+ A
A -
في الفن والمذهبية وابتكار أساليب ومدارس جديدة أحيانا لا يعتبر التأثير والتأثر فكرة ذات أهمية كبيرة، فمثلا قد نجد أن هناك أساليب في الفن التشكيلي ومدارس نشأت بنفس المضامين ونفس الأفكار الأولية دون أن يكون إحداها أطلع على الآخر بالمرة وهذا ما يفسر مثلا وجود نفس أساليب الأفرسكو الخاص بعصر النهضة في كنيسة من القرن الثاني عشر في مقدونيا بينما ظهر هذا الأسلوب في القرن الخامس عشر في إيطاليا، وهذا أن دل فأنه يدل على أن علاقة التأثير والتأثر ليست ذات أهمية كبيرة في إطار وجود ظروف مشابهة في عصور متعاقبة أو حتى في عصر واحد في إقليمين مختلفين، فمثلا نجد أن بعض فروع السريالية نشأ في أقاليم بعيدة كل البعد عن بعضها البعض بشكل يكاد يكون متطابقا دون أن يكون هناك أي اتصال بين المدرستين من الناحية المكانية واللوجستية.
وهكذا فإن هذه الفرضية تطرح داخلنا تساؤلات كثيرة أهمها هل تطابق الظروف في مجتمعين مختلفين يوحي بنفس الأخيلة في الفن التشكيلي؟ وهل هناك نمط للفن التشكيلي يفرض نفسه خارج علاقة التأثير والتأثر؟ وقبل أن نجيب عن هذه التساؤلات علينا أن نشير إلى أن هذه الفرضية هي من لب الحداثة التي هي في بعض تعريفاتها نتيجة حتمية للرغبة في التطور باستخدام معطيات العصر وظروفه من تطور أو صراعات أو حروب أو اندلاع حركات فلسفية وفكرية.
الحقيقة أن هذه التساؤلات والفرضيات ساقتها تلك النماذج التي تظهر لنا بين حين وآخر في المنطقة العربية ومع أننا ضد فكرة التغريب والنقل الأعمى والتمذهب في تقليد الغرب سواء كان هذا التقليد يناسبنا أم لا إلا أننا نؤيد تماما الإنتاج الفني الذي يسوقه العقل وحتمية التطور متماشيا مع الأصالة والبيئة التي تحيط بالفنان، وتحت هذه الفكرة نجد فنانين كثيرين أخذوا على عاتقهم التطوير من خلال ذاتية مطلقة دون الرجوع لنموذج أو مثال غربي وهذا ما نجده بجلاء ووضوح في جيل الشباب الذي استفاد من دراسته الأكاديمية مع وجود موهبة وفلسفة لصيقة بالعملية الإبداعية ومن بين هذا الجيل الفنان المصري أحمد صابر والذي يمثل بشكل كبير إطار حتمية التطور في الفن التشكيلي فهو بكل بساطة أكاديمي في كلية الفنون الجميلة بالأقصر في صعيد مصر وهو غير منفتح بشكل مباشر على مدارس الساعة في أميركا ونحن نقول مدارس الساعة لأنها حديثة بدرجة قد نجد أن 90 % من فناني الوطن العربي أما يجهلها تماما أو يجهل توجهاتها وإطارها الفكري، ومع هذا الانقطاع بين أكاديمي وفنان شاب مثل أحمد صابر إلا أننا نجد أن خطوطه الرئيسية تواكب بكل ثقة وقوة مدارس الساعة في الولايات المتحدة الأميركية والتي تشعبت وتفرعت لدرجة يصعب معها متابعتها في مقال أو اثنين فربما احتجنا لإصدار أو إصدارين من الكتب لتغطية تاريخ وتوجهات حركة الفن التشكيلي الحداثية وما بعد الحداثية في أميركا، حتى نمكن للقارئ أن يفهم طرحا تشكيليا مثل أساليب مارك ريدن أو أليكس جروس أو لوري ليبتون أو غيرهم من علامات الفن الحداثي في أميركا وربما في أوروبا أيضا.. ففي اتجاهات ما بعد الحداثة في الفن التشكيلي تبدلت الأدوار فبعد أن كانت أوروبا تصدر لأميركا الخطوط والمذاهب أصبحت أميركا تصدر للعالم خطوطا أميركية صرفة مثل المدارس والأساليب التي نحن بصدد الحديث عنها.
