+ A
A -
فلسطين- الوطن - أمين بركة
أحيا الفلسطينيون في شتى أماكن وجودهم الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الشيخ أحمد ياسين، الذي اغتالته طائرة حربية إسرائيلية فجر الاثنين الموافق 22 مارس عام 2004.
وكان مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في صفوف المقاومة الفلسطينية؛ وهو ما جعل منه واحداً من أهم رموز العمل الوطني الفلسطيني طوال القرن الماضي، كما يعد من أكثر القادة الفلسطينيين الذين نالوا احترام وولاء معظم الفلسطينيين ومعظم القادة والزعماء في العالم، ولم يكن استشهاد الشيخ ياسين بالأمر الهين، ففي العام 2003 مثل استشهاد الياسين نقلة نوعية في العمل المقاوم الذي تمارسه حماس ضد الاحتلال.
ولد الشيخ ياسين في قرية «الجورة» قضاء المجدل، في يونيو عام 1938، ونزح مع عائلته إلى قطاع غزة بعد حرب عام 1948.
أصابه الشلل في جميع أطرافه أثناء ممارسته للرياضة في عامه السادس عشر، واستطاع الشيخ أن ينهي دراسته الثانوية في عام 1958 ثم الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية.
وبدأ نشاطه السياسي بالمشاركة في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجاً على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956، حينها أظهر الشيخ قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، واستطاع أن ينشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة، مؤكداً ضرورة عودة الإقليم إلى الإدارة المصرية.
وفي عام 1987، اتفق الياسين مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة على تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم «حركة المقاومة الإسلامية» المعروفة اختصاراً باسم «حماس».
وبرز دوره في «حماس» خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت آنذاك والتي اشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الحين والشيخ ياسين يعد الزعيم الروحي لحركة حماس.
وبعد تصاعد أعمال المقاومة خلال الانتفاضة الأولى، بدأت سلطات الاحتلال التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين فدهمت بيته في أغسطس 1988 وفتشته وهددت بنفيه إلى لبنان.
وعند ازدياد عمليات قتل الجنود الصهاينة واغتيال الفلسطينيين المتعاونين مع الاحتلال، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم 18 مايو 1989 مع المئات من أعضاء حركة حماس، وصدر حكم يقضي بسجن الشيخ مدى الحياة إضافة إلى 15 عاماً أخرى عليه.
وأفرج عن الشيخ ياسين، بعملية تبادل بعميلين للموساد الإسرائيلي، ألقي القبض عليهم بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان.
في 6 سبتمبر 2003، تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال عندما ألقت طائرات الاحتلال من طراز F/16 قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزة، وكان الشيخ أحمد ياسين موجوداً في شقة داخل المبنى المستهدف فأصيب بجروح طفيفة جراء القصف، وأعلنت حكومة الاحتلال بعد الغارة الجوية أن الشيخ أحمد ياسين كان الهدف الرئيسي من العملية الجوية.
واستشهد الشيخ ياسين، وهو في عمر65، بعد مغادرته من صلاة الفجر بمسجد المجمع الإسلامي الكائن في حي الصبرة بمدينة غزة، في 22 مارس من عام 2004 بعملية أشرف عليها أرئيل شارون رئيس وزراء حكومة الاحتلال آنذاك.
وأطلقت الطائرات الإسرائيلية 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى سيارته على كرسيه المتحرك، فارتقى الشيخ شهيداً في لحظتها وجرح اثنان من أبناء الشيخ في العملية، واستشهد مجموعة من مرافقيه.
ومرت حركة حماس بعد رحيل الشيخ في مراحل متعددة ومفصلية، وفي مقدمتها دخول المعترك السياسي الداخلي، وخوض ثلاث حروب مع الاحتلال الإسرائيلي، وتطور أداء جهازها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام.
واختارت حركة حماس عقب استشهاد الشيخ ياسين الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي ليقود مسيرتها في قطاع غزة، غير أن هذه الولاية لم يمض عليها أكثر من 25 يوماً حتى عاجلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون إلى اغتيال الرنتيسي.
وفي الذكرى الـ 13 لاستشهاد الشيخ المؤسس، تبدو حركة المقاومة الإسلامية حماس أكثر انتشاراً من ذي قبل، فحماس التي انطلقت عام 1987 لم تستطع رياح الاستشهاد والسجن والإبعاد والمطاردة والحروب أن تنال منها؛ إنما بدت مثل طائر الفينيق تنتفض من تحت الرماد وتملأ كل الساحات وتربك كل المسلمات.
وبعيد استشهاد الشيخ، شاركت حركة حماس بفاعلية في انتفاضه الأقصى الثانية التي بدأت أحداثها عند محاولة المجرم شارون الدخول لباحات المسجد الأقصى بتاريخ في 28 سبتمبر 2000.
ونجحت حماس في تنفيذ عدد كبير من العمليات الاستشهادية قتل فيها عشرات الصهاينة، فيما قام الاحتلال باغتيال أبرز قادة الحركة في قطاع غزة والضفة المحتلة وعلى رأسهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي.
وأيضاً خاضت حركة حماس عقب اغتيال زعيميها الكبيرين الانتخابات البلدية والتشريعية، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، حيث اكتسحت حماس الانتخابات المحلية التي جرت في 23 من ديسمبر من عام 2004 في الضفة الغربية حيث استطاعت أن تنتزع مجالس معظم البلديات، واستكملت حماس فوزها هذا بعد أن حصدت في 29 يناير من عام 2005 أكثر من 65% من مقاعد عضوية المجالس البلدية بقطاع غزة والضفة الغربية.
