+ A
A -
- د. السيد أحمد برايا
تبدو الحياة كأنها قصائد كثيرة لا تكتمل وغزوات لا ينتصر فيها أحد ولا ينهزم فيها أحد، قد يكون هدفها الوحيد حفظ التوازن وسط عالم غير متوازن.. هل الشفاء المطلق واقع يعيشه المرء أم أنه أمل زائف يتطلع إليه ومجرد وهم من شأنه أن يجعل الحياة أكثر مدعاة للجمال؟
فالوجود الذي نعيش فيه يحتوي حركة تداخل الليل والنهار والظلام والنور والمعرفة والجهل والشهادة والغيب فلكل شيء في حياتنا حدود ومعايير فإذا زاد الشيء عن طبيعته انقلب إلى مكون آخر.. فرب عناصر مهمة تحتاجها الكائنات الحية تتدبر بها عملياتها الحيوية فإذا بها سموم ناقعات.
إن أجسامنا وأجسام الكائنات الحية الأخرى تحتاج إلى عناصر الزرنيخ والنحاس والحديد واليود بكميات ضئيلة وغيابها فيه خطر على حياتها ومع ذلك فإذا زادت عن كمياتها أصبحت سامة.. والفيتامينات التي يظن بعض الناس أنها واهبة الحياة أو أن الجرعات الكبيرة منها قد تمدهم بقوة بدنية بعضها قد يصبح ساما إذا زاد ما يتناولونه منها عن الحسابات المقننة. الذين يعيشون قرب الحدود القطبية يأكلون لحم الدب القطبي لكنهم إذا أكلوا كبده أصابهم التسمم ويرجع ذلك إلى فيتامين (أ) الموجود بتركيزات عالية وغير عادية في كبد الحيوان أي أن الشيء الذي يصلح الحياة هو الذي يفسدها إذا أسرفنا فيه من مال وطعام وشراب ودواء.. إن أقراص الأسبرين التي تزيل الصداع وتخفف الآلام الروماتيزمية وتخفض ارتفاع الحرارة عند زيادة الجرعة قد تسبب ضررا ومعظم الأدوية سموم ومن أجل هذا حددت جرعاتها فالمضادات الحيوية قد تقتل الميكروب لكنها قد تقتلنا وكذلك المبيدات قد تقتلنا لكن الجرعة التي تقتل النمل لا تقتل الإنسان. كل الحياة سموم لأن من صفاتها تناول النافع والضار لا يختلف في ذلك الميكروب عن النبات والحيوان والإنسان.. فما من كائن حي يتناول خامات الحياة إلا ولها نتائج سيئة وما لم يتخلص منها أولا بأول فلابد أن تتجمع وتصبح سموما تبعث به إلى حيث لا يعود..إن منافذ الهواء والطعام في أجسامنا تذخر بأعداد رهيبة من الميكروبات وهي بطبيعة الحال مسالمة بل إن بعضها يعيش حياة تعاونية مثمرة ويرد لنا الجميل على هيئة مجموعة من الفيتامينات المهمة وهي مجموعة فيتامين (ب) المركب ولهذا تعتبر هذه الميكروبات المصدر الأساسي والدائم لهذه الفيتامينات.. فمن الميكروبات ماهو مفيد وماهو ضار ويظهر من سمومها مثل التي تسبب الأمراض. وكما مات البحر الميت فإن هناك أنهارا تموت كما مات والموت هنا موت الكائنات الحية التي تعيش في الأنهار بفعل المواد السامة التي تلقي فيها فكيف يموت النهر؟ سم العقرب الأصفر يحتوي على بروتين تم فصله وتناوله بعض مرضى سرطان المخ وبينت النتائج أنه يحطم الخلايا السرطانية بينما لم يسبب أي ضرر لخلايا الجسم الطبيعية وهو بارقة أمل لعلاج سرطان المخ. تحويل السموم القاتلة إلى دواء مثلا الوارفرين دواء مضاد لتخثر الدم في الأوعية والشرايين ظهر لأول مرة عام 1948 تم تسويقه أصلا كمبيد للقوارض وشائع استخدامه حتى الآن لنفس الغرض وبعد سنوات تبين أنه فعال في الوقاية وتم إقرار استخدامه كدواء في بداية الخمسينيات ولايزال شائع الاستخدام.. الديجيتاليس مقوية لعضلة القلب وله خاصية التراكم مما يزيد من سمية الجرعة المعتادة وهناك من السموم من دخل التاريخ وارتبط بعظيم أنهى حياته وهو في الأصل دواء مثل ذلك الذي تجرعه فيلسوف الدهر سقراط فقد تجرع نبات الشوكران. وكان لبعض النباتات الطبية دور دراماتيكي في التخلص من الأعداء والخصوم حيث كان يقدم لهم المشروب مخلوطا بمستخلص نبات الداتورة فيقضي عليهم أو يفقدهم وعيهم.
على ماذا يتوقف تعامل الإنسان مع الوسط المحيط به؟ على ما عنده هو وليس على ما في المحيط حوله. الإنسان ليس كائنا ساما وإن كان هو صانع أكبر حصيلة من السموم التي لوث بها هواءه وماءه وطعامه ولكن أحيانا يكون ساما في أقواله وأفعاله وتكون الكلمة أكثر فعالية من السم.
أما إمكانية تعامل الإنسان بشكل عام مع المحيط به يتوقف عليه بالدرجة الأولى أكثر من الوسط الخارجي ففهم ما حولنا يتم بقدر ما عندنا وليس بقدر ما حولنا. وليس كل ما نراه له دلالة واحدة فإن عصفورا واحدا لا يصنع الربيع.
copy short url   نسخ
30/04/2017
5355