+ A
A -
حوار - نورما أبو زيد
يحمل رئيس «حركة الناصريين الأحرار» في لبنان الدكتور زياد العجوز نفساً عربياً عروبياً قلّ نظيره، ولذلك تجده يكرّر على مسامعنا بين السؤال والسؤال، بأنّه من طائفة العروبيين، وأنّ أهل السنّة هم أهل العروبة، ويستطرد بأنّهم مستهدفون من إيران ومن الصهاينة، ومن ثمّ يتحدّث بلغة المؤكّد ويقول: «إيران أكثر خطراً علينا من الصهاينة.. والتسونامي الإيراني سيلغينا جميعاً ما لم نتنبّه لخطره ونتكاتف». نفس العجوز العروبي ليس ميزته الوحيدة، فصراحته الفاقعة هي إحدى ميّزاته أيضاً، ولذلك لدى الحديث عن هموم وشجون المنطقة يخلع قفازات الطبيب، ويضع إصبعه على ما يراه جرحاً في الجسد العربي، وصراحته هذه تأخذه إلى حدّ تبرئة رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع من تهمة اغتيال الزعيم السنّي رشيد كرامي، ووصف «حزب الله» بـ«العدو»، ولكنّه رغم مجاهرته بالعداء لـ«حزب الله»، لا يتردّد في القول إنّه لا يتمنّى أن تفوز إسرائيل عليه في الحرب المقبلة التي يرى أنّها محتّمة، بالرغم من علمه المسبق أنّ «إسرائيل ستكون الرابحة، ولبنان سيكون الخاسر، ولبنان دائماً خاسر، وحزب الله لا يكفّ عن توريطنا».
يتنقّل العجوز بين القيادات اللبنانيّة، ويكيل لكلّ منها بالمكيال الذي تستحقّه وفق الزاوية السياسيّة التي ينظر منها إلى أدائها، وفي ما يأتي نصّ الحوار:
أعلن رئيس الحكومة من القاهرة أنّه قرّر مساكنة «حزب الله» والتعايش معه على رغم ما يطويه صدره من ملاحظات على أدائه ونهجه ورؤاه.. أنتم ماذا قرّرتم؟
- الموقع الذي يشغله سعد الحريري يفرض عليه أن يكون رئيس حكومة لجميع اللبنانيين، ولكن بالنسبة لنا، لا مساكنة مع «حزب الله»، ولا مهادنة له، ولا صلح معه، ولا اعتراف به، ونحن في حالة عداء معه وليس خصومة.
مظاهر الانسجام والوئام شاخصة بجلاء بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» في أكثر من محطّة ومشهد. هل نحن أمام تجربة شراكة سياسيّة جديدة؟
-نحن في الحركة انتقدنا في مرحلة سابقة العلاقة بين رئيس الحكومة سعد الحريري وبين «حزب الله»، ووصفناها بـ«الاستسلام»، ولكن نحن ندرك في أعماقنا أنّ الشيخ سعد ضحّى ويضحّي من أجل الوطن.
المنطقة برمّتها تغلي كبركان، وصحيح أنّ حممها لم تصل بعد إلى لبنان، ولكنها قد تصل في أي لحظة، ومن هذا المنطلق، نحن نعتبر أنّ ما يقوم به الحريري هو نوع من الإخراج السياسي لحماية لبنان من الانزلاق في أتون المنطقة.
أنا لست من مؤيّدي أيّ انسجام بين الرئيس الحريري و«حزب الله»، ولكن واقع المنطقة الملتهب فرض على الحريري تبنّي الجنرال عون رئيساً..
(مقاطعة) ألا ترى أنّ سبب هذه الشراكة هو إدراك «المستقبل» من جهّة بأنّ تفاهمه مع «حزب الله» هو جسر عودته إلى السلطة، وحاجة «حزب الله» من جهة أخرى إلى شبكة أمان داخلية تتيح له الانصراف إلى مشاريعه العابرة للحدود؟
- لكلٍ منهما مصلحته في ذلك. «حزب الله» يريد أن يتجنّب كأس الانفجار المذهبي في لبنان كي ينصرف إلى حروبه العبثيّة في سوريا واليمن والعراق، وبما أنّه ينقل حروبه من منطقة إلى أخرى، فهو يفضّل ألاّ يفتح على نفسه جبهة الداخل، ومن هذا المنطلق المساكنة مع «تيار المستقبل» هي حاجة له، أمّا الحريري فلا يساكن «حزب الله» من منطلقات شخصيّة، وإنّما من منطلق حماية الوطن.
هل يعني كلامك أنّ سعد الحريري عاد ليكون مرجعيّة سنيّة بنظركم؟
- الظروف السابقة باعدت فيما بيننا وبين الرئيس سعد الحريري، ولكن حصلت لقاءات مؤخّراً فيما بيننا، تصارحