+ A
A -
الخرطوم - الوطن- محمد نجيب


شهد مقهى «بابا كوستا» وسط الخرطوم، أحد أقدم المقاهي التاريخية، فعاليات ذكرى التشكيلي والروائي والشاعر والموسيقي محمد حسين بهنس الذي ولد بأم درمان العام 1972 ورحل في ظروف مأساوية على أحد أرصفة شوارع القاهرة بردا وجوعا في ديسمبر من العام 2013، وأثار رحيله الكثير من الأسئلة في أوساط المثقفين داخل السودان وخارجه.


وكتبت الروائية أحلام مستغانمي على صفحتها مقالاً جاء فيه «على قارعة التجاهل تكوم ذلك الشاعر وترك الثلج يكفنه في أحد شوارع القاهرة، محمد بهنس ابن السودان الطيب الكريم، كان يثق في كرم الثلج ويفضله على حياة يتسول فيها ركنا دافئا في قلوب الغرباء، ميتة كريمة لا يمد فيها يده لأحد، يده تلك التي لم تكن تصلح سوى للعزف على الأوتار وكتابة الشعر».
وأضافت: «لم أقرأ لك شيئا ولا سمعت بك قبل اليوم، ولكني صغرت مذ مت جائعا على رصيف العروبة البارد، كل كلماتي ترتجف بردا في مقبرة الضمير، عند قبرك المهمل، أيها السوداني النبيل».. وجاءت هذه الفعاليات بمجهود قام به بعض أصدقاء الراحل تخليدا لذكراه في محاولات لسبر المتن الإبداعي الذي تركه من خلفه.
يقول الشاعر بابكر الوسيلة: وفاة بهنس كانت صادمة ليس للسودان فقط ولكن للعالم كله، ولكي نخلق فعلا ثقافيا لابد أن يكون هناك حراك ثقافي جماعي وفاعل في أكبر محيط ممكن.
وحول التركيز على اللوحات في المعرض دون الأعمال الإبداعية الأخرى للراحل.. يقول الوسيلة: التركيز على اللوحات لأننا وجدناها وعليها كميات مهولة من التراب بعد انهيار سقف الغرفة الخاصة به، وكان لابد من إنقاذها بشكل سريع، وقام التشكيلي وليد إسماعيل حسن ومحمد الأمين إلهامي بانتزاع اللوحات وأعادوها للحياة من خلال معالجات فنية استغرقت زهاء العام.
ومن جهته يقول التشكيلي إلهامي لــ الوطن: إن للفنان الراحل بهنس أعمالا كثيرة مفقودة بين مصر وفرنسا وبعض أصدقائه وأن الجزء الذي يعرض اليوم هو الذي وجدناه بمنزله في غرفته وهذه الأعمال تمثل فترة حياة الراحل منذ الثمانينيات وهو رسم نفسه من خلالها وتجاربه ورؤاه، هنالك جداريات وبورتريهات ومواضيع مختلفة، وبهنس كان متصوفا في حياته.. ويشير الهامي إلى أن مأساة بهنس تعود لصراعات نفسية عنيفة فهناك الكثير من اللوحات المؤلمة التي رسمها وهناك بورتريه لزوجته الفرنسية والتي من الممكن أن تكون جزءا من أزمته.. ويضيف الهامي أنهم اختاروا أن يكون افتتاح الفعاليات بقص سلك طويل بدلا عن القماش كما جرت العادة تعبيرا عما عاناه بهنس من عذابات، والقصد من ذلك أن نعيد له بعض كرامته التي أهدرت، ونسعى لأن يكون هنالك مركز باسمه.