تعتبر حالة الفن التي يقدمها أحمد صابر في أعماله حالة تصف حتمية التطور في الفن التشكيلي والتي نجد أنها لا تقتصر على التاريخ فقط كما في الجدل الماركسي لكنه أيضا ينسحب على كل مناحي الفكر والفن، ومن ثم نجد أن أحمد صابر وصل لخطوط عريضة في أعماله تختزل العديد من مدارس الفن التشكيلي فيما بعد الحداثة الأميركية مع كل هذه الحالة من الانفصال المكاني والأكاديمي التي يعيشها فنان وأكاديمي شاب مثل أحمد صابر لكن نجده بين عدة عوالم حداثية ترسم خطوط أعماله بدقة فهو في فلسفة أعماله سريالي أصيل لكنه لا يقدم لنا الطرح السريالي القديم أو الكلاسيكي بل يقدم لنا السريالية الحديثة من معناها الواسع ومن حيث الأفكار، فهو يقدم لنا العديد من مراحل المدرسة الكابوسية التي تقوم على مبدأ حشد الأوهام العقلية والنفسية دون التطرق لأي فكرة طوباوية أو مثالية، والتي تقدم عناصر من الواقع داخل إطار من اللامعقول مع استخدام الرموز كمعادل سريالي داخل اللوحة، لكن مع ذلك يظل أحمد صابر يتطابق بنسبة تصل لأكثر من 80 % مع مدرسة اللوبرو وهي مدرسة من مدارس ما بعد الحداثة الأميركية ولكي نقترب أكثر من فكرة اللوبرو يجب أن نقدم للقارئ شرحا مبسطا وعميقا لهذا المذهب والذي يحلو لبعض المعاجم ترجمته بمصطلح (التخريبية) ولا يعتبر بالطبع هذا وصفا دقيقا بل قد يصل لحد الافتراء لأن هذه المدرسة لا تعتبر قائمة على التشويه بشكل أساسي بل هي أحيانا تلجأ لتفكيك المشهد التشكيلي في الأعمال القديمة وتحميله مضامين حداثية، ويأتي على رأس هذه الفئة فنان اللوبرو الشهير ألكس جروس والذي يعتبر من الفنانين الأكثر ميلا لتفكيك المشهد التشكيلي القديم أي استخدام الأعمال الفنية من الرينيسانس والباروك وتفكيكها أي إضافة مضامين حداثية لها من خلال بعض التركيب الذي يعتبره البعض تشويها ويعتبر ألكس جروس أكثر فناني اللوبرو مبالغة في التشويه لأنه أيضا يلعب على استخدام البوب آرت، أي أنه يقوم بتشويه مضامين تشكيلية من خلال الإعلانات القديمة والماركات العالمية التي احتلت العقل والروح من وجهة نظره، لذلك فإن جروس يثبت الاسم الآخر لمدرسة اللوبرو في أعماله وهو مدرسة البوب سرياليزم أي الجمع بين السريالية والبوب آرت وهذه هي السريالية الحديثة ومن ثم علينا أن نضع القارئ على حقيقة مفاهيمية ليستوعب المشهد المشتبك في الفن التشكيلي فيما بعد الحداثة الأميركية، هذه الحقيقة المفاهيمية هي أن اللو برو والبوب سرياليزم والسريالية الحديثة ماهي إلى أسماء لاتجاه واحد يختلف في مكوناته من فنان لآخر لكنه يظل يعبر عن نفس المضمون ونفس الجذر ويتبدى ذلك جليا في أعمال مارك ريدن والذي يعتبر من رواد السريالية الحديثة وتختلط في أعماله كل هذه المضامين والمفاهيم حتى أن البعض يعتبره أحد مؤسسي هذا المذهب البعد حداثيا.
لكن كيف تكون الرؤية السريالية الحداثية في أعمال أحمد صابر؟ أولا كما قلنا تظل فكرة حشد الأشياء الصغيرة والتفاصيل المتشعبة والمتشابكة هي إحدى وشائج السريالية الحديثة في أعمال أحمد صابر ومن ثم نجده في هذه الجزئية يكاد يتطابق مع الفنانة الكبيرة لوري ليبتون والتي يمثل اتجاه حشد التفاصيل الصغيرة والمعقدة إحدى أهم خصائص أعمالها الرائعة بل تصبح أحيانا هذه التفاصيل هي اللوحة كلها.
تقدم فكرة حشد التفاصيل المعقدة والصغيرة مع رسمها بدقة وتطابق مع الواقع فكرة سطوة الميكنة على الإنسان كقيمة روحية كما تقدم مشهدا سوداويا أحيانا يمثل انهيارات القيم التي تظهر بعد الثورات الدموية والحروب والإبادات العرقية وهذه الخاصية يشترك فيها صابر مع ليبتون بنفس المقدار، كما يقترب أحمد صابر من لوري ليبتون في خصائص تنفيذية عديدة منها استخدام الأستيلو جرافيك أي الرسم بخامات أقلام الرصاص ومشتقاتها والتمبرا وهو أحد مواطن قوة أحمد صابر ولوري ليبتون التي أصبحت تعيش حالة تسويقية كبيرة من خلال هذه الخصائص التنفيذية، نأتي لأهم خصائص السريالية الحديثة والتي يجتمع فيها أحمد صابر مع لوري ليبتون ومع مارك ريدن أيضا وهي استخدام الرمز وبالتحديد الرمز الحيواني وعلى الرغم من أن مارك ريدن يلجأ للتحوير في النموذج الحيواني إلا أن لوري ليبتون وأحمد صابر يستخدمان النموذج الحيواني بنفس نسبة ومقاييسه الواقعية مع استعارة الشكل الأسطوري أحيانا في بعض اللوحات (مثل البيجاسوس أو الحصان الطائر عند كل من ليبتون وصابر) والنموذج الحيواني يعني الرمزية في معظم الحالات وبشكل كبير من خلال استحضار المضامين الأسطورية للحيوان وهو عند صابر يتكرر كثيرا في السمكة التي تشكل أحد المكونات الأساسية في كل أعماله وهي تعني الكثير والكثير للمصري القديم وخصوصا أهل الصعيد حيث كانت المعبود الرئيسي لأقاليم بعينيها مثل أوكسرينيخوس – البهنسا – وكانت أيضا تمثل رمز الحياة لأنها أحد تجليات الربة حات- محيت وهي إحدى ربات الحياة عند الفراعنة وكانت تعبد في بعض أقاليم الوجه البحري.. وهنا نعود فنؤكد أن الخلفية الثقافية في الحضارة القديمة والأصالة التي تقدمها أحد أهم أسباب نجاح الفنان وانتشاره، لذا نجد أن أحمد صابر من سريالية ما بعد الحداثة دون أن يكون له صلة فعلية برواد هذه المدرسة كما أنه يقدم دون أي مواربة مضامين من صلب هذه المدرسة كتطور حتمي للفن التشكيلي الكلاسيكي الذي أصبح ذا صفة أكثر التصاقا بالقديم.
ولد أحمد صابر في شهر يوليو عام 1987 في سوهاج بصعيد مصر وتخرج عام 2009 في كلية الفنون الجميلة بالأقصر بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وعين مدرسا بنفس الكلية، حصل على المركز الأول في مسابقات المحافظة لفن التشكيلي ستة أعوام على التوالي.. حاصل على المركز الأول في المسابقة الدولية بين مصر وتونس عام 2002 والتي تنظمها وزارة الشباب والرياضة بالتعاون مع دولة تونس. حاصل على الجائزة الثانية في أسبوع شباب الجامعات عام 2007 والميدالية الفضية.. حاصل على الجائزة الأولى في مسابقة شباب المبدعين التي تنظمها وزارة الشباب والرياضة 2008 والعديد من الجوائز وشهادات التقدير الذي لا يتسع المجال لذكرها، له مقتنيات في دولة قطر والبنك التجاري الدولي وجاليري نودر بألمانيا.
شارك في معارض ومناسبات عالمية منها الملتقى الأول بين فنون جميلة الأقصر وفنون جميلة الإسكندرية بعنوان شمال وجنوب الوادي عام 2013.
الملتقى الأول بين فنون جميلة الأقصر وأكاديمية الفنون بالدنمارك لتجميل شوارع الأقصر بعنوان الطريقين (THE 2 WAYS) عام 2013.
شارك في بينالي FABRIANO WATERCOLOUR 2014 في مدينة فبريانو بإيطاليا بمشاركة 400 فنان من أنحاء العالم عام 2014.
copy short url   نسخ
24/04/2017
4301