+ A
A -
مع استلام محمد بن زايد رئاسة الأركان في الجيش الإماراتي في 30 ديسمبر 1992 دخلت الإمارات في تاريخ جديد من التدخلات العسكرية والأمنية والسياسية الخارجية، خاصة في الشؤون العربية.
لقد قام محمد بن زايد بشكل سري بتقديم دعم غير مسبوق للمتمرد العسكري جون قرنق في جنوب السودان عام 1993 تمثل في إهدائه شحنة كبيرة من الأسلحة نقلتها طائرات نقل عسكرية إماراتية إلى الجنوب السوداني.
وتابع محمد بن زايد تلك التدخلات ومن أهمها إرسال قرابة 1200 جندي إلى أفغانستان إبان تدخل جورج بوش عام 2003.
كانت أكبر ضربة تلقتها حكومة الإمارات قتل 6 من كبار موظفيها من ضمنهم سفير الإمارات لدى أفغانستان في قندهار بداية هذا العام 2017 دون أن تتضح الجهة الفاعلة، حيث نفت جماعة طالبان أفغانستان أي دور لها في العملية، ويرجح بعض المحللين أن تكون لإيران يد في العملية كانتقام من تجاوز حكومة الإمارات الخطوط الحمر المرسومة لها إيرانيا في اليمن.
وشاركت الإمارات في تصميم وإدارة الثورة المضادة في ليبيا التي تبلورت في إعلان حفتر تأسيس ما سُمي بالجيش الليبي ومعركة الكرامة عام 2014 ضد ثوار بنغازي، حيث ثبت تورط الإمارات في كل الأعمال العدائية ضد الشعب الليبي، والتي وصلت إلى حد إنشاء قواعد عسكرية جوية في ليبيا كقاعدة مطار الكاظم، والقيام بعمليات قصف مستمرة للمدن الليبية، وذكرت تقارير صحفية تكليف حكومة الإمارات لشركة ريفلكس ريسبونسز (REFLEX RESPONSES)، بلاكووتر سابقا، بتشغيل قاعدة مطار الكاظم في ليبيا لقصف المدن الليبية.
بل، بلغ حماسة حكومة الإمارات لأداء دورها في ليبيا إلى إرسال جواسيس إماراتيين لإدارة الحرب ضد الشعب الليبي، وذلك عندما انكشف أمر الجاسوس يوسف صقر الولايتي، والذي قُتل في ظروف غامضة بداية هذا العام 2017، حيث تُرجح مصادر مطلعة قتله في محاولة إخراجه من السجن ودفع الإمارات فدية كبيرة لذلك.
كما شاركت الإمارات في عاصفة الحزم التي أعلنتها السعودية على لسان وزير خارجيتها من واشنطن في شهر مارس 2015، والتي أدارتها حكومة الإمارات وفق أجندة خاصة بها قادت إلى نتيجتين خطيرتين، هما الدفع نحو فصل الجنوب اليمني وإعلانه كجيب مستقل عن الشمال، ووضع خطوط حمر على كتل يمنية أساسية وحرمانها من المشاركة الفاعلة في تحرير بلدها، وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح وقبائل محددة.
الأخطر من ذلك، الوقوف القوي الخفي، والمعلن أحيانا، مع علي عبد الله صالح عبر استضافة ابنه وأمواله الهائلة التي سرقها من اليمن، وهو ما أدى إلى دعم مباشر لحليفه الحوثي، والذي من المفترض أنه عدو للإمارات في معركتها في اليمن.
يُضاف إلى التدخلات العسكرية الإماراتية في الخارج التدخلات الأمنية والسياسية والمالية والإعلامية ضد الدول والجماعات، كما هو الحال في الحرب الأمنية المبكرة التي شنتها الإمارات على حركة حماس، والتي تمثلت في اعتقال أحد الكوادر القيادية لحماس في أبوظبي عام 1992 وإبقائه قيد التعذيب لمدة 6 أشهر، ثم إخراجه من البلاد ومنع عودته، وتبين أن التحقيق الأمني الذي تعرض له ذلك القيادي كان يركز على جمع معلومات دقيقة عن عمل حماس في الضفة والقطاع.
كما لعبت الإمارات دورا مبكرا في العمليات الأمنية الخارجية، والتي تركز على تصنيع الإرهاب واختراق الجماعات الجهادية وإعادة توجيهها، ومن نماذج ذلك نجاح الأمن الإماراتي في إسقاط أحد الشباب السوريين المقيمين بمدينة رأس الخيمة في نهاية التسعينيات، وهو ابن أحد الإسلاميين، وتكليفه بمهمة اختراق تنظيم القاعدة في أفغانستان، وانكشاف أمره عند وصوله أفغانستان، ومن أحدث النماذج مساهمة الأمن الإماراتي في تصنيع داعش، والذي اتضح من خلال عملية الكرامة التي وضعت الإمارات عميلها حفتر في قيادتها، وما ثبت من تواصل وتكامل وتنسيق بين جماعة حفتر وجماعة داعش في ليبيا في أكثر من معركة وموقف. من أخطر النماذج الأمنية ال ي مارستها الإمارات استضافتها لنموذج المرتزقة الأمني، والذي تم إنتاجه في ظل الحرب الأميركية على العراق، وهي شركة بلاكووتر، والتي اتهمت بارتكاب عمليات قتل ضد الشعب العراقي خارج نطاق القانون الأميركي الذي يحكم الجيش الأميركي، فقام محمد بن زايد بعملية إنقاذ لتلك الشركة عبر إعادة إنتاجها وتغيير اسمها (الاسم الجديد ريفلكس ريسبونسز)، بل وتوقيع عقد معها امتد لخمس سنوات سمح له بموجبه القيام بعمليات تدريب واعتقال وتحقيق على أرض الإمارات وخارج نطاق القانون الإماراتي.
