+ A
A -
شهد العالم أجمع ليلة، أمس الأول، الخطاب التاريخي لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه.. ذلك الخطاب الذي خاطب فيه سموه شعبه الوفي بكل شفافية بكلمات خرجت من القلب إلى قلوب «هل قطر» مواطنين ومقيمين.. كلمات العقل والوجدان التي ستبقى خالدة في الأذهان كونها تعتبر نبراساً وخريطة طريق تضيء طريق الحاضر والمستقبل ومن رجل دولة عظيم إلى شعب واعٍ وملتزم بأخلاقياته وثابت على مبادئه في وجه التحديات الكبيرة التي حدثت مؤخراً لتثبت قطر قيادةً وشعباً أنها تسير على الطريق الصحيح والسليم متكاتفةً متجانسةً متعاضدةً.
خطاب سيدي سمو الأمير لم يكن خطاباً عادياً، بل جاء في ظروف استثنائية تمر بها قطر بالتحديد بسبب الحصار الجائر من قبل السعودية والإمارات والبحرين، ولذلك فإن ما جاء في هذا الخطاب وتلك الكلمات فإنها جاءت شاملة ومركزة في نفس الوقت وعلينا كشعب أن نستفيد ونطبق توجيهات صاحب السمو على أرض الواقع.
فالمرحلة التي تمر بها قطر ليست عادية، وهذا يتطلب أن نوحد جهودنا ونبدع ونبتكر ونواصل العمل نحو مسيرة التنمية بسلاح الولاء والإخلاص والثقة التي منحت من قبل حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى فما جاء في خطاب المجد من رسائل أخلاقية واقتصادية وسياسية لا بد أن نفرزها ونعمل على تحقيقها، فكل المقومات للاستمرار والبناء والتطور متوافرة ولله الحمد.
أخلاقياً قطر لم تنجرف ولم تنزلق إلى ما انزلقت إليه دول الحصار من القرصنة والفبركة والأكاذيب والافتراءات والتعرض للأعراض، فكان هذا حال إعلام دول الحصار منذ بداية الأزمة إلى وقت كتابة هذا المقال، فالشواهد تدينهم فما حدث طوال هذا الوقت أمر يندى له الجبين ولا شك أنه لن يمر مرور الكرام والشرخ كبير والجرح النفسي أكبر، لقد أثبتت دول الحصار وبالتحديد على المستوى الدبلوماسي والإعلامي أنهم بحاجة إلى إعادة «فورمات» وتربية وغسيل وكوي على المستوى الأخلاقي.
نعم الوشاية والكذب من ارذل الرذائل ولذلك أتساءل كما يتساءل الكثيرون أي جيل ستخرجه دول الحصار وهي تفنن في الكذب والوشاية والإساءة وتشويه السمعة والانزلاق للأعراض؟ حتماً سيكون جيلاً غير سوي، فكيف تسمح تلك الدول وترضى على أنفسها أن تفعل ذلك بمثابة القدوة لشعوبهم ولذلك فصدمة شعوبها حتماً ستكون كبيرة في قادتها مثلما صدموا، أمس، بالخطاب، فتوقعوا الخضوع والخنوع للإملاءات فانصدموا بخطاب وطني يستحق أن يسطر بأحرف من ذهب فهذه قطر يا سادة لا تخضع ولا تركع إلا لله سبحانه ذات سيادة مستقلة حرة أبية، كما توقعوا خطاباً تصعيدياً عدوانياً ففوجئوا بخطاب هادئ عقلاني ولذلك جن جنونهم، لأنهم يفتقدون الهدوء والعقلانية والحكمة.
إعلام دول الحصار طفحت مع بداية الأزمة ولعلعت مع التصريحات المفبركة لصاحب السمو وبنت حملتها الدنيئة على ذلك، ولكن عندما صدح صوت الحق والعز والفخر اتبعوا أسلوب «اعمل نفسك ميت»، فهذا أمر طبيعي، لأن لغة الكبار والعقلانية والشفافية التي تحدث بها صاحب السمو لا يفهمها الصغار في تلك الدول، فهذا الخطاب للكبار فقط، لأنه صادر من رجل دولة حكيم وشهم لا ينجرف هو وشعبه خلف مهاتراتهم وتصرفاتهم الصبيانية وهذه إحدى أسرار عظمة قطر لدى الدول الواعية والشعوب الناضجة، فكل الأزمات السابقة قطر ترتقي وتسمو ولا تبادر بالمثل ولعل أزمة سحب السفراء في 2014 والأزمة الحالية تثبتان أن قطر دولة أخلاق ومبادئ.
سياسياً أثبتت قطر أنها مدرسة في الدبلوماسية وذلك ليس بغريب، لأن مواقف قطر الدولية مشهودة لها وعلاقاتها متوازنة مع الجميع قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشفافية في التعامل وهذا ما يجعلها محل احترام من كل دول العالم ولذلك استطاعت الدبلوماسية القطرية لوحدها أن تهزم دول الحصار الخليجية ومعهم مصر الذي يقودها السيسي نحو الدمار الاجتماعي والاقتصادي، فالنجاح الدبلوماسي القطري كان واضحاً ومميزاً، ولذلك فالانتصار السياسي كان سيد الموقف بعكس دول الحصار التي حملت الملف إلى الدول الكبرى لتشوه صورة قطر أمامهم فما كان لهم سوى جر أذيال الخيبة والحسرة والمرارة وهم يستحقون ذلك بل وأشد.
اقتصادياً فإن الأزمة أضاءت لنا الطريق ورب ضارة نافعة، كما قال صاحب السمو، فنحن على أعتاب انفتاح اقتصادي غير مسبوق وهذا الأمر لن يتأخر بل في غضون أشهر قليلة ستكون قطر قبلة اقتصادية من خلال الاعتماد على الذات وتوقيع شراكات مع دول عديدة نحو اقتصاد حر تنافسي منفتح على العالم ونحو الاكتفاء الذاتي، فهناك تحركات كبيرة تقوم بها الدولة في هذا الاتجاه وأنه آن الأوان لنعتمد على أنفسنا ونترك مجاملة دول الجوار اقتصادياً فلا ينقصنا شيء بل ولدينا كل المقومات لجعل قطر عاصمة اقتصادية.
ورجال الأعمال والشركات والجهات المسؤولة على عاتقها مسؤوليات كبيرة لتنفيذ توجيهات صاحب السمو وتوجهات الدولة في هذا الخصوص، وكلنا ثقة فيهم بأن تنمو دولتنا الحبيبة وتتصدر المشهد الاقتصادي وهذا يحتاج إلى العزيمة والعمل والمثابرة.
خطاب سموه يحتاج إلى مجلدات للحديث عنه لما يحمل في كل سطر منه دروساً كبيرة، ولكن علينا أن نستفيد من دروس هذه الأزمة وألا يكون التعامل معها وقتي ويخف الحماس مع نهايتها، بل علينا جميعاً أن نثابر ونجتهد مواطنين ومقيمين، فمثلما قال سموه حفظه الله إن كل مقيم على هذه الأرض أصبح ناطقاً باسم قطر، ولذلك فالكل مطالب بتقديم كل ما عنده وأن نعمل على طاعة الله والحاكم والابتعاد عن توافه الأمور وما يعيق تطورنا ونهضتنا والله الله يا هل قطر في وطنكم.. فهي أمانة في أعناقنا جميعاً وفوق اصعدي يا قطر.

بقلم : فهــــد العمـــادي
copy short url   نسخ
23/07/2017
1846