+ A
A -
يقف الدكتور فخري صالح على عتبات سرد فكري ممتع وقراءة فاحصة للوعي الثقافي والسرد والفكر وقضايا عربية وكونية، وقد طوف بالحوار إلى مساحات أعمق في الذاكرة والراهن والمستقبل. عمل «صالح» مراسلاً في الصحافة، فقرأ لنا واقعها. وفي النقد أكد الحائز على جائزة فلسطين للنقد أن هناك نقادا بلا نقد وللدكتور فخري صالح كتب منشورة منها ترجمة «النقد والايديولوجية لتيري ايجلتون» و«المبدأ الحواري: ميخائيل باختين» «المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر» «دراسات في أعمال الشاعر العراقي بدر شاكر السياب».
ضمن مشاركته في ختام فعاليات لجان جائزة الطيب صالح العالمية للابداع الكتابي. وفي الخرطوم كان اللقاء..
هل تحول غياب النقد إلى حقيقة، يتم تعضيدها بهذا الانفجار الكبير في الكتابة والنشر ورقياً، اليكترونياً؟
- أنا لست سعيداً، بوضع العالم العربي كما نراه في راهنه، وهذا التمحور والتشرذم والتفتت. والنقد بصورة نرجوها، غير موجود، يوجد نقاد وليس هناك نقد، أناس أصحاب تجارب يكتبون في الأدب وقضايا الفكر.
نقاد بلا نقد؟
- الأزمة أو المشكلة، انعدام الحاضنة لهذا النقد، البنية الثقافية، هناك عدم إيمان بقيمة النقد، لا نؤمن بالحوار مع الآراء الأخرى المختلفة، لذلك ترى نقادا ولا ترى نقداً.
احتضنت المؤسسة الأكاديمية في مرحلة مهمة من تاريخ العالم العربي النقد وكان هناك النقاد الكبار الذين خرجوا منها، لماذا غابت هذه المؤسسة؟
- المؤسسة الأكاديمية، تعيش وضعاً لا تحسد عليه، منهارة، وكانت هذه المؤسسة حاضنة ثقافية مهمة للنقد، وقدمت كبار النقاد، أمثال طه حسين، احسان عباس، وأسماء عديدة، عزالدين اسماعيل، وغيرهم.
لماذا غابت؟
- يرتبط ذلك بسؤال الحرية والتضييق عليها وإحكام حصارها، والانتماء لهذه المؤسسة أحياناً لا تحكم بالعلم والاجتهاد والخلق والابتكار، ولكن بأشياء أخرى، ومنها تدخل في تعيين الأساتذة، وبمعايير أخرى لا علاقة لها بالكفاءة الأكاديمية.
تنميط للمؤسسة الأكاديمية في المجال الأدبي؟
- قد تختلف الحالة من دولة لأخرى ولكن المؤسسة لم تعد تقوم بدورها في رفد الساحة الأدبية بالجديد في الرؤية والقراءة النقدية وحتى الأشخاص.
هناك من يدعي أن البنية العقلية العربية ترفض النقد؟
- إذا نظرت إلى وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا الحوار الحاد، ورفض وجهة النظر المختلفة ومحاولة الانتصار للنفس بأي طريقة، تجد أن هناك أزمة في تقبل النقد، وكذلك العمل على إخراجه من مضمون القضية المثارة إلى «الشخصنة».
غياب النقد، ساهم في تغييب سؤال النهضة؟
- المأساة، أن أسئلة النهضة التي طرحت في نهاية القرن التاسع عشر، مع بداية احتكاك المثقف والمفكر العربي مع الاستعمار، هذه الأسئلة، تطرح الآن، ولم نستطع الاجابة على الأسئلة الأساسية التي طرحها مثلاً الكواكبي.
نوع أسئلة النهضة؟
- سؤال أسباب الاستبداد، لماذا تقدم الغرب وتأخرنا، سؤال الآخر، سؤال التعليم ورؤية طه حسين، بوصف التعليم كالماء والهواء، العلاقة مع الغرب.
علاقتنا مع الغرب ثقافياً وفكرياً؟
- لا نستطيع حتى الآن، الاجابة عن هذا السؤال أو الأسئلة، ولم نغادر إلى الآن لحظة الأسئلة التي وجدت مناخاً مواتياً لطرحها نهاية القرن التاسع عشر.
موقع المثقف العربي في الواقع الذي نعيشه في الراهن؟
- المثقف تم تهميشه، نعيش حالة ذهنية صعبة، والمعارك التي نعيشها والانهيار الذي نراه، السبب يرتبط بعدم الاجابة عن الأسئلة الأساسية والفشل في التحول إلى المدنية، نلبس نفس الرداء الذي كنا نلبسه في قرون ماضية، أسئلة الحداثة والتحديث تركناها جانباً واهتم المثقف بقضايا انصرافية، أسئلة الهويات المختلفة لم نستطع إيجاد أجوبة لها، أسئلة لغوية، ثقافية لم نجد لها إجابة، وتنفجر حالياً في الوجوه، دون استطاعة اتقاء شرها، هناك معضلة كبيرة في سؤال المثقف والثقافة والدولة الوطنية.
