+ A
A -
عندما تم تداول قائمة مطالب دول الحصار اعتقدنا أنها مزحة، لأنها، وببساطة شديدة، تتناقض والقانون الدولي بشكل كامل ومطلق وصارخ.
لم نصدق أنها حقيقية إلى أن تداولتها وسائل الإعلام العالمية نقلا عن إحدى دول الحصار.
الإذعان أو الطلاق
هكذا علق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على قائمة المطالب، متهما قطر بتسريب هذه القائمة، ومهددا: «دون ذلك فالطلاق واقع».
قرقاش، الناطق الرسمي باسم دول الحصار، كذب مرتين:
الأولى عندما اتهم قطر بتسريب القائمة، مع أن وكالة أنباء اسوشيتد برس ووكالة رويترز نشرتا مضمونها وبدأت «رويترز» خبرها على النحو التالي:
«دبي 23 يونيو حزيران (رويترز)- ذكر مسؤول من إحدى الدول العربية الأربع التي قاطعت قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب أن هذه الدول أرسلت للدوحة قائمة تشمل 13 مطلبا منها إغلاق قناة الجزيرة وخفض مستوى العلاقات مع إيران».
الثانية عندما هدد بطلاق واقع، متناسيا أن المسألة مسألة سيادة دولة، ومستقبل أجيال.
أهم ما تكشفه مطالب الدول الأربع، هو وجود رغبة مبيتة لعرقلة أي حل عبر الحوار.
نحن أمام قائمة يفرضها المُحتل على الدولة التي يحتلها، ولسنا أمام «شكاوى»، كما قال عنها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، مع ما تعنيه كلمة شكاوى، أي وجود هواجس يتمنى صاحبها إيجاد حلول لها.
هذه القائمة تتعارض جذريا مع القانون الدولي، ومع نظرة الأمم المتحدة، التي رأت بعد نشرها أن «الأمور وصلت مرحلة خطيرة».
هل هي قائمة مطالب، أم رد على وزير الخارجية الأميركي بعد أن طلب (الأربعاء 21 يونيو)، من دول الحصار تسوية الأزمة ضمن عدد من المحدِّدات هي:
أولًا: داخل مجلس التعاون الخليجي وضمن الوساطة الكويتية.
ثانيًا: أن تكون المطالب معقولة وقابلة للتنفيذ.
ثالثًا: الحرص على وحدة مجلس التعاون الخليجي وتماسكه.
هذه الاشتراطات ضيَّقت على خيارات دول الحصار، التي كانت تريد تدويل خلافها مع قطر، وفرض وصاية دولية عليها، وتجاوز مجلس التعاون الخليجي وقواعده.
قائمة المطالب يمكن فهمها في هذا السياق تحديدا، أي أنها جاءت بمثابة رد على تصريحات تيلرسون، وهو رد اتسم بالعنجهية وانعدام الإحساس بالمسؤولية، وكأن الهدف هو تحييد الولايات المتحدة عبر رسالة مختصرة مفادها: لا علاقة لكم بالأمر.
أيضا هي رد فج على تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، التي كانت قد قالت للصحفيين إن واشنطن «مندهشة» حيال فشل السعودية والدول المتحالفة معها في تقديم تفاصيل بشأن اتهاماتها ضد قطر.
وأضافت «كلما مر الوقت، ازدادت الشكوك بخصوص الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات».
اليوم تأتي قائمة المطالب لتؤكد أن شكوك الولايات المتحدة كانت في محلها، وأن الدول الأربع تمعن في الدفع باتجاه طريق مسدود للأزمة، خططت له منذ أن قررت إطلاق هجومها المباغت والمبيت عبر قرصنة وكالة الأنباء القطرية، ثم القيام بحملة تضليل وأكاذيب وافتراءات استندت إلى شيء واحد فقط: الكراهية.
