ذلك لم يحمه من مواجهة المصير القاتم نفسه الذي تواجهه الرياض، حيث يعتمد اقتصاد أبوظبي على أيادٍ غير إماراتيه من المهاجرين، الذين بدؤوا في النفور من التقلبات الاقتصادية الحادة، التي تواجهها الدولة المعتمدة في ناتجها المحلي بشكل أساسي على ما يورده لها النفط متهاوي الأسعار في الفترة الحالية من أرباح.
جنة المهاجرين الزائفة
وتحت عنوان «أبوظبي.. جنة زائفة للمهاجرين»، قال الكاتب والمحلل السياسي «ديدية ماك فيليب» في مقال بموقع «يو إس نيوز» الأميركي واسع الانتشار،: «إن المدينة المتألقة التي يراها المهاجرون من نوافذ طائرات طيران الإمارات لا يكادون ينزلون إلى أرض الواقع فيها حتى يكتشفوا أنها سراب».
وأضاف «فيليب»: «هناك مدينة متألقة تلمع في الصحراء من بعيد، وكلها تقترب من فكرة السراب للعمال المهاجرين العطشى للارتواء بمعايير العدالة والأمن فيها، فيتوجه العديد منهم إلى الإمارات العربية المتحدة للعمل لإبقائها على هذا النحو، ولكن دون أن يرتووا أبداً».
وفي السياق نفسه، يقول «كارين يونغ»، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في الشارقة في الفترة من 2009 إلى 2014: «إنه جزء من اتفاق غير معلن، حيث يساهم الأجانب في بناء المجتمع الإماراتي، ولكنهم لا يصبحون جزءاً من ذلك المجتمع أبداً».
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر الدول استقبالاً للمهاجرين في الخليج، كما أن نحو 90 % من أصل 9 ملايين شخص فيها هم من المولودين في الخارج، ومعظمهم يعملون على عقود عمل مؤقتة في مجموعة من الوظائف ذوي الياقات البيضاء، وذوي الياقات الزرقاء وصناعة الخدمات. ولم تمنح سوى حفنة من المهاجرين الجنسية منذ حصول البلاد على الاستقلال في عام 1971.
تراجع أعداد المسافرين
وحسب التقديرات الاقتصادية، فإن قطاع السفر والسياحة في الإمارات، الداعم الأكبر لسياسة التنويع الاقتصادي في البلاد، من المتوقع أن يشهد تراجعاً، حيث يتنبأ القائمون على مطار أبوظبي بنمو أبطأ في عدد الركاب في عام 2017، كما تتوقع شركة طيران أبوظبي المسؤولة عن مطار أبوظبي الدولي تباطؤ وتيرة نمو الركاب هذا العام، وذلك وفقاً لما ذكره الرئيس التنفيذي بالنيابة لشركة أبوظبي للمطارات.
وقال موقع «أراب نيوز» الكويتي، الصادر باللغة الإنجليزية: «لقد كانت هذه السنة صعبة بالنسبة للطيران على الصعيد العالمي، وبالنسبة للطيران الإماراتي على وجه الخصوص»، مضيفاً، أن قطاع السفر والسياحة قد شهد بعض التباطؤ في نمو شركات الطيران التي تستخدم مطار أبوظبي، ومشيراً إلى أن الوضع السياسي الإقليمي، وهذه العوامل كلها تلعب دوراً سلبياً في حدوث نمو أبطأ قليلاً.
وأضاف: «لقد تباطأت وتيرة النمو في شركات الطيران الشرق أوسطية سريعة التوسع هذا العام على خلفية اقتصادية أكثر تحدياً، وقد أدت القيود المفروضة على السفر، التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والأزمة السياسية في الخليج إلى الضغط على قطاع السفر في الإمارات أكثر وأكثر».
أبوظبى.. توقعات اقتصادية متشائمة
تسود التوقعات الاقتصادية المتشائمة سماء الإمارات في الفترة الحالية؛ حيث يتوقع البنك المركزي الإماراتي أن يكون هناك توسع طفيف في الناتج المحلي الإجمالي، بسبب خفض إنتاج النفط وضبط أوضاع المالية العامة.
ويتوقع مصرف الإمارات المركزي أن ينمو اقتصاد البلاد بنسبة 2.3 % هذا العام، بوتيرة أبطأ من الناتج المحلي الإجمالي المسجل في العام الماضي والبالغ 2.6 %. ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي النفطي بنسبة 0.8 %، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي سيحقق الكثير من الانخفاض، بنسبة 2.9 % في عام 2017. وقال البنك المركزي الإماراتي، في تقريره الاقتصادي الأخير: «يعود التباطؤ أساساً إلى ضبط أوضاع المالية العامة والتراجع المتوقع لإنتاج النفط في عام 2017، بعد التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بقرار خفض إنتاج منظمة الدول المصدرة للنفط».
وقال موقع «غلوبال كونيكشن» الاقتصادي العالمي: «في الوقت الذي يواصل فيه اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة التكيف مع خطط التقشف التي بدأت قبل بضع سنوات، تظهر مؤشرات أخرى أن معدلات النمو هي الأخرى على وشك الانخفاض».
وفي الإطار نفسه، أشار معهد التمويل الدولي إلى أنه في حين كانت دبي محمية نسبياً بسبب اقتصادها المتنوع، مع توقع نموها بنحو 3 % في عام 2017، إلا أنها لاتزال تشعر بضعف الاقتصاد الباهت. وقال تقرير المعهد البحثي: «لم تفلت دبي من التباطؤ الإقليمي؛ حيث انخفض حجم المعاملات العقارية بشكل حاد وتراجعت الأسعار بصورة كبيرة، وفي قطاع الضيافة، انخفضت الإيرادات لكل غرفة؛ حيث اضطرت الفنادق إلى خفض الأسعار لجذب الزوار كذلك».
نظرة مستقبلية
وفي ضوء ما سبق يمكن القول إن الاقتصادين السعودي والإماراتي بحاجة إلى حملة إنقاذ سريعة، وإلا ستتجه كل من أبوظبي والرياض إلى حافة الهاوية، بسبب اعتمادهما الكبير على العوائد النفطية، وزيادة مصروفات حكومتي الدولتين بشكل كبير لا يتحمله حجم الإيرادات المنتجة لديهما، وفي الوقت الذي تتأجج فيه الأزمة الخليجية وترتفع وتيرة الحصار على قطر، يبدو أن المتضرر الأكبر من تلك الخطوة السياسية غير محسوبة العواقب كان اقتصاد دول الحصار بشكل أساسي وشعوبها الشقيقة، في الوقت الذي ظل فيه اقتصاد الدوحة قوياً رغم كل التحديات، وفرض الحصار جواً وبراً وبجراً عليه لتقييده دون جدوى.
copy short url   نسخ
26/07/2017
2033