وقررت حركة حماس في العام 2005 المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وفي 26 يناير 2006، تم الإعلان عن نتائج الانتخابات التي نتجت عن فوز كبير لحركة حماس في المجلس التشريعي بواقع 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً.
في أعقاب فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية وتشكيلها للحكومة الفلسطينية العاشرة برئاسة إسماعيل هنية شددت إسرائيل حصارها على قطاع غزة.
بعد استشهاد المؤسس أحمد ياسين بنحو عامين، نفذت كتائب القسام حلمه بتنفيذ عملية «الوهم المتبدد»، وذلك في عام 2006م، حيث استهدفت موقعاً للجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية لمدينة رفح بنفق أرضي؛ حيث قتل في العملية عدد من الجنود الصهاينة، وأسر الجندي غلعاد شاليط.
ويحسب لحماس على مدار خمس سنوات، تمكنها من إخفاء الجندي الأسير لأول مرة في تاريخ المقاومة في الإطار الجغرافي لفلسطين، وفشل جميع المحاولات العسكرية والأمنية للوصول إليه.
وطوال الفترة الماضية حاولت إسرائيل الاستفادة من عنصر الزمن في البحث عن الأسير، وفي الضغط على حماس، وفي القيام بحملات القتل والتدمير، وفرض الحصار والسعي لإسقاط حكومة حماس، لكنها فشلت في كل ذلك.
وفي 11 أكتوبر 2011 تحقق الهدف الأول من عملية الوهم المبدد، وخضع الاحتلال لإرادة المقاومة، وأجبر على القبول بأغلب مطالب حركة حماس، وتم التوقيع على صفقة تبادل الأسرى، حيث تم الإفراج عن 1027 أسيراً وأسيرة منهم قيادات عسكرية لحركة حماس مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير.
تعرض قطاع غزة أواخر 2008 إلى عدوان إسرائيلي شرس هدف إلى إسقاط حركة حماس، ولكن على الرغم من نجاح الاحتلال في اغتيال اثنين من أبرز قيادات حماس السياسيين وهما سعيد صيام ونزار ريان، إضافة إلى استشهاد المئات من أبناء الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم 200 من عناصر وزارة الداخلية خرجت الحركة معلنة انتصارها بالحرب التي استمرت لمدة 22 يوماً، بعد أن أعلن الاحتلال صعوبة المواجهات مع كتائب القسام.
وفي نوفمبر 2012 أقدم الاحتلال بعملية اغتيال القائد القسامي الكبير أحمد الجعبري، ومن ثم أعلن الحرب على قطاع غزة، الأمر الذي جعل القسام ترد عسكرياً على هذه العملية بإطلاق مئات الصواريخ، ودك تل أبيب قلب إسرائيل ومدينة القدس المحتلة بصواريخ فجر 5، ما أدى إلى مقتل عدد من المغتصبين ووقوع العشرات من الإصابات، إضافة إلى ملايين الدولارات من المخاسر، وفرار معظم سكان إسرائيل إلى الملاجئ، وبعد ذلك استنجد الاحتلال بواشنطن طالباً للتهدئة، وبعد هذه الأيام الثمانية من العدوان على غزة خرجت حماس منتصرة.
في السابع من يوليو 2014 شنت إسرائيل عدواناً انتقامياً ضد حركة حماس، على أمل أن يمحو عار الهزيمة التي لحقت به في معركة «حجارة السجيل» عام 2012 فيما كانت بعض الأطراف العربية تراهن على نتائج الحرب وأن تؤدي لإضعاف حماس، إن لم يكن إسقاطها، لكن تلك الأطراف ومعها الاحتلال الإسرائيلي فوجئت بصمود حماس وجاهزيتها للمعركة الأمر الذي فرض واقعاً آخر غير الذي تريده تلك الأطراف.
وخلال الحرب نفذت كتائب القسام العديد من العمليات النوعية ضد إسرائيل، كما كشفت حماس عن منظومة من الصواريخ بمديات مختلفة تصل في حدها الأقصى إلى أكثر من 160 كلم، كما تمكنت القسام من تنفيذ عمليات إنزال خلف خطوط الاحتلال، وعمليات برمائية ناجحة، إضافة إلى إنتاج العديد من القذائف الصاروخية القصيرة المدى، وبندقية قنص يصل مداها إلى ألفي متر.
بعد 51 يوماً، توقفت الحرب دون أن تحقق إسرائيل الأهداف التي شنتها من أجلها، ومما يؤكد ذلك أن إسرائيل قالت إن الحرب لن تتوقف حتى يتم تدمير البنية التحتية لحركة حماس، وحتى يتوقف إطلاق الصواريخ نهائياً، وتدمر الأنفاق، ويتم بالتالي تحقيق الأمن لسكان جنوب إسرائيل؛ وهو ما لم تنجح بتحقيقه.
شاركت حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتفاضة القدس التي اندلعت في الأول من أكتوبر عام 2015، حيث إن العديد من أفراد حماس نفذوا عمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية، وأكدت حماس أن الانتفاضة لن تتوقف حتى تحقيق طموحات شعبنا.
copy short url   نسخ
01/04/2017
3431