+ A
A -
كتب- عبدالعزيز أحمد



قال صندوق النقد العربي إن الاقتصاد العالمي سجل خلال عام 2016 أدنى معدل نمو له في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي بدأت عام 2008، وذلك رغم ارتفاع مستويات النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة وتحسن أوضاع أسواق العمل في عدد من تلك الدول خلال النصف الثاني من العام، فيما استمر خلال عام 2016 تأثر الدول النامية واقتصادات الأسواق الصاعدة جراء تراجع أسعار السلع الأساسية وضيق الأوضاع المالية وتزايد أعباء المديونيات، وهو ما لا يزال يؤثر سلباً على مستويات الإنفاق الاستثماري لا سيما الإنفاق الاستثماري العام.


واوضح تقرير «آفاق الاقتصاد العربي» الذي اصدره الصندوق حول توقعات الأداء الاقتصادي للدول العربية لعامي 2017 و2018، أن الاقتصاد العالمي يواجه مجموعة من التحديات التي تحول دون حدوث تعافي قوي للنمو الاقتصادي العالمي. ولا يزال ضعف الاستثمار والإنتاجية يمارسان أثراً سلبياً على النمو الاقتصادي في البلدان المتقدمة ويؤديان إلى تراجع مستويات الناتج الممكن الوصول إليه، كذلك فإن الهامش المتاح للتدخل على صعيد السياسات بات محدوداً في ظل ارتفاع مستويات الدين العام وتناقص فاعلية الاعتماد المتزايد على السياسة النقدية. إضافةً لذلك ينعكس ضعف معدلات نمو التجارة الدولية سلباً على قدرة الدول النامية والاقتصادات الصاعدة على حفز النمو وخلق المزيد من فرص العمل. كذلك من بين التحديات الجديدة التي تواجه الاقتصاد العالمي خلال عامي 2017 و2018 الاتجاه المتصاعد لتبني سياسات تجارية حمائية ونزعات انفصالية/ قومية في عدد من الاقتصادات المتقدمة، وارتفاع مستويات عدم اليقين بشأن مسارات السياسات الاقتصادية في تلك الدول بما يحول دون تعافي النشاط الاقتصادي العالمي.
وتوقع التقرير أن تسجل أسواق النفط الدولية انتعاشاً نسبياً خلال عام 2017 في ظل نجاح منتجي النفط الرئيسيين داخل وخارج منظمة الأوبك في التوصل لاتفاق بنهاية عام 2016 لخفض كميات الإنتاج اعتباراً من الأول من يناير 2017 ولمدة ستة أشهر يمكن تمديدها في اجتماع أوبك المقبل في منتصف العام الجاري. يقضي هذا الاتفاق ولأول مرة منذ عام 2008 بخفض مستويات الإنتاج من داخل دول منظمة أوبك بنحو 1.2 مليون برميل يومياً ليصل إنتاج دول الأوبك إلى 32.5 مليون برميل يومياً. كما تم في أعقاب هذا الاتفاق إبرام اتفاق مع الدول المنتجة الرئيسية خارج أوبك لإجراء خفض بحدود 0.6 مليون برميل يومياً، في إطار التعاون بين المنتجين داخل وخارج المنظمة بهدف تحقيق مزيداً من التوازن في أسواق النفط الدولية.
وبين التقرير أن الاتفاق سيساهم في تحقيق توازن أسواق النفط خلال عامي 2017 و2018، فيما سيؤدي التحسن المتوقع للنشاط الاقتصادي هذا العام إلى زيادة مستويات الطلب على النفط بنحو 1.2 مليون برميل يومياً وفق تقديرات منظمة الأوبك. على ضوء ما سبق من المتوقع حدوث تعاف نسبي لأسعار النفط خلال عامي 2017 و2018 مقارنة بالمستويات المسجلة خلال عام 2016 البالغة (40.8 دولار للبرميل) وفق متوسط سعر سلة خامات أوبك المرجعية، فيما ستحد الزيادة المتوقعة في مستويات الإنتاج من النفط الصخري التي ستنتج عن المكاسب السعرية المحققة من الاتجاه الصعودي للأسعار العالمية للنفط وستحول دون زيادتها بشكل كبير خلال عامي 2017 و2018.
كما انه من المتوقع أن يواصل الاقتصاد العالمي تحسنه التدريجي خلال عام 2017 و2018 مسجلا نموا يقدر بنحو 3 و3.3 في المائة حيث لا يزال هناك عدد من الصعوبات التي تحول دون انتعاشة قوية للنمو. في أسواق النفط من المتوقع تعافي مستويات الأسعار على خلفية الاتفاق ما بين الدول المنتجة الرئيسية للنفط على خفض مستويات الإنتاج، وهو ما يتوقع على ضوئه تسجيل متوسط الأسعار العالمية للنفط لمستوى 55 و57 دولارا للبرميل خلال عامي 2017 و2018. من شأن هذه التطورات أن تنعكس على النمو الاقتصادي للدول العربية خلال عام 2018، حيث يتوقع على ضوئها تسجيل معدل للنمو يدور حول 2.3 في المائة في ظل خفض كميات الإنتاج النفطي وتدابير ضبط أوضاع الموازنات العامة، فيما يتوقع تحسن النمو إلى 2.7 في المائة عام 2018 في ضوء التوقعات بارتفاع معاودة كميات الإنتاج النفطي اتجاهها نحو الارتفاع والتلاشي التدريجي لتأثير تدابير الانضباط المالي على النمو.
قطر.. توقعات الأداء الاقتصادي
بالنسبة لدولة قطر، فقد سجل الاقتصاد نمواً معتدلاً على الرغم من الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط خلال عام 2016، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة قد سجل نموا بنسبة 2.2%، العام الماضي مقارنة بنحو 3.6% للنمو المسجل عام 2015. يعود هذا النمو إلى نمو القطاع غير النفطي بما يعكس التقدم الجيد الذي تم إحرازه على صعيد استراتيجية التنويع الاقتصادي.
ومن المتوقع تحسن النمو في عام 2017 بدعم من نمو النشاط في كل من القطاعين النفطي وغير النفطي على حد سواء. فمن المتوقع ان يستفيد قطاع النفط والغاز من ارتفاع الكميات المنتجة في ظل دخول مشروع «غاز برزان» مرحلة الإنتاج بتكلفة تقدر بنحو 10 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يساهم هذا المشروع في زيادة إنتاج الغاز المنقول بالأنابيب بنسبة 21 في المائة. كذلك ستساهم مصفاة «لفان 2» التي ستنتج وقود الطائرات النفاثة والنفط الغازي للاستهلاك المحلي وتصدير منتجات اخرى كالديزل للأسواق الآسيوية في دعم مستويات النشاط في القطاع النفطي.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يواصل القطاع غير النفطي زخم النمو مستفيداً من استمرار الحكومة في تطوير البنية التحتية وهو ما يستلزم بقاء الإنفاق الحكومي عند مستويات مرتفعة. حيث تعمل الحكومة وفي إطار الترتيب لاستضافة فاعليات كأس العالم 2022 على مواصلة الإنفاق على عدد من المشروعات الضخمة في مجال البنية الأساسية والمواصلات باجمالي استثمارات تقدر بنحو 65 مليار دولار. تركز الحكومة حالياً على تحديد أولويات المشروعات التي سيتم تنفيذها بحيث يتم اقتناء المشروعات الضرورية واللازمة لضمان استضافة ناجحة لتلك الفاعلية وكذلك المشروعات التي من شأنها زيادة مستويات التنويع الاقتصادي لدعم النمو الاقتصادي والتشغيل. كذلك، لا يزال النمو السكاني دافعاً لزيادة مستويات الطلب الإجمالي في ظل تدفق المزيد من العمالة لإنجاز المشروعات القائمة حيث شهد شهر ديسمبر نمواً سنوياً في أعداد السكان بنحو 7 في المائة.
من جانب آخر، من المتوقع ارتفاع مستوى الاستثمارات الخاصة، في ظل المبادرات التي يجرى تنفيذها حاليا لزيادة مستويات مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، وهو ما سيزيد من مستويات الطلب على الائتمان من قبل القطاع الخاص بما يتماشى مع نمو القطاع غير النفطي لا سيما في إطار النمو القياسي المسجل من قبل قطاع الخدمات والتشييد والبناء والصناعة التحويلية والكهرباء والماء التي شهدت العام الماضي معدلات نمو تفوق السبعة في المائة.