كذلك، من أخطر نماذج التدخل الإماراتي الخارجي إسناد المشروع الصهيوني في فلسطين من خلال محاولة إيقاف المشروع الجهادي فيها، وذلك عبر دعم الجهاز الأمني الذي أسسه الكيان الصهيوني إبان اتفاقية أوسلو عام 1993 ونشوء ما سُمي بالسلطة الفلسطينية وخصوصا في غزة، حيث ثبت من خلال فشل الانقلاب الذي حاول العميل الصهيوني محمد دحلان أن ينفذه عام 2006 في غزة ولجوئه إلى الإمارات وعمله المكشوف مع محمد بن زايد إلى درجة أن أصبح أحد مستشاريه الأمنيين بأن العلاقة بينهما كانت علاقة وفق ارتباط أمني استراتيجي وأهداف مشتركة، ولا يمكن لتلك العلاقة أن تؤسس دون دخول الموساد في ترتيبها وتنسيقها.
تدخل الإمارات السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي الخارجي في ظل نشوب الثورة العربية يأتي كأحد أخطر وأقوى النماذج على التدخل التي مارستها حكومة الإمارات في الخارج، والتي عُرفت باستراتيجيات الثورة المضادة، وتمثل ذلك في الإعداد للانقلاب في مصر على الحكومة الثورية المصرية عبر التواصل مع أجهزة الأمن المصري، وعبر استضافة رموز الحكم العسكري المصري كأحمد شفيق، وعبر الدعم المالي المفتوح لكل برامج الثورة المضادة، ومنها البرامج الإعلامية الذي استهدف شيطنة قيادات الثورة المصرية، وعلى رأسهم حكومة الرئيس مرسي.
ولولا الدعم اللوجستي الذي قدمته الإمارات، والذي تمثل في التخطيط الاستراتيجي والإيواء والدعم المالي والإعلامي لما تمكنت فلول النظام الأمني في مصر أن تصل إلى تلك النتيجة، ولم يقف أمر الدعم والتخطيط الإماراتي للثورة المضادة عند مصر، بل تعداه إلى كل بلاد الربيع العربي. إن أهداف الإمارات في تدخلاتها الخارجية تتلخص في «أداء الواجب الأول الذي يضطلع به نظام القمع العربي، وهو المساهمة في ضبط الشعوب العربية لصالح الهيمنة الغربية التي تأسست عام 1882 عندما احتلت بريطانيا مصر وبدأت تتوسع منها إلى كل الاتجاهات، وقد كان كل نظام عربي يقوم بهذه المهمة منفردا في بلده إلا في حالات محدودة عندما احتاجت بعض المناطق للدعم».
الإمارات تهدف أيضا إلى «إعطاء وإظهار نموذج متقدم في استخدام أداة الجيش والأمن في ضبط الساحات الداخلية والخارجية، حيث يقوم النظام السياسي العربي على هذين الركنين في أداء مهامه».
و من بين تلك الأهداف «تأمين الوصول إلى كرسي الرئاسة في الإمارات، والذي يطمح له محمد بن زايد منذ نهاية الثمانينيات ولم يصل إليه بعد، فقد كان مضطرا لأن يسلك مسالك مختلفة من المكر والتخطيط الاستراتيجي والمثابرة لتحقيق حلمه».
إن حكومة الإمارات تهدف «لمنع الشعوب من العودة إلى دينها وتحكيم شرع ربها ومنعها من طلب الحرية وبناء النظم السياسية السيدة التي تمثل الوجود الحقيقي لهذه الشعوب وتاريحها وحضارتها، ومن هناك عملت حكومة الإمارات بكل ما أوتيت من قوة على شيطنة الحركات الإسلامية، فعملت في التسعينيات والعشرية الأولى من الألفية الثالثة على شيطنة الجماعات الجهادية، ثم هي الآن تعمل على شيطنة الإخوان المسلمين وتعاقبهم على انحيازهم لثورات الشعوب في المنطقة».
أما الهدف الأخير فيتمثل في «السادية والتلذذ بالتعذيب التي هي سمة أساسية في منظومة الحكم العربي وخصوصا في أبوظبي، والاستعداد لدعم القمع العربي في كل مكان، بل وببذل الأموال والرجال في سبيل تحقيق هذا الهدف، والتطوع للقيام بهذا الدور العابر للأقطار العربية».
