+ A
A -
خاص- الوطن الاقتصادي
آلاف العمال في السعودية وجدوا أنه لا طريق أمامهم سوى تسفير عائلاتهم إلى أوطانهم لعلهم يلحقون بهم قريباً عقب تدهور أوضاع شركاتهم الاقتصادية ولجوء بعضها إلى التصفية وتوقف كثير منها عن دفع الرواتب لعدة شهور. تقارير المواقع والصحف الأجنبية، خصوصاً الدول التي لها عمالة كبيرة، تنشر الكثير عن تصاعد عمليات الترحيل الاختياري للعائلات بعد سريان الضرائب الجديدة ابتداءً من شهر يوليو الحالي بدفع 100 ريال عن كل شخص من المرافقين شهرياً تزداد بمعدل 100 ريال سنوياً لتصل عام 2020 إلى 400 ريال، في حين أن متوسط الرواتب يتراوح بين 800 و1000 ريال لا تدفع شهرياً بانتظام بسبب غياب السيولة المالية.
زادت حدة تعثر الشركات عن التزاماتها المالية عقب صفقات الأسلحة الكبيرة مع واشنطن التي أبرمت خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي أدت إلى تجريف المخزون الاستراتيجي النقدي السعودي وانخفاض الاحتياطات المالية بصورة كارثية، يضاف إليها حجم مخصصات حرب اليمن التي تلتهم الاقتصاد السعودي. وجاء الحصار على قطر وإغلاق الحدود البرية والبحرية معها وتوقف التصدير السعودي إلى واحدة من أقوى الاقتصاديات في العالم ليزيد من توقعات انهيار وشيك للشركات السعودية على حد ما تتنبأ به تقارير إعلامية دولية في موجة يراها اقتصاديون مماثلة للأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2007م، وتسببت بإعلان آلاف الشركات والمصارف حول العالم إفلاسها. في العام الماضي كان حجم الديون على الشركات السعودية يتجاوز 300 مليار ريال سعودي، وضع عدداً من الشركات الكبيرة والصغيرة في دائرة الخطر، مما يدفعها مع التطورات الجديدة إلى الخروج من السوق قريباً وإعلان إفلاسها.
يضاف إلى ذلك الضغوط الكبيرة التي تعانيها شركات المقاولات المحلية التي تعتمد على العقود الحكومية، والتي تسببت في معضلة دفع رواتب العمالة الوافدة، حتى أن الكثيرين منهم لم يجدوا نقوداً لشراء تذاكر للعودة إلى أوطانهم. ونقل موقع ميدل إيست آي عن مقاول بناء أن العمال لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور، ويواجهون احتمال دخول السجن؛ لأن الشركة لم تجدد لهم تصاريح العمل.
الإفلاس
وبحسب تقارير دولية، فإن انهيار وإفلاس الشركات السعودية يعرض اقتصاد البلاد لمخاطر لا يمكن التنبؤ بأبعادها، ما يحتم إجراء مراجعة عاجلة في ما يخص زيادة عجز الموازنة والإنفاق غير المعقول على شراء الأسلحة وخوض الحروب على حساب أولويات اقتصادية ملحة.
وترجع تلك التقارير أسباب التدهور الاقتصادي إلى الكلفة الكبيرة التي سببها الانصياع لخطط محمد بن زايد لحصار قطر، والحرب في اليمن، والدعم السعودي للمنظمات الإرهابية في المنطقة مالياً ولوجستياً، والاستمرار في شراء أسلحة تثقل كاهل خزينة الدولة.
في عام 2016 ذكرت الإحصائيات أن العجز في الموازنة تجاوز 79 مليار دولار مما جعل ولي العهد الجديد محمد بن سلمان يقدم خطة أحيطت بضجة إعلامية واسعة في الداخل وفي إعلامها خارج الحدود مثل العربية والحدث والشرق الأوسط والحياة، أطلق عليها رؤية 2030، وهي الخطة التي لم يكن ولي العهد المخلوع محمد بن نايف راضياً عنها وعن نتائجها، ووفقاً لهذه الرؤية تم رفع نسبة الضرائب وعرضت للبيع 5% من أسهم شركة أرامكو، واضطرت الحكومة إلى رفع أسعار الطاقة بنسبة 50% وإقرار قانون القيمة المضافة.
يعيش في السعودية 10 ملايين عامل أجنبي، ينظر إليهم السعوديون اليوم في ظل أزماتهم الخانقة على أنهم محتلون لسوق العمل.
طرد «77» ألف عامل
وحسب الأرقام غير الرسمية ترصد تقارير الصحافة الغربية تكلفة الحرب في اليمن في سنتها الأولى بنحو 30 مليار دولار، ومن المتوقع أن يكون العام الحالي قد شهد ارتفاعاً كبيراً في هذه الكلفة خصوصاً مع استمرار الدعم السعودي للإرهابيين مما أدى إلى عجز بعشرات المليارات من الدولارات.
