+ A
A -
يخطئ من يظن أن بأيدينا أوراق حوار، أو نملك حلولا سحرية لمشكلاتنا المركبة، والمتداخلة، بل والمعقدة، التي تكاد تعصف بواقعنا، وأنه طالما تقوقع كل فريق حول ذاته، وأغلق آذنيه عن أن يسمع من الآخر، سوف تظل القدرة على المعالجة، متعثرة، طالما أفتقدنا آليات تمكننا من ضبط اختلافاتنا وتبايناتنا داخل النسيج المجتمعي الواحد، الذي يظل مهددا بعود ثقاب الحروب والفتن الذي لو اشتعل لحرق الجميع.. وما أحوج الأمم في هذه الحقبة التاريخية، إلى عملية إدراك واقعي للحال حتى تستخدم له الوسائل المناسبة والموضوعية والمنطقية..ويأتي ضمن هذا السياق جدلية التعايش التاريخي بين العرب والأكراد، تعايش أم صدام.. وفي هذا الإطار، عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، مؤتمره تحت عنوان (العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات)،، الذي بدأ فعالياته أمس، ويستمر لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الأول.
وقد ناقش المشاركون، من الباحثين المتخصصين، والمؤرخين، من مختلف الدول العربية وكرد من العراق وسوريا، عدد من الأوراق التي تعرض وجهات نظر متعددة ومختلفة، وحتى متضاربة في بعض الجوانب ولكنها كلها مستندة إلى تحليل علمي ومقاربات نظرية رئيسة في العلوم السياسية والاجتماعية.. ويعد هذا المؤتمر، أوسع تظاهرة أكاديمية في موضوع العلاقات العربية – الكردية، يجتمع فيها باحثون وأكاديميون مختصون عربا وكردا لمناقشة قضايا إشكالية راهنة تفرض نفسها بقوة على الأجندات البحثية العربية والكردية معا، وتتنوع مواضيعها بتنوع التخصصات العلمية والأكاديمية.
من جانبه أكد الباحث هوكر طاهر توفيق في ورقة بعنوان «العلاقات الكردية – العربية (1891-1918): دراسة تاريخية» أن بلاد الكرد (كردستان) قد قسمت بعد الحرب العالمية الأولى بين أربع دول، اثنتان منها عربية. فإضافة إلى تركيا وإيران، تقاسمت كل من الدولتين العربيتين العراق وسورية أجزاء من كردستان. وبعد هذا التقسيم الذي تكاملت أركانه في سنة 1926، دخلت العلاقات الكردية - العربية منعطفا خطرا وصل إلى حد إنكار الهوية الكردية في سورية، وإلى القيام بحملات إبادة جماعية ضد الكرد في العراق.
وأضاف أن العلاقات الكردية - العربية كانت قبل خضوع الكرد للعرب علاقات طبيعية، بل إن الكرد والعرب وجدوا أنفسهم، مرات عديدة، في خندق واحد، وأنه في عام 1918 التي كان هناك نشاطا ملحوظا لجمعية استقلال كردستان التي أُسست في مصر، تفاعلت العلاقات بين العرب والكرد في منطقتين مختلفتين. فالمنطقة الأولى هي في جنوب كردستان وغربه (شمالي العراق وسورية حاليا)، إذ شهدت هذه المنطقة صراعا بين العشائر الكردية والعربية في ولاية الموصل وديار بكر. أما المنطقة الثانية التي شهدت علاقات كردية - عربية أكثر عمقا وإيجابية، فكانت ساحتها مصر، إذ احتضنت مصر في تلك المدة حركة ثقافية وسياسية كردية، وأسس الكرد جمعيات ثقافية وسياسية فيها، وأصدروا جرائد كردية كان لها أبلغ الأثر في الحركة الثقافية الكردية، وتأتي في مقدمة هذه الجرائد جريدة «كردستان» التي بدأ صدورها في القاهرة سنة 1898.
ومن جانبه، أوضح الباحث جمال باروت مدير البحوث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في ورقة تحت عنوان «نشوء المسألة الكردية في الجزيرة السورية: مقاربة تاريخية» أن نشوء المسألة الكردية في الجزيرة السورية ارتبط بطبيعة نشوء الاجتماع الحضري فيها. فقد تبدو الجزيرة الفراتية عموما، والقسم الطبيعي الأوسط منها خصوصا، حقبة تاريخية طويلة المدى تزيد على ستة قرون، إثر الدمار الماحق الذي ألحقته بها الاجتياحات التتارية، ومن ثم اقتصرت التجمعات الحضرية في القسم الأوسط منها على بؤر محدودة وضيقة جدا. وفي حين حاولت السلطات العثمانية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني أن تحيي الجزيرة حضريا، فإن إحياءها الحقيقي لن يتم إلا مع سلطات الانتداب الفرنسي على سورية. وقد توفرت شروط نشوء المشكلة الكردية بعد تحطيم معاهدة سيفر (عام 1920) والتحول إلى معاهدة لوزان (عام 1923)، وتحطم الدولة العربية بدمشق، ووقوع بلاد الشام والعراق تحت نظام الانتداب. وتحول العرب والأكراد والأرمن كأكبر الخاسرين.
copy short url   نسخ
30/04/2017
2883