تعرف الدول الأربع أن لا شيء لديها يؤيد اتهاماتها الفارغة ضد قطر، لذلك لجأت إلى قائمة المطالب التعجيزية هذه لنقل الأزمة إلى مرحلة جديدة من التصعيد، تم التخطيط لها مسبقا، والسؤال الآن: ما هي المرحلة التالية؟.
هي «الطلاق» كما قال قرقاش، وكل ما رأيناه منذ اليوم الأول للأزمة الذي بدأ بقرصنة وكالة الأنباء في 23 مايو 2017، كان هدفه المضي بالخطة إلى نهايتها، ونهايتها الطلاق، أي حصار قطر برا وجوا وبحرا، والإبقاء على هذا الحصار إلى أن تُذعن قطر وتوقع «وثيقة الاستسلام» هذه.
لا.. لن نوقعها
هم يعرفون ذلك، لهذا بالتحديد اختاروا ما يستحيل قبوله، بهدف قطع الطريق على الوسطاء، وأولهم الأشقاء في الكويت.
دعونا ننظر في ذلك الصك المشؤوم، ولماذا هو مرفوض بالكامل:
البند الأول يطلب خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران وإغلاق الملحقيات، ومغادرة العناصر التابعة والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الأراضي القطرية، والاقتصار على التعاون التجاري.
أولا: سفيرنا لدى إيران موجود في قطر منذ الاعتداء على مقر السفارة السعودية في طهران.
ثانيا: لا وجود للحرس الثوري الإيراني في قطر، هو موجود بمخيلاتهم المريضة فقط.
ثالثا: الاقتصار على التعاون التجاري، هل نسوا هنا أن تعامل الإمارات التجاري مع إيران يوازي «40» ضعف التعامل التجاري ما بين قطر وإيران، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما يقوله موقع وزارة التجارة الإيرانية من أن الشركات الإيرانية تدار من قبل الحرس الثوري الإيراني الذي يملك شراكات هائلة مع القطاع التجاري، فإن الإمارات هي الداعم الرئيسي للحرس الثوري الإيراني، في نهاية المطاف.
في الموضوع الإيراني سمعنا الكثير من المديح من دول الحصار لإيران، والجبير تحديدا كان قد قال إن إيران دولة جارة ذات حضارة، هل يمكن أن يتغير هذا الوصف بتغير السياسات؟، هل يمكن إلغاء الوقائع عندئذ؟، بمعنى هل يمكن نكران أن إيران دولة جارة لمجرد الخلاف معها؟، وهل يمكن أن تصبح إيران دولة بلا حضارة، لمجرد أن سياساتها لم تعد تلائمنا؟.
هل يمكن أن ننكر أن مصر القديمة من أبرز وأعرق الحضارات لمجرد أنها كانت واحدة من دول الحصار؟، وهل يمكن أن ننكر أيضا أنها دولة عربية كبرى لأنها تناصبنا الحصار والمقاطعة؟.
ليس الجبير وحده من امتدح هذه الجارة في وقت من الأوقات، بل إن وزير خارجية الإمارات اعتبرها حليفا استراتيجيا، والتعامل معها يجب أن يقوم وفق «نظرة ثاقبة»، ماهي النظرة الثاقبة؟، وهل يتغير الحليف الاستراتيجي بين ليلة وضحاها، أم أن التحالفات مجرد ثوب نرتديه اليوم، ونخلعه بعد ساعة؟!.
القاعدة التركية
البند الثاني يطالب قطر بالإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية الجاري إنشاؤها، ووقف أي تعاون عسكري مع تركيا داخل الأراضي القطرية.
أولا: القاعدة تقوم بناء على اتفاق تم توقيعه منذ 2014، لتأسيس وجود عسكري تركي في قطر. وقد لعبت تركيا خلال المرحلة الأولى من الأزمة، التي سبقت قرارات القطيعة والحصار، دورا متزنا من جهتي الخلاف، وكان الرئيس أردوغان قد أرسل وزير الطاقة التركي والناطق باسم رئاسة الجمهورية إلى كلٍّ من الرياض والدوحة للتوسط واحتواء الأزمة.