وفي الأشهر الأخيرة طردت شركة بن لادن وهي واحدة من كبرى الشركات السعودية 77 ألف عامل من مجمل عمالها البالغ 200 ألف، وهناك 12 ألفاً على قائمة المنتظر الاستغناء عنهم، وجميع المستغنى عنهم لم يقبضوا رواتبهم منذ شهور.
في تقرير لها تقول صحيفة «ديلي بايونير» الهندية: إن جهاز الاستخبارات الألماني حذر من عواقب رؤية الأمير محمد بن سلمان الذي يتبع سياسة متهورة من التدخل بدلاً من سياسة الدبلوماسية الحذرة التي سادت الأعضاء القياديين كبار السن في العائلة المالكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطة بن سلمان لاستعادة السيطرة على أسواق النفط العالمية أكبر مقامرة، وأدخلت السعودية في منافسة جديدة مع المنتجين الأميركيين الذين يحصلون على النفط من الصخر الزيتي بواسطة التكسير، وقد ينتهي الأمر بإفلاس المملكة، لا سيما مع تزايد إنتاج النفط الأميركي في السنوات الأخيرة.
نفوذ إسرائيلية في السعودية
وكانت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية كشفت عن حصول بنك أميركي داعم لإسرائيل على أسهم في شركة أرامكو السعودية وهو ما يمنح إسرائيل نفوذاً أكبر داخل السعودية.
وقالت الصحيفة إنه تم اختيار بنك مولس للحصول على أسهم الشركة وفقاً لمصادر مطلعة رفضت ذكرها.
وأفادت بأن حصول هذا المصرف الجديد، والذي تأسس من قبل صانع الصفقات المخضرم «مولس كين» في خضم الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأميركية عام2007، على هذه الصفقة يمثل نقلة نوعية لهذا البنك، الذي استطاع إحكام قبضته على هذه الصفقة المالية الكبيرة في حين أن الشركات الأوروبية والأميركية تطالب بالدخول فيها.
وتعتبر شركة أرامكو من أغلى وأكبر شركات النفط العالمية وتصل القيمة الإجمالية لها إلى 2000 مليار دولار. واحد من كبار المستشارين في بنك مولس هو «شالوم ياناي» الذي كان ضابطاً مخضرماً في الجيش الإسرائيلي وتم ترشيحه من قبل نتانياهو لرئاسة الموساد في السابق، وكذلك كان رئيساً لشركة أدوية بالإضافة لترؤسه شركة زراعية إسرائيلية.
إفلاس السعودية تنبأ به محمد بن سلمان نفسه في حوار سابق له مع وكالة «بلومبرغ»؛ إذ قال إن المملكة كانت ستصل إلى «الإفلاس التام» في أوائل عام 2017 لو لم تغير سياستها الاقتصادية، وكان يقصد خطته التي أعلن عنها في 25 أبريل الماضي التي تركز على تحويل المملكة من دولة تعتمد على عائدات النفط إلى دولة يقوم نفطها على استثمارات غير نفطية، كاشفاً أن فريقه الاقتصادي وجد أن السعودية كانت ستصبح في حالة تعثر تصل إلى حد الإفلاس التام.
تنبؤات «بلومبرغ»
وكالة بلومبرغ كانت قد أثارت فزع المستثمرين السعوديين عندما نشرت في نهاية العام الماضي تقريرها السنوي «دليل المتشائم» الذي تحدث عن سيناريوهات اقتصادية كارثية تنتظر السعودية خلال عام 2017 نتيجة سياساتها الخارجية، وخصوصاً حربها في اليمن.
وأشارت إلى تزايد كبير في السخط الشعبي جراء تدهور مستويات المعيشة؛ مما سيضطر الحكومة إلى خصخصة مؤسسات قطاع النفط ورفع الضرائب وتخفيض قيمة العملة المحلية.
ونشرت صحيفة «إن تي في» الألمانية تقريراً تناولت الانهيار الذي يتعرض له الاقتصاد السعودي، مشيرة إلى تحليلات معهد «ماكنيزي» الذي يرى أن السعودية دخلت في نفق مظلم.
ونشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» تقريراً موثّقاً عن مستقبل الاقتصاد السعودي، ومستقبل السعودية السياسي، وما تواجهه من تحديات بنيوية نتيجة السياسات المتبّعة.
وقال الموقع إن الرياض بدّدت في أكتوبر 2016، 27% من احتياطيها من النقد الأجنبي، الذي وصل 737 مليار دولار في أواخر 2014. فانخفض إلى مستوى 535.9 مليار دولار، أي انخفاض بمقدار 10 مليارات عن شهر سبتمبر الذي سبقه.