السرديات الكبرى التي حدثت في الرواية، ألم تساهم في جعل هذه الشعوب العربية، تعيش ربيعاً سردياً، وأصبحت أكثر قابلية للتعبير عن نفسها؟
-هذا السؤال صحيح، لا أريد استخدام مصطلحات تقليدية ماركسية في أن أقول الأدب هو مرآة المجتمع، ولكنه جزء من بناء الهوية في المجتمع، جزء من بناء نظرة الإنسان حول العالم، يجري التعبير عنها في الثقافة، في الأنواع التخيلية السردية، الرواية هي الشكل الأدبي المنتشر في العالم، ونستطيع القول إن الرواية، أسهمت كثيراً في جعل هذه المجتمعات، والفئات المهمشة تعبر عن نفسها نحن في حالة حراك مستمر ثقافياً.
ما هو دور المثقف في هذا الحراك؟
- الدور الذي كان لديه في ستينيات القرن المنصرم لم يعد له في الوقت الحالي في العالم كله ولا يقتصر ذلك على العالم العربي، واختلف تعريفه ولا نستطيع تبنيه كما عرفه «قرامشي» سابقاً مثقف عضوي، مثقف تقليدي، لا نستطيع تعريف المثقف بتعريفه «يبد» بأنه الشخص الذي ينذر حياته لقضيته، ويدافع عنها حتى الموت.
تعريف إدوارد سعيد للمثقف؟
- نعم، هذا التعريف من «جوليان» أخذه ادوارد سعيد في تعريفه للمثقف أيضاً ودافع عنه دفاعاً شديداً، رغم أنه كان يعتبر نفسه من تلاميذ «انطونيو قرامشي» ولكنه يميل في تعريف المثقف إلى «جوليان بندا».
تعريف المثقف حالياً؟
- الآن المثقف، يمكن أن يكون الشخص الذي يكتب على «الفيس بوك» وهو من يستخدم أدوات التواصل الاجتماعي، وفي ثورات الربيع العربي، كان تأثير هؤلاء الأشخاص كبيراً، أكثر بكثير من تأثير المثقفين.
هل طرحت هذه الثورات أسئلة مجتمعية، ظلت حبيسة ودور المثقف في الاجابة عنها؟
- أحياناً، نستطيع التفاعل مع الأحداث في فترة زمنية قصيرة العمر نسبياً، الرواية على سبيل المثال تحتاج وقتاً أطول، حتى يحدث تفاعل منطقي وعقلاني للتغيرات التي تحدث في المجتمع الآن، تصدر روايات تعالج هذه الأسئلة، وأعتقد أن الأسئلة مطروحة أمامنا الكل يعرفها، المشكلة في الأجوبة، أنه السلطة، الدولة، النخب الاجتماعية، الثقافية لا تملك أجوبة على هذه الأسئلة، نحتاج إلى «عقود» للإجابة على أسئلة الربيع العربي.
أنت كاتب مقال ثقافي على مستوى الوطن العربي، هذا غير الاهتمامات الفكرية والنقدية، كيف تنظر إلى دور الصحافة الثقافية ومستقبلها؟
- لا أريد النظر إلى وسائط التواصل، نظرة سلبية لأنها أعطت الفرصة لكل شخص للنشر. وهذه ديمقراطية الصحافة، الكل يكتب على هذه المواقع، أحياناً نجد فيها كتابات جيدة، لكن هذا أثر سلبياً على الصحافة المهنية في العالم العربي. في الغرب المسألة مختلفة، هناك مؤسسات وصحف تحولت إلى رقمية، وظلت تتمتع بشخصية متماسكة، لديها كتاب وصحفيون يغطون أحداث العالم ولديهم حضور كبير في المشهد الثقافي والاجتماعي.
الترجمة ودورها في نقل الأدب العربي إلى العالم؟
- الترجمة من أصعب الأعمال، وأنت تسعى إلى نقل النص من لغة إلى أخرى بدقة وأن تكون هناك أمانة علمية والأدب العربي في الواقع موجود في اللغات العالمية، وليست الأزمة في الترجمة، ولكن المشكلة في استقبال الأدب العربي في الخارج، هناك ترجمات يقرؤها الذين يدرسون الأدب العربي في الجامعات، ولكن القارئ العام لا يقرؤها، وحتى هذه الترجمات أحياناً تصدر من دور نشر صغيرة ولابد من الاهتمام الرسمي من الدول بمشروع الترجمة، كما أن العيون التي لا ترى إلا الغرب عليها النظر إلى الثقافات الأخرى والتي فيها وشائج مشتركة بيننا وبينهم.
جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وزيارة السودان؟
- أنا أعرف الكتاب والمثقفين السودانيين ولدى أصدقاء منهم، هذه المرة الأولى التي أزور فيها السودان، رغم كتابتي عن الطيب صالح وآخرين، وأنا مع تفعيل مثل هذه الجوائز لتقوم بدورها في حياتنا الثقافية، والندوة المصاحبة التي تناولت الأدب الإفريقي، هي ندوة مهمة جداً للمساهمة في الحوار الثقافي واسم الطيب صالح، اسم جامع وهو مثقف عربي وإفريقي، وهو عاشق للمتنبئ ولكن يكتب رواية عن الالتقاء العنيف بين الشرق والغرب، هي موسم الهجرة إلى الشمال، الطيب صالح فكر في قضايا أساسية يعاني منها الشرق والغرب والشمال والجنوب.
الفائزون بالجائزة؟
- سعيد أن الجائزة ترفد الساحة بأسماء جديدة غير المعروفة، وفي المستقبل سيصبحون من الأسماء المعروفة، وأهمية هذه الجوائز وقيمتها المعنوية للكاتب وكذلك المادية، وحافزها الأكبر، في أن الكاتب يجعلها البداية للانطلاقات في مجال الإبداع.
copy short url   نسخ
28/05/2017
1881