على ضوء ما سبق من المتوقع تحقيق الاقتصاد القطري لنمو بحدود 3.4 في المائة العام الجاري فيما يتوقع تراجع النمو العام المقبل ليصل إلى 2.8 في المائة نظراً لوصول الاستثمارات في البنية التحتية لذروتها ومن ثم اتجاهها نحو الاستقرار، وذلك بما يعكس تباطؤ مستويات النمو السكاني وهو ما سيؤثر على النشاط في القطاعات غير النفطية.
اتجاهات تطور الأسعار المحلية
في قطر، ارتفع معدل التضخم خلال عام 2016 ليصل إلى 3 في المائة مقارنة مع نحو 1.8 في المائة خلال العام السابق. ويعزى ذلك إلى ازدياد مستويات الطلب المحلي مع الاستمرار في تنفيذ مشاريع البنية التحتية المخطط لها، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار عدد من السلع والخدمات وخاصة المساكن. وقد ساعد على الحد من زيادة المنافسة في بعض القطاعات الخدمية الاخرى. كما أدى رفع الدعم الحكومي عن الماء والكهرباء في أواخر عام 2015 والمحروقات بداية من عام 2016، إلى زيادة المستوى العام للأسعار خلال عام 2016.
بالنسبة لمعدلات التضخم في دولة قطر خلال عامي 2017 و2018 فمن المتوقع أن تبلغ معدلات التضخم حوالي 3.1 في المائة و3.4 في المائة على التوالي، وذلك في ضوء توقع معاودة أسعار النفط للارتفاع واستقرار الأسعار العالمية للسلع الأساسية الأخرى مع زيادة مستويات المعروض منها. إضافة إلى أثر تطبيق ضريبة القيمة المضافة بحلول عام 2018 واحتمال صدور ضرائب أخرى جديدة خاصة على السلع المضرة.
التطورات النقدية والمصرفية
في ظل استمرار تباطؤ تعافي أسعار النفط، واصل مصرف قطر المركزي العمل على تحقيق هدفه الرئيسي المتمثل في الحفاظ على سياسة ربط سعر الصرف بالدولار وضمان الاستقرار النقدي والمالي. حيث استمر مصرف قطر المركزي خلال عام 2016 في تبني سياسة نقدية تيسيرية على النحو المبين في أسعار الفائدة التي بقيت دون تغيير منذ أغسطس 2011، كما استمر مصرف قطر المركزي في إدارة السياسة النقدية بشكل يضمن توفير مستويات مريحة من السيولة المصرفية واستقرار أسعار الفائدة.
وفي ضوء معدلات التضخم المعتدلة، سيواصل مصرف قطر المركزي، خلال عامي 2017 و2018 إدارة السيولة لتسهيل تدفق قدر كاف من الائتمان للقطاعات الإنتاجية للاقتصاد لدعم النمو وزيادة مستويات التنويع الاقتصادي. كما سيواصل المصرف مراقبة التطورات العالمية والمخاطر التي تواجه الاستقرار المالي العالمي والتطورات والتوقعات في أسواق النفط العالمية عن كثب وتداعياتها على السوق القطري.
وبناء على المعطيات الاقتصادية المحلية والدولية، قرر مصرف قطر المركزي رفع أسعار الإيداع من 1 في المائة إلى 1.25 في المائة، ورفع سعر الاقراض من 4.75 في المائة إلى 5 في المائة. وفي خطوة تستهدف دعم السيولة المحلية التي تأثرت خلال الثمانية عشر شهراً الأخيرة بما انعكس على أسعار الفائدة في سوق النقد، قرر المصرف خفض نسبة الاحتياطي الالزامي من 4.75 في المائة إلى 4.50 في المائة اعتبارا من مطلع أبريل المقبل وهي المرة الأولى منذ عام 2008 التي يتم فيها خفض نسبة الاحتياطي القانوني.
وقد روعي في إعداد موازنة قطر للعام 2017، تبني التدابير اللازمة للعمل على زيادة الكفاءة في المصروفات الجارية والتشغيلية وتوفير كافة الاعتمادات اللازمة لاستكمال تنفيذ المشاريع الكبرى حسب الخطط المعتمدة بما يحقق التنمية المستدامة في إطار رؤية قطر الوطنية 2030، والتي تستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية.
بهدف ضبط معدلات الإنفاق قامت الحكومة خلال 2016 برفع أسعار الوقود بنحو الثلث، تلا ذلك تشكيل لجنة في وزارة الطاقة والصناعة لتحديد الأسعار الشهرية للوقود استناداً إلى التغيرات في مستويات الأسعار العالمية.