إضاءات
يقول الشاعر عثمان بشري والذي يعد من أساتذة الراحل بهنس إن بهنس شخصية متفردة في جيله رغم صغر سنه، وتعددت مشاريعه الفنية من رواية لقصة لشعر لتشكيل لموسيقى.. بهنس حاول أن يجمع كل هذه الأجناس في شخصية واحدة محددة ومثلما قال المتنبي:
إذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
ويضيف بشري: نحن الآن نحاول عمل إضاءات حول تجربته الشعرية والموسيقية والتشكيلية من خلال هذا المعرض، ومن خلال وضعه في دوره الطليعي في فترة التسعينيات، فبهنس عاش أكثر من غربة داخل الوطن وخارجه ورغم الجوع والشتات كان هو تواقا للمعرفة ذهب إلى فرنسا وألمانيا وإثيوبيا وعرض أعماله في كل تلك البلاد بحثا عن هوية إنسانية وليس هوية جغرافية، ونحن الآن نحيي ذكراه في صيف شديد رغم أنه مات في صقيع القاهرة في فوضى عظيمة وهو خليط الفوضى الخلاقة، كان حالة من التمرد والرفض لكل ما هو تقليدي ومكبل للحراك الإنساني يقول في كتاباته الأولى.
بهديك الفوضى
بهديك ولا شي
وأقطع وديان السهو مشي.
يقول الناقد صابر جمعة بابكر: بهنس فنان شامل رغم أنه غادر حياتنا في شبابه، وارتبط مصيره التراجيدي كرصفائه من كثير من المبدعين السودانيين الذين احترقوا بنار الإبداع، كالفراشات يتوهجون وبحياء يغادرون دنيانا، وهنا ينبثق تساؤل حارق وعريض في عقلنا الجمعي لماذا تضيع ثرواتنا الوجدانية، الروحية والمعرفية، وتتبدد في بلاد فيها كل مقومات الجمال؟ ويبقي عزاؤنا أنه ترك كنزا من التصاوير والرؤى.. بينما يرى الفنان التشكيلي مصطفي عصام الدين أن بهنس بدأ تجربته موهوبا وصقلها بالممارسة والتجربة، حتى أجاد ما يرسم مما تخفيه دواخله تجريدا وما يرسمه نقلا عن الواقع، وكان يرى أن الفن رسالة وهو تعبير صادق عن المشاعر ويشمل القضايا المشتركة مع العامة، وهو مهتم بالموسيقى أيضا ويعزف ويغني مصاحبا بآلة الجيتار.. ويضيف عصام أن بهنس أقام معرضا تشكيليا بمدرسة الفنون بجامعة أديس أبابا بإثيوبيا ورسم لوحات سافر بها لفرنسا فأصبحت مقتنيات لأسرة فرنسية بمدينة أربيج، وشارك في سمنار مع خمسين فناناً إفريقياً بألمانيا عام 2002، وأقام معرضا بالرسم الضوئي بجنوب فرنسا، وكان يقول دائما فلسفتي أن نعيش ديمقراطية حقيقية يستمتع بها العالم وكان يمارس الرياضة ويرى أنه لا مجد بلا عطاء.
صورة عائلية
يقول شقيقه الأكبر علي حسين محمد صالح: إن رحيل بهنس كان فاجعة غامضة، فقد دخل في حالة إحباط وكان يعاني من أزمة وجودية كاملة وهذه الأزمات تركت أثرها على لوحاته، وهذه اللوحات هي جزء من أعماله وهناك لوحات مفقودة ما بين فرنسا والقاهرة ولدى بعض أصدقائه، ووجدنا في غرفته نصوصا شعرية لم تنشر من قبل ونأمل أن تسعى جهات الاختصاص في البحث عن أعماله التي في تلك البلاد.. هو جلس في فرنسا عاما وثمانية أشهر وكان متزوجا بفرنسية انفصل عنها.. وأضاف علي أن المصحف كان لا يفارق بهنس أبدا.. بينما تقول شقيقته ابتسام علي حسين لـ الوطن والتي قامت بافتتاح الفعاليات: إنهم عثروا في غرفته على نص مسرحي كتب له السيناريو بعنوان «صائد الأحلام» وسيعملون على تقديمه كمسلسل تليفزيوني، وقالت إن بهنس كان يرسم طيلة الليل وفي حالة انقطاع الكهرباء كان يستعين بـ«الفانوس» لتكملة لوحته، وكان يحرص دائما على أخذ رأيها في ما يرسمه وعبرت عن سعادتها بهذه الفعاليات والتي تجعلها تشعر وكأن بهنس لايزال حيا بين الناس بأعماله
الجدير بالذكر أن لبهنس رواية واحدة مطبوعة بعنوان «اراحيل» تناولتها العديد من الدراسات داخل وخارج السودان.
copy short url   نسخ
29/04/2017
4712