أدوات الإمارات
لقد تمكنت حكومة الإمارات من تأسيس ورعاية بنية تحتية واسعة لتحقيق أهدافها ولضمان التدخل الفاعل خارج حدودها، مثل المؤسسات المالية، وأولاها الصندوق السيادي لأبوظبي الذي يحل ثانيا على مستوى العالم والأول عربيا، والذي تبلغ قيمة أصوله 773.0 مليار دولار.
ومن الأدوات التي تعتمد عليها الإمارات في تدخلاتها الخارجية أيضا، المؤسسة العسكرية والأمنية، والتي يبلغ عدد العاملين فيها قرابة 60 ألف جندي، وقد تم تنظيمها وتدريبها وفق المعايير العالمية، مما جعلها مؤهلة للأدوار الخارجية، وخصوصا مع مستوى التجهيز الحديث الذي تتمتع به من حيث الأسلحة والمعدات.
وكذلك، المؤسسات البحثية والاستشارية، ويأتي مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مقدمتها، حيث تأسس المركز عام 1994، وهو «العقل المدبر الذي يخطط كافة العمليات العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية لحكومة الإمارات».
وتأتي مجموعات مراكز البحوث والاستشارات وجماعات الضغط في الخارج وخصوصا في أميركا وأوروبا كإحدى الأذرع المؤثرة التي تشتريها حكومة الإمارات في محاولتها للتأثير على منظومات الحكم في الغرب.
ولا ننسى دور المؤسسات الإعلامية الإماراتية، وعلى رأسها قناة سكاي نيوز العربية التي يملكها الملياردير اليهودي روبرت مردوخ، وقناة العربية التي أسستها الحكومة السعودية كمنافس لقناة الجزيرة عام 2003، والتي اتخذت من الإمارات مقرا لها، مع شبكة واسعة من الجرائد والمواقع والمراسلين والكتاب والصحفيين الذي توظفهم الإمارات لخدمة أهدافها في السيطرة على العقول العربية.
أما الجيش الإلكتروني الذي يوظفه أمن الإمارات، فقد توسع في السنوات الأخيرة لكي يشمل دولا خارج الإمارات وخصوصا مصر، وبرزت أدلة كثيرة على توسع هذا النوع من التوظيف لمواجهة حالة الحرية والمصادر المفتوحة التي توفرها الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
تحاول حكومة الإمارات أن تدخل تحت المؤسسات العالمية والأداء العالمي كي تخفي بذلك حضورها وتدخلاتها خارج حدودها وتتموضع في النظام العالمي الجديد، خصوصا وأن موقعها كنقطة ترانزيت عالمية تتيح لها ذلك. أما المؤسسات الخيرية فهي إحدى الأذرع التي تستخدمها حكومة الإمارات لمد تدخلاتها والتغطية على التدخلات القذرة بالوجه الخيري، كما شهدت بذلك أفغانستان واليمن وجزيرتها سوقطرة التي تعتبرها الإمارات من غنائم الحرب التي خاضتها في اليمن.
مآلات التدخل الإماراتي في المنطقة
التدخلات الإماراتية في الساحات الثورية العربية سيترتب عليها إطالة أمد الصراع بين الشعوب وبين الأنظمة الفاسدة، مما يرفع من الكلفة البشرية والمادية، خصوصا مع اعتماد أميركا على استراتيجية تعذية النزاعات وإطالة أمدها بغية استنزاف الشعوب ودفعها لليأس من القدرة على التغيير.
ومن أخطر النتائج لتلك التدخلات انتهاك حُرُمات الأمة من دماء وأعراض وأموال وثروات ومقدسات تحت ذرائع شتى، بل وتسويغ ذلك الانتهاك بالفتاوى وشراء ذمم بعض العلماء والمشايخ وتوظيفهم في هذا الطريق الخطير.
وسيكون من نتائج تدخل الإمارات في الإقليم والمنطقة فسح المجال وإعطاء الذرائع للتدخل الدولي في الساحات الثورية وإلحاق القضايا المستجدة للأمة بالقضايا القديمة كقضية فلسطين دون أن تتمكن الأمة من تحصيل أي شيء من حقوقها في ظل هذه المنظومات الدولية.
أما مآلات التدخل الإماراتي الخارجي، فهي الدفع باتجاه التحالف الصهيوني العربي تحت ذريعة التهديد المشترك الذي تفرضه الثورة العربية، بل والتفريط في قبلة المسلمين الأولى بهذه الذريعة وتوفير الظروف لاجتياح غزة وقتل أهل فلسطين وإعادة تشريدهم.
المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ستدخل في حالة من الفوضى الكلية، نتيجة لرفض أي مطالب شعبية في الإصلاح السياسي والاقتصادي، وإثارة النعرات العرقية والمناطقية والطائفية وتغذيتها، مما يهيئ المنطقة العربية لإعادة تقسيمها إلى كانتونات أكثر تشظيا وضعفا.
copy short url   نسخ
24/06/2017
1157