+ A
A -
يجري الحديث حول إعادة التدوير للحدّ من الاستهلاك ودعم الاقتصاد في الدول المتقدمة، ويقاس تقدم تلك الدول بمقدار ما تحقّقه من إنجازات بهذا الشأن، ولكن يبدو أنّ أمّي ومن قبلها جدّتي قد سبقتا هذه الدول بسنوات في هذا المجال، فقد تفنّنت كلتاهما في فن إعادة تدوير الطعام، وأطلقن على هذه العملية اسم «حواضر».
عندما سمعت جدتي لأول مرّة وهي تخبر جارتها في ذلك النهار الرمضاني القائظ بأنّ إفطارنا سيكون هو «حواضر» سرح خيالي الصغير بمعنى هذه الكلمة، فلم يمرّ أمام عيني على المائدة أيّ صنف يحمل هذا الاسم من قبل، رغم أنني صرت أحفظ كل أكلات جدّتي الشّامية ذات الأسماء المركّبة والغريبة والمضحكة أحياناً، ولكن هذا الصنف لم يرد يوماً على لسانها إلا في ذلك اليوم، وانتظرت حتى انطلق أذان المغرب، ورأيت حواضر جدتي، وقد كانت عبارة عن عملية إعادة تدوير لبقايا طعام سابق في أيام مضت من أيام رمضان، وقد احتفظت بها جدتي في ثلاجتها العتيقة التي تشبه صندوق الكنوز في الأفلام، بسبب ضخامتها وصعوبة فتحها، حتى جاء اليوم الذي قرّرت فيه أن تقدّمها بهيئة أخرى على المائدة، وقد كان إقبالنا على تناولها ملحوظاً بعد أن أضافت لها جدتي بعض اللمسات الخاصة فلم نكتشف أنّها بقايا طعام «بايت» إلا بعد أن فرغنا من التهامها، وبدأت جدتي بعينين لامعتين تدلان على حنكة منزلية تشرح كيف استطاعت أن تغيّر من هيئة هذه الأكلات حتى انطلت علينا، رغم أنها دائماً ما تردد بأنّ الصائم لا يهوى تناول الطعام إلا إذا كان طازجاً، معلّقة بالمثل الشعبي الذي يوحي بالكلفة والإرهاق «من الغلوة للكبدة».
وهكذا تعلّمت الدرس الذي أتمنّى أن تتعلّمه الزوجات وربات البيوت، وهو عدم رمي بقايا الطعام، والتفنّن في إعادة تدويرها وقد أصبحت صفحات الطبخ على الشبكة الالكترونية تنافس جدّتي في طرق تدوير بقايا الطعام، للحدّ من الاستهلاك، خاصة في رمضان، الذي يشتكي فيه أرباب الأسر من زيادة المصاريف والنفقات، فهل تصبح حواضر جدتي منقذاً لمحدودي الدخل في هذا الشهر الفضيل؟
copy short url   نسخ
28/05/2017
1212