+ A
A -
باتت قراءة القصص على المنابر ملمحاً ثقافياً وإبداعياً في الكثير من المحافل الأدبية العربية، أي أن الأمر لم يعد حكراً على الشعر الذي سيطر على المنابر العربية لعهود طويلة، فملتقيات القصة وحفلات توقيع المجموعات القصصية تشهد قراءات من على المنبر للقصص سواء كانت قصيرة أو قصيرة جدا.
في بدايات هذه الظاهرة استهجن البعض الأمر ورفضوه ثم ما لبثوا أن استصاغوه لا بل وشاركوا بفعالية به، إلا أن الكثير من النقاد والقاصين والمهتمين يشددون على أن قراءة القصة منبرياً إبداع فني لا يتقنه الجميع وهو بحاجة لمواهب وقدرات خاصة في جذب المستمع أو جمهور الجلسة وغيرها من الاشتراطات التي يحدثنا عنها في ذلك الاستطلاع كتاب أردنيون بعضهم شارك مؤخراً في ملتقى عمان الخامس للقصة والذي نظمته أمانة عمان الكبرى مؤخرا لثلاثة أيام وبمشاركة نخبة من القاصين والنقاد العرب، وتضمن جلسات يومية للقراءات القصصية.
موهبة جذب الجمهور
أستاذ الأدب العربي والنقد في الجامعة الأردنية الناقد الدكتور إبراهيم خليل شدد على جاذبية أسلوب القاص القارئ في إنجاح القراءة أو فشلها، ويقول «قد لا يذكر المشاركون في هذا التحقيق عن القراءة القصصية في أمسية أو ندوة أن أول أمسية قصصية عقدت في الأردن كانت بمبادرة من المرحوم إلياس خليل جريس في غرفة تجارة الزرقاء، بمشاركة القاصة هند أبوالشعر، والقاص فخري قعوار، والقاص المرحوم خليل السواحري. وقمت بتقديم متابعة نقدية للقصص، ونشرت صحيفة عمان المساء الأسبوعية متابعة للندوة. وكان وقع الأمسية جيدا».
ويتابع «لكن هذا لا ينفي أن الجمهور يجد مشقة في متابعة القاص- في بعض الأحيان- وهو يتلو قصته على المسامع، بالرغم من وجود جهاز تكبير الصوت. ولكن من الممكن التغلب على هذه المشكلة إذا اتصف أداء القاص في أثناء قراءته لنصه القصصي بالأداء التمثيلي، بحيث تتحول القراءة إلى ملفوظ درامي يشبه الحوار في السيناريو، وبذلك يشد الجمهور شدا، وتنشأ بسبب ذلك الصوت، وتلك النبرة، همزة وصل بين الكاتب والمتلقي، وفي غير هذه الحال تبدو قراءة القصة في الملتقى نشاطا عبثيا لا يحقق الغاية المرجوة منه»..
وأضاف «ومما يزيد الطين بلة أن بعض الكتاب يقرؤون قصصا في الأماسي تقوم على الرموز، والتجريب، ولا يطرد فيها المتخيل السردي، مما يحتاج التجاوب فيه إلى قراءة، أو إعادة القراءة. ومن هذا القبيل ما يقدم تحت مسمى القصة القصيرة جدا، فهي ومضاتٌ لا تشد المتلقي لبعدها عن صلب القصة، وهو الحكاية».
كيمياء الكلام
يقول القاص عامر الشقيري «ربما لا يتقبل البعض فكرة إقامة أماس قصصية للشعور بالضيق الذي عادة ما يرافق الإلقاء الطويل نسبيا إذا ما قورن مع الشعر والمقارنة هنا لا تجوز وأيضا كيميائية الكلام نفسه بالنسبة للسرد الذي يتسم بالجمود عادة.. في الشعر الأمر مختلف تماما والمتلقي مهيأ لاستقبال الكلام بطريقة تختلف عن سرد الحكاية».
ويضيف الشقيري «هنالك نصوص عظيمة يشوهها الإلقاء المتعثر أو المرتبك ويفقدها توهجها وهنالك نصوص عادية الإلقاء العظيم يجعلها تتوهج في مخيلة المتلقي ولو للحظة الأمر يتصل بالشعر والقصة على حد سواء.. ثمة شعراء أستمتع جدا بنصوصهم لكني أضجر وأنفر حين أستمع إليها بأصواتهم وبإلقائهم. أعتقد أن القصة المشعرنة والمكثفة المحملة بجمل قصيرة والتي يحضر فيها عنصر الحركة بقوة تلاقي قبولا لدى المستمع أكثر من غيرها وهذا ينطبق على القصة القصيرة جدا.. على وجه العموم طريقة الإلقاء من نبرة الصوت وتعابير الوجه وسرعة السرد لها دور كبير في نجاح المهمة.. عليك أن تصفع المتلقي أن تحفر في ذهنه عميقاً..اختيار القصص التي تحمل مفارقة قصص النهايات المفاجأة أيضا القصص ذات التكثيف العالي والاقتصاد اللغوي يعزز من النجاح آنف الذكر».
ويختتم بالقول «التأثر بالنص، وهذا نقطة مهمة، أقصد بخصوص أن يقوم شخص آخر غير الكاتب نفسه بالإلقاء مهما كان متأثرا بالنص لن يصل للنشوة التي تصيب الكاتب نفسه أثناء الإلقاء والتي سينعكس أثرها لا بد على المستمع نفسه فتلاقي القبول».
قدرات متباينة
من جهتها تعرب القاصة تبارك الياسين عن مدى حبها لمثل ذلك الشكل الإبداعي وطقوسه المختلفة، لكنها تقول إن على القاص عندما يتلو قصته على منبر ما أن يمتلك قدرات مميزة في جذب المستمع أو الملتقي المتابع، وتضيف«القصة والقراءة على المنابر هو فن قديم له ميزته وجمالياته، وأنا من الذين يفضلون هذا النوع من القراءات».
وتتابع «رغم اختلاف الزمن مازالت القصة حسب رأيي تتمتع بخاصية الاستماع من الآخرين.. فنحن من أحفاد الحكواتي الذي كان يجمع حوله المستمعين للقصص البطولية ونحن من كنا نستمع للقاصات العظيمات جداتنا، إلا أن المشكلة التي تواجه قراءة القصة اليوم على المنابر أظنها في القاص الذي عليه أن يملك أدواته الخاصة في جذب انتباه المستمع وشده لكلمات القصة بحرفية بالغة... قوة الصوت في الشخصيات أو محور القصة يجب أن يكون هادرا.. مهما كان طول القصة أو قصرها».
copy short url   نسخ
30/04/2017
2491