ووفقاً لموديز، كانت نسبة دين الرياض إلى الناتج المحلي الإجمالي هي 2.2 % قبل أربع سنوات، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 22 % خلال 2017، وأن تصل إلى 30 % بحلول نهاية العقد الحالي. وبحلول عام 2020 سوف يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.9 % انخفاضاً من علامة 5 %، وهو المتوسط خلال الفترة من 2010-2015. ويضيف تقرير جيوبوليتيكال فيوتشرز: إن السعوديين لم ينجوا تماماً من الأشكال الحديثة من الضرائب بالنظر إلى أنه من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في يناير عام 2018. وعلاوة على ضريبة القيمة المضافة، فقد تمّ النظر بجدية في فرض ضريبة على الدخل على الجاليات الأجنبية أو العمالة الوافدة. هذه هي التحولات الكبرى للمملكة التي لم تشهد من قبل هذا النوع من الضرائب. كما تم اتخاذ تدابير إضافية لمعالجة المشاكل الاقتصادية، وشهد سبتمبر الماضي خفض 17 مليار دولار من المزايا التي يتمتع بها 3 ملايين من العاملين في القطاع العام، وقد تتأخر الحكومة السعودية في دفع المدفوعات المستحقة لعدد من شركات القطاع الخاص مثل مجموعة بن لادن السعودية الشهيرة وشركة «سعودي أوجيه».
وكانت وكالة الأنباء السعودية (واس) بثت يوم 7 نوفمبر من العام الماضي أن مشروعات التنمية التي تبلغ قيمتها 266 مليار دولار قد تمّ إلغاؤها.
ضرائب على الحجاج والمعتمرين
ويمضي موقع جيوبوليتيكال فيوتشرز قائلاً: إنه وقد بلغ الضيق الاقتصادي حدّاً بدأ ينعكس في التأثير على صورة المملكة في العالم الإسلامي، فعلى مدى عقود، عزّزت المملكة موقعها بكونها «خادمة الحرمين الشريفين»، ولم يفرض السعوديون وحتى الصيف الماضي، ضريبة على الحجاج والمعتمرين من مختلف أنحاء العالم إزاء تقديم هذه الخدمة. لكنها فرضت مؤخراً لأول مرة رسوم تأشيرة 533 دولاراً على كل الملايين الذين يدخلون البلاد سنوياً لأداء الشعائر.
وحذر خبراء اقتصاد في السعودية، من أن الاقتصاد المحلي قد يتعرض لـ «ركود تضخمي» خلال الفترة المقبلة، نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي المتوقع، بالتزامن مع ارتفاع في أسعار السلع والخدمات.
و«الركود التضخمي»، هو ضعف النمو الاقتصادي في دولة ما بالتزامن مع ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، يرافقه في الحالة السعودية صعود في نسب البطالة. وقال الخبراء: إن تراجع القوة الشرائية دفع شركات التجزئة إلى خفض أسعار منتجاتها، وتراجع أسعار السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنزلية، وانتهى بتسجيل تضخم سلبي في هذه المجموعة خلال ديسمبرالماضي.
وخفض صندوق النقد الدولي في 16 يناير الماضي، توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي في 2017 إلى 0.4% مقارنة بتوقعات سابقة تبلغ 2% كان أعلنها في أكتوبر 2016.
كما خفض الصندوق توقعاته للنمو في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، لعام 2018 إلى 2.3% مقارنة بـ 2.6 % في أكتوبر 2016.
وتباطأت وتيرة نمو الاقتصاد السعودي، إلى 1.4% في 2016، مقارنة مع 3.5% في 2015.
وحذر الخبير والكاتب الاقتصادي فضل البوعينين، من تعرض الاقتصاد السعودي لواحدة من أخطر المشاكل الاقتصادية وهو «الركود التضخمي» نتيجة رفع أسعار الطاقة خلال الفترة من 2017 وحتى 2020 لتصل للمعدل العالمي، يرافقه توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد.
وبحسب وثيقة برنامج التوازن المالي، المعلن عنها نهاية العام الماضي، تنوي السعودية رفع أسعار الطاقة والمياه تدريجياً لتصل للمعدل العالمي في 2020. وقال البوعينين، في اتصال هاتفي مع وكالة «الأناضول»،: إن رفع أسعار الطاقة والكهرباء سيمتد أثره لجميع القطاعات نتيجة لارتفاع تكلفة النقل والإنتاج، مما سينعكس على الأسعار فيرتفع التضخم.
واعتباراً من يوليو 2017، بدأت السعودية بتحصيل مقابل مالي قيمته 100 ريال (26.7 دولاراً) شهرياً على كل مرافق للأجنبي العامل في البلاد، تزيد إلى 200 ريال (53.3 دولار) في 2018، وإلى 300 ريال (80 دولاراً) في 2019، وإلى 400 ريال (106.7 دولار) شهرياً في 2020.
copy short url   نسخ
24/07/2017
3250