+ A
A -
نعم، يمكنني أن أشق قلبي بسكين لتسيل منه الجراح وأسماء أحبتي وكل من خدعني وآلمني وأبكاني، لكنني أخاف على قلبي من جرح ترتكبه يدي، حينها سأقف عاجزة عن لملمة جراحه ومواساته بأكذب الكلام الذي نحب أن نصدقه حين تفجعنا النهايات غير المتوقعة بقطيعة أو جرح، فراق أو فقد أو موت.
لو شققت قلبي بسكين سأكون قاتلة الإثنين، قاتِلته وقاتِلتي.
سأفكر بشيء آخر أفعله لأنقذ ما تبقى لي مني حياً ونابضاً ومفعماً بالحب والحياة، سأعيد قصة حب قديمة كنت قد نسيت تفاصيلها لانشغالي بتفاصيل أقل أهمية مما يستحقهما الإثنان، أنا وقلبي.
نعم، سأستعيد حبي للحياة، وسأُنهض أنكيدو الذي مات في قلبي من موته لتتدفق الحياة في شراييننا القاً وبريقاً وصفاء، فنبعث الثلاثة أحياء:
انا وأنكيدو وقلبي
اليوم أدركت وإن متأخرة أن الحياة تحب من يحبها، ومن يحبها يحب كل شيء حوله ويعيد اكتشافه من جديد ليراه جميلاً، وهذا ما قاله ايليا أبو ماضي (كن جميلا ترى الوجود جميلا) .
أما حين يقول محمود درويش بملء روحه: (على هذه الارض ما يستحق الحياة) ، ثقوا بأن على هذه الأرض حب وبالحب وحده تُستحق الحياة.
الطفلة التركية التي جرت عربة دميتها من بين ذويها لتجلس معي قرابة ساعتين، تستحق الحياة لأجلها، لأننا طوال ساعتين لم نصمت كانت تحدثني بالتركية التي لا أتقنها ولا أعرف منها غير كيف الصحة وكيف الحال وارد عليها بالعربية أو الانجليزية التي ربما لم تسمع بهما طفله بعمرها وهي لم تتعد الاربع سنوات، تفاهمنا بلغة الحب ولغة الجسد التي لا يتقنهما معا سوى الأطفال وبعض الحيوانات الاليفة، اكلنا معا رقائق الذرة وقفزنا على الشاطيء ولعبنا معاً وأطعمنا العصافير من رقائق الذرة والتقطنا معا صورا كثيرة تعبر عن فرحتنا وتآلفنا، ثم اسلمت لي رأسها الصغير لأصنع من شعرها الاحمر الطويل ضفيرة جميلة فرحت بها وظلت تتباهي بها أمام امها ملوحة برأسها لتتدلى الضفيرة امامها، وحين رأت الأم فرحة ابنتها وسعادتها جاءت لتشكرني، وابدت دهشة كبيرة حين اكتشفت انني اجنبية لا اتحدث اللغة الوحيدة التي تعرفها ابنتها. هذه الطفلة انتشلتني ببراءتها من الوحدة والضجر.
القطة التركية التي اختارتني قبل أيام من بين كل الجالسين في المطعم لتحوم حولي ثم فجأة مطت جسدها واتكأت بقائمتيها الاماميتين على الكرسي غارزة مخالبها في قشه المجدول لتلفت انتباهي إلى وجودها،لم تغادرني حين اكتشفت أن صحوني فارغة تماما مما قد يلذ لها أو يسد جوعها، هذه القطة تُستحق الحياة لأجلها لانها غمرتني بحب حقيقي وأرخت رأسها على ساقي وأغمضت عينيها تاركة يدي تمسد فروة رأسها بحنو بالغ.
ثمة أمر كنت أجهله كما يجهله الكثيرون غيري، أن للأطفال والقطط القدرة على رؤية الهالة التي تحيط بالبشر والتي تعرف بالطاقة، فإن كانت ايجابية تراهم يقبلون على الشخص ويتفاعلون معه بايجابية وبراءة وحب، وإن كان من ذوي الطاقة السلبية فإنهم ينفرون منه ويبتعدون عنه أو يتعاملون معه بعدائية تحسها في بكاء الطفل فجأة وفزعه لدى رؤية شخص ما، أوفي خرمشات قط ليد امتدت لتداعبه والفرار بعيدا عنها.
شعور غامر بالسعادة انتابني إذ أدركت أنني من ذوي الطاقة الايجابية في داخلي رأتها عيون الطفلة ورأتها عيون القطة وعميت عنها عيون البشر.
copy short url   نسخ
26/04/2017
2775