كما تستهدف موازنة عام 2017 العمل على زيادة كفاءة الإنفاق العام وتحقيق الاستغلال الأمثل لمخصصات المصروفات الجارية، إضافة إلى تعزيز مستويات الإنفاق الاستثماري حيث تضمنت الموازنة مخصصات للإنفاق على عدد من المشروعات الرئيسية بلغت 93.2 مليار ريال، بما يشكل نحو 47 في المائة من إجمالي مصروفات الموازنة العامة لسنة 2017، مما يؤكد الالتزام بتوفير التمويل المطلوب لاستكمال وتنفيذ المشاريع في القطاعات الرئيسية حسب الخطط المعتمدة، حيث تشهد المرحلة الحالية زخم ا كبير ا في تنفيذ المشاريع الرئيسية، الأمر الذي سيؤدي إلى استمرار الزيادة في مخصصات المشاريع الرئيسية خلال الأعوام المقبلة لا سيما في ظل ارتفاع إجمالي تكلفة المشاريع التي تم الالتزام بها إلى نحو 374 مليار ريال، فيما يتوقع أن يتم توقيع عقود لمشاريع جديدة خلال السنة المالية 2017 بتكلفة إجمالية تبلغ 46.1 مليار ريال، وتشمل 25.0 مليار ريال، لمشاريع البنية التحتية وقطاع المواصلات، و8.5 مليار ريال لمشاريع جديدة مرتبطة باستضافة كأس العالم 2022، و5.8 مليار ريال لقطاعي التعليم والصحة، بالإضافة إلى 6.8 مليار ريال لمشاريع جديدة في القطاعات الأخرى.
وقال التقرير انه بالنسبة للعام 2018، فمن المتوقع أن ينخفض بشكل ملموس مستوى عجز الموازنة في ضوء الارتفاع المتوقع لكل من الإيرادات النفطية بما يعكس استمرار تحسن الأسعار العالمية للنفط وكذا التحسن المتوقع في كميات الإنتاج من النفط والغاز. من جهة أخرى من المتوقع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بما يعكس حصيلة فرض ضريبة القيمة المضافة. على صعيد النفقات، من غير المتوقع حدوث ارتفاع كبير لمستوى الإنفاق مع وصول المشاريع التي يتم الإنفاق عليها إلى ذروة مراحل التنفيذ في عام 2017 وهو ما يعني تباطؤ معدل نمو الإنفاق العام خلال السنة المقبلة.
القطاع الخارجي
يتوقع أن ترتفع قيمة الصادرات السلعية خلال عام 2017، لتعكس بذلك التحسن المتوقع في أسعار النفط العالمية، حيث يتوقع أن تبلغ قيمة الصادرات نحو 65 مليار دولار مسجلة نسبة ارتفاع قدرها 13.5 في المائة خلال عام 2017 مقارنة بالعام السابق. كما يتوقع أن تتأثر الواردات السلعية باستمرار تنفيذ المشاريع القائمة وأثرها على الواردات. وعليه، من المتوقع أن ترتفع الواردات بنحو 6.5 في المائة خلال عام 2017 لتبلغ حوالي 34 مليار دولار مقابل حوالي 31.9 مليار دولار خلال 2016.
كمحصلة للتطورات السابقة، من المتوقع أن يرتفع الفائض في الميزان التجاري ليبلغ حوالي 31 مليار دولار، تمثل نحو 18.2 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي خلال عام 2017.
أما ميزان الخدمات والدخل، فيتوقع أن يرتفع العجز خلال عام 2017 ليبلغ نحو 20 مليار دولار نتيجة لإرتفاع المدفوعات الخدمية المرتبطة بالمشروعات الجاري تنفيذها. كما يتوقع ارتفاع عجز ميزان التحويلات خلال عام 2017 مليار دولار ليبلغ نحو 17 مليار دولار.
في ضوء التطورات السابق ذكرها، يتوقع أن يتراجع العجز في ميزان المعاملات الجارية بنسبة قدرها 27.9%، ليبلغ حوالي 6 مليارات دولار خلال عام 2017 تمثل نحو 3.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنسبة للعجز الجاري خلال عام 2018، يتوقع أن يتراجع العجز ليبلغ نحو 3.7 مليار دولار تمثل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
copy short url   نسخ
24/04/2017
2150