+ A
A -
علاقة الموريتاني بالشعر علاقة عضوية، كأنهما توأما وجود، ولقد صدق الأديب اللبناني يوسف مقلد عندما قال: إنه خبز حياة القوم، تذكرت هذه الكلمة البسيطة العميقة، عندما تكرم اللقاء الثقافي للجالية الموريتانية في قطر، باستضافتي نهاية الأسبوع الماضي، في ندوة حول المساجلات الأدبية، فعندما أرجعتُ البَصرَ كرَّتيْن، في علاقتي بهذا المنْحى، وجدتُ أنّ أغلب مساجلاتي كانت «مُبَادَهات»، تأتي ارتجالية، عفو الخاطره، وهي غير محفوظة، ولا مسجلة عندي في مدونة مجموعاتي الشعرية،؛حيث تولد غالبا في مهاد غير طبيعي، عبر عكاظيات فيسبوكية، لست من يفتتحها أبدا، ولا من يتعرض لها، لأني أعرف قدري وقدراتي المتواضعة، ولكن عندما يطرق أحد شعرائنا الشباب باب الدردشة معي شعرا، لا أستطيع إلا أن أنخرط معه، وفق ما أراد، لأن علاقتي بهذا الجيل- لله الحمد- علاقة حب وتقدير «بلا حدود».
وهكذا وجدتني، حين فكرتُ في عناصر مداخلتي، في المساجلات، ألوذ بغرفة الدردشة في صفحتي على الفيسبوك، لأنها هي المظنة الوحيدة لوجود بقايا من بقاياها، فلفتَ انتباهي أن أغلبها كان دردشات صباحية، تؤكد مقولة يوسف مقلد السابقة، حيث نتقاسم الشعر، وخبز الفطور، وشاي الصباح....
وقد استطعتُ أنْ أسترجع دردشة شعرية بيني وبين الشاعر الشاب أحمد بيداه يوم 24 مايو 2013، حيث فاتحني:
مــــاذا يضرُّكَ لو قبلتَ صـــــــداقتي
يا ساكـــنا في سابحـــــات الأحـرفِ؟
أنا في القصيدة جئتُ من وطن الرؤى
أهديكمُ من أحرفـــــــــــــــي وتلهفي.
فأجبته:
خُذْ خيْرَ تذكرة لمملكة الرؤى
واسبحْ بها أنّى تشاءُ ورفرفِ
أهلا بكل الطالبين صداقتي
لاسيما عشَّاق دنيا الأحرفِ
فقال:
في الشعر نحن مدينة مهجورة
في الليل منها حيرتي وتأسفي
وبها ملامح شاعر متعبدٍ
منكَ ارتوتْ بالبوح دون تكلف
فرددت عليه:
هذي الشواطئ.. يا عزيزي.. هاجرت
عنها النوارسُ.. صوْبَ بحْر تزلفِ
فاصبرْ.. معي.. مَضَضَ الرصيف
ووحشة الفقر الشريف.. ومتعة المتفلسفِ
وفي قهوة شعر صباحية جمعت بيني وبين الشاعر أحمد مولود بن أكاه 22/01/2014، قال:
صباح النور يا علَمَ القوافي
وسيّدها المظفَّرَ في الزمان
عليكَ سلامُنا جسما يناغي
وروحا لا تقيَّد في مكان
فأجبته:
صباح الشعر.. يسْري طيْفَ حُب
تعتَّق في قوارير البيان
سرَتْ نفحاتُه في مهجتينا
فقاصي عالم الأرواح دانِ
فقال:
ووافت.. فاستدار القلب.. يحكي
أشعرٌ.. جاء.. أم قطع الجُمان؟
ومن يغشَ الكبيرَ يجدْ حروفا
وليس له بروْعتها يَدانِ
فإني أرْفعُ الأشواقَ شِعْرا
ونُطقي كَلَّ عن خوْض البيان
فرددت:
تغَشَّتْني حروفك إذ تجلَّت
لروحي في مدارات المعاني
بنشوة سكرة أصبحتُ منها
لساني.. الآن.. يبحثُ عن لساني
فعاد:
تجيئك منه أبراجُ المعاني
وترفعُ أنْت أقصرَ من بنانِ
فـ «أدِّي» الشعْرُ كانَ وظلَّ دوْما
ويبْقى فخره أبَدَ الزمانِ
وعلى تمام الثامنة يوم 09/02/2014، تعاطيت قهوة صباح شعرية أخرى مع الشاعر محمد أحيد بن سيد محمد؛ حيث فاتحني:
نسيمُ الشعْر والعبَقِ الجميلِ
يهدْهدُه الخليلُ إلى الخليلِ
يهَدْهِدُه الغريبُ إلى غريبٍ
تليدٍ في مَرابعه أصيلِ
لشاعرنا.. أمير الشعْر فينا
نقِيّ العِرْض من قالٍ وقيلِ
فأجبته:
جميلَ الشعر.. لا عجبٌ.. خليلي
إذا جاءَ الجميلُ من الجميلِ
تضوَّعَ عطرُ روحك في صباحي
فطهَّرَني من الهمِّ الثقيلِ
فهَبْ لي منك يا رَبَّ القوافي
رحيقا في الصباح وفي المَقيلِ
فقال:
إليك أزفُّ قافيتي بفخْر
لتشربَ من مَعينٍ سلْسَبيلِ
فأنتَ دليلُها حقًّا وإنّي
لأرْفضُ أنْ تسيرَ بلا دليلِ
حماكَ اللهُ يا قبَسًا سيبْقى
يُنيرُ لنا مَطبَّاتِ السبيلِ
فقلتُ:
أترْجوني دليلا؟ مَنْ دليلي؟
وها أنا سابحٌ لُجَجَ الذُّهُولِ!
إذا عبَقتْ حروفُكَ في مكانٍ
تَوَطَّنَ سحْرُها خَلَدَ النزيلِ
ومَنْ يطلبْ منَ الإبداع نارَا
ففِي كفَّيْكَ مِقْدَاحُ الفَتيلِ
وفي الختام.. أحمدُ اللهَ أنْ ليسَ في مُساجلاتنا ما هو غير ودي.
copy short url   نسخ
24/04/2017
3785