+ A
A -
ترجمة- محمد الظاهر
الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط، بين قطر من جهة، والتحالف الذي تقوده السعودية من جهة أخرى، ليست عفوية. ذلك أنها حدثت بعد وقت قصير من عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب محملا بمئات المليارات من الدولارات من المملكة العربية السعودية، وهذا الأمر لا يمكن أن يكون من قبيل المصادفة.
وليس سرا كبيرا القول إن قوى الشرق الأوسط تحافظ على اتصالات وثيقة مع إسرائيل. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية الأسبوع الماضي أن الرئيس المصري السيسي عقد محادثات سرية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وزعيم المعارضة اسحق هرتسوغ في القاهرة في أبريل من العام الماضي. وأن هذا الاجتماع قد جاء بعد شهرين من اجتماع السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله ووزير الخارجية الأميركي جون كيري ونتانياهو في قمة سرية في العقبة. وكان أحد الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال اقتراح بأن تعترف الدول العربية بإسرائيل كدولة يهودية.
إذا كان القادة العرب موافقين على منح مثل هذا الاعتراف لإسرائيل، ويمكن أن يحدث ذلك نظرا لعلاقاتهم السرية مع الصهاينة، فلن يمر وقت طويل قبل أن ينخفض عدد العرب الإسرائيليين الذين يشكلون 20 % من السكان وهم مواطنون من الدرجة الثانية. وحتى لو تم طرد جميع السكان العرب من إسرائيل، وهدم المسجد الأقصى، فمن المشكوك فيه أن يرفع ما يسمى بالقادة العرب السلاح في وجه إسرائيل، أو حتى يرفعوا أصبعهم في وجهها.
زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية هي تغيير لعبة العلاقات الإسرائيلية- السعودية. إن أي تحسن في العلاقات مع إسرائيل يمكن الترحيب به إذا ساعد الفلسطينيين على تحقيق الحرية. ولكن تركيز السعودية على معاقبة إيران والفلسطينيين، سيجعل الفلسطينيين ضحية مثل هذا التقارب الذين ينبغي التخلص منهم.
المملكة العربية السعودية، مثل إسرائيل، لم تكن تحب سياسات الرئيس باراك أوباما بشأن إيران وسوريا. وقد نددت الدولتان باتفاق أوباما النووي مع إيران. كما أن أوباما لم يأمر الجيش الأميركي بمهاجمة سوريا، الحليف الرئيسي لإيران.
الآن يريد السعوديون وإسرائيل من إدارة ترامب أن تفعل ما رفضه أوباما: معاقبة إيران والإطاحة ببشار الأسد، الذي يحكم الأغلبية السنية المسلمة في سوريا، لأنه حلقة حيوية في الكتلة الشيعية التي تقودها إيران والتي تشمل أيضا العراق ولبنان (ميليشيا حزب الله).
سياسة ترامب الإيرانية ليست سوى سياسة إسرائيل في إيران. وهو أمر يجب على المملكة العربية السعودية أن تقوم به. وهو بهذا سيعزز جدول الأعمال الإسرائيلي كقيمة إضافية على الصفقات التي قدمتها السعودية للولايات المتحدة بقيمة 450 مليار دولار الشهر الماضي. كما يتضمن عزل حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، ووضع قطر على مسار الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وعاصمتها القدس. فقطر تدعم حركة المقاومة الفلسطينية. ومن خلال الدعم المالي تقوم حماس بإعادة بناء قطاع غزة الذي تم تقليصه تحويله بالفعل إلى أنقاض من قبل إسرائيل في حروب 2008 و2012 و2014.
وقد وجدت المملكة العربية السعودية ودولها وحلفاؤها أسهل الأمور بالنسبة لهم هي شن الحرب على قطر. وهذا الأمر يجد هوى وسعادة كبيرة لدى السعوديين الذين يريدون معاقبة قطر، نظرا للتاريخ الطويل من العلاقات المضطربة بين البلدين.
ونظرا لكره المملكة العربية السعودية المتزايد لإيران، فلن يكون مفاجئا إذا اعترفت المملكة العربية السعودية والدول المتحالفة معها بإسرائيل كدولة يهودية وعاصمتها القدس.
لقد تردد على نطاق واسع أن قادة المخابرات في دول الخليج يقيمون اتصالات منتظمة مع قادة المخابرات الإسرائيلية. وقبل يومين من قيام التحالف بقيادة السعودية بقطع العلاقات مع قطر، ذكرت تقارير إعلامية أن سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن كان له صلات وثيقة مع المؤسسة الفكرية المؤيدة لإسرائيل(مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات).
ونقلت التقارير عن رسائل البريد الإلكتروني المسربة قولها إن السفير الإماراتي يوسف العتيبة والمؤسسة تبادلوا الأفكار والرأي بشأن طرق التعامل مع قطر بسبب دعمها لحماس وإيران. ووفقا لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن العتيبة تربطه صلات قوية مع جاريد كوشنر، صهر ترامب اليهودي.
وقال أحد الوزراء الإسرائيليين لـ«المونيتور» في واشنطن «يبدو أن التحالف الإسرائيلي-السعودي قد انفجر فجأة وخرج عن سريته ليكون واضحا أشد الوضوح على الصعيد الدولي».
وبالرغم من أن وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان قال «إن الدول العربية التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع قطر لم تفعل ذلك بسبب إسرائيل، ولم تفعل ذلك بسبب القضية الفلسطينية. لقد فعلوا ذلك بسبب مخاوفهم من الإرهاب الإسلامي المتطرف. وإلا أنه مما لا شك فيه أن يفتح هذا الأمر المجال للعديد من الفرص للتعاون في الحرب ضد الإرهاب».
إن مثل هذا البيان مثير للسخرية! ألم يقرأ ليبرمان عن رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية التي اتهمت السعودية بتمويل الإرهاب الإسلامي الراديكالي؟ وكانت قطر عبارة عن كبش فداء فقط.
إن حرب الولايات المتحدة في مجال الإرهاب غارقة في المعايير المزدوجة.
لقد اتهم ترامب قطر بدعم الجماعات المتطرفة، لكنه وافق من جهة أخرى على صفقة بقيمة 12 مليار دولار لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-15 إلى قطر كما أنه أرسل سفينتين حربيتين لمناورات عسكرية مشتركة مع قطر المحاصرة، حيث تحافظ الولايات المتحدة على قيادتها المركزية في الشرق الأوسط.
كما أن تاريخ العلاقات الدولية في الولايات المتحدة مليء بتقارير عن دعم جماعات إرهابية تتراوح بين متمردي كونترا في نيكاراغوا وتنظيمات تابعة للقاعدة في ليبيا وسوريا.
ويتساءل المرء عما إذا كانت أزمة قطر، التي تظهر الآن دلائل على نهاية تفاوضية لها بعد أن ألقت تركيا ثقلها الكامل وراء قطر، كانت خطوة متعمدة لإبقاء القضية الفلسطينية بعيدا عن الأضواء الدولية في الوقت الذي يحتفل فيه الفلسطينيون بالذكرى الخمسين للعيش تحت الاحتلال بعد الحرب العربية- الإسرائيلية عام 1967.
إن التركيز على قطر يجعل من المستحيل أن يكون هناك أي نقاش دولي حول إنهاء القضية الفلسطينية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ فلسطين. لقد استفادت إسرائيل من هذه اللامبالاة، واتخذت إجراءات صارمة لمواصلة معاقبة «حماس» بخفض إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة، وطلبت من وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بالمغادرة. إن العامل الإسرائيلي في الأزمة السعودية- القطرية كبير جدا بحيث لا يمكن تجاهله.
copy short url   نسخ
21/06/2017
1629