ثانيا: هذه الاتفاقية تدخل في صميم السيادة القطرية، وليس من حق أحد، بموجب القوانين الدولية، التدخل في هذه المسألة، أو فرض وصايته، وإذا كان أمر القواعد مرفوضا من حيث المبدأ بالنسبة لدول الحصار، فهل ستغلق الإمارات القاعدة الفرنسية، وتنهي الوجود العسكري المصري في أراضيها؟
وهل ستغلق البحرين القاعدة البحرية الأميركية؟.
وهل ستلغي السعودية التسهيلات الممنوحة للأميركيين؟.
البند الثالث؛ إعلان قطر قطع علاقاتها مع «كافة التنظيمات الإرهابية والطائفية والأيديولوجية»، وعلى رأسها (الإخوان المسلمين- داعش- القاعدة- فتح الشام- حزب الله)، وإدراجهم ككيانات إرهابية وضمهم إلى قوائم الإرهاب المعلن عنها من الدول الأربع، وإقرارها بتلك القوائم والقوائم المسقبلية التي سيعلن عنها.
عن الإخوان تحديدا؛ يمكن أن نتوقف عند مجموعة مواقف:
أولا: الولايات المتحدة لم تعتبرهم إرهابيين بالمطلق، وهي أشارت، على لسان وزير خارجيتها، إلى وجود تيار منهم يوجد في أعلى مراكز القرار بدول عربية عدة لها تحالفاتها مع الولايات المتحدة، وكان وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفيصل، قد أشار إلى أن لا مشكلة مع الإخوان كتيار فكري، وإنما المشكلة مع الذين بايعوا المرشد.
ثانيا: لا توجد أي علاقة لقطر بأي تنظيم إرهابي، كما هو الحال بالنسبة لداعش وغيره، والحديث عن قطع العلاقة معه لا معنى له أبدا، خاصة أن قطر من بين الدول التي تحارب هذا التنظيم.
ثالثا: بأي صفة تصدرون القوائم الإرهابية؟، وعن أي شرعية تتحدثون؟.
هل تم اعتماد هذه القوائم من جانب منظمات إقليمية كمجلس التعاون والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؟.
هل تم اعتماد هذه القوائم من جانب منظمات دولية كالأمم المتحدة، وهي التي نأت بنفسها سريعا عن قوائمكم؟.
ثم هل أصدرت هذه المنظمات قوائم لم تلتزم بها قطر؟.
رابعا: يبدو أن الذي صاغ القائمة يفتقد للحس القانوني في أدنى صوره، عندما ذكر عبارة «.. والقوائم المستقبلية التي سيعلن عنها» أي أنه ترك الباب مفتوحا لإضافة ما ترتئيه دول الحصار مستقبلا، وهو شرط يثير السخرية تماما.
إغلاق الجزيرة
هذه نكتة، لكنها نكتة بليدة، وثقيلة الدم، بل هي فجة وفظة.
هم يعتقدون أن في مقدورهم إسكات هذا الصوت، بعد أن أسكتوا أصوات الناس بقرارات الغرامة والسجن لكل من يبدي تعاطفا مع قطر، لكن الجزيرة ليست تغريدة يمكن طمسها، هي صوت الحق والرأي الآخر، وهي الضوء الذي استطاع أن ينير الظلمات التي أرادوها أن تستمر، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيكون في مقدورهم المطالبة بإغلاق «سي إن إن» أو «بي بي سي» إذا ما اختلفوا مع الولايات المتحدة أو بريطانيا؟.
البند الحادي عشر طالب بإغلاق كافة وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر (على سبيل المثال مواقع: عربي 21، رصد، العربي الجديد، مكملين، شرق، ميدل إيست آي الخ...)، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
هل توجد في الاتفاقيات التي تبرم بند «الخ.....»؟! هذه نكتة أخرى، أي أن الأمر مفتوح لإضافة المزيد كل يوم؟.
كيف وصلت الجرأة بدول الحصار للمطالبة بإغلاق الجزيرة وصحف ومواقع ومجلات؟.
ما هذه الأنظمة الصدئة التي تخشى صحيفة أو موقعا؟!، ثم أليس القضاء هو الساحة الملائمة للشكوى عندما تعتقد أي جهة أنها كانت ضحية خبر يفتقد للدقة؟.
تقول منظمة هيومن رايتس ووتش، ردا على المطالب وما يتعلق منها بالإعلام: يريدون توسيع الرقابة الجبانة.
أما مدير الشبكة العالمية للصحافة فوصف طلب إغلاق الجزيرة بـ «الخطير جدا»، في حين أعرب رئيس تحرير «بريس غازيت» عن صدمته الشديدة.
الانسجام مع المحيط العربي
البند التاسع طالب قطر بأن تلتزم قطر بأن تكون دولة منسجمة مع محيطها الخليجي والعربي، على كافة الأصعدة (عسكريا- سياسيا- اقتصاديا- اجتماعيا- أمنيا) بما يضمن الأمن القومي الخليجي والعربي.
من قال إنكم مجلس التعاون؟.
أنتم «3» من «6» دول تشكل هذا المجلس، وأي مطالب يجب أن تتم عبر هذا الكيان مجتمعا، وهذا البند استهتار فاضح بما قام عليه مجلس التعاون، إذ لا يصح وليس مقبولا، ولا شرعيا، ولا قانونيا التحدث باسمه وتجاهل وجود «3» دول أخرى ليس لديها أي ملاحظة من هذا القبيل.
أيضا تحدثت هذه الدول عن ضرورة انسجام قطر مع محيطها العربي، عن أي محيط تتحدثون؟.
عن الدول العربية المؤيدة لكم، على قلتها؟.
عن الدول التي رفضت حصاركم وضغوطاتكم، وهي كثيرة؟.
عن الدول التي نأت بنفسها عن الأزمة واختارت الحياد؟.
عن أي محيط تتحدثون تحديدا؟.
التعويضات و«صاحب الرز»
- تناول البند الثامن التعويض عن الضحايا والخسائر كافة وما فات من كسب للدول الأربع، بسبب السياسة القطرية خلال السنوات السابقة، وسوف تحدد الآلية في الاتفاق الذي سيوقع مع قطر.
هذا البند يشي بمن وضعه، هو نفسه «صاحب الرز»، وقد وجدها مناسبة لالتهام المزيد من أموال «الأشقاء» بعد أن دمر اقتصاده وأوصل شعبه إلى ما يعيشه اليوم، وهو ليس بحاجة لسرد.
إعداد التقارير
البند الأخير؛ تناول إعداد تقارير متابعة دورية مرة كل شهر للسنة الأولى، ومرة كل ثلاثة أشهر للسنة الثانية، ومرة كل سنة لمدة عشر سنوات.
من سيقوم بإعداد التقارير؟، وهل سيتم اللجوء لدول محايدة كالولايات المتحدة مثلا؟، وإذا افترضنا أنها ستقوم بذلك، فهنا بعض الملاحظات المهمة:
الولايات المتحدة لا تجرم الإخوان المسلمين، ولا تجرم الجزيرة، ولا وسائل الإعلام، وهي لديها قواعد، وقواعدها تقوم على القانون الدولي.
هل ثمة رد على القائمة؟.
أعلنت دولة قطر رسميا أنها تعكف الآن على بحث هذه الورقة، والطلبات الواردة فيها، والأسس التي استندت إليها، لغرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت.
وأكد بيان لوزارة الخارجية شكر دولة قطر، وتثمينها لمساعي دولة الكويت الشقيقة، الهادفة إلى تجاوز الأزمة الراهنة.
لكننا نقول ما يقوله أبناء شعبنا على مواقع التواصل، وفي المجالس، وفي كل مكان:
هذه الإملاءات مرفوضة.
الوطن
copy short url   نسخ
24/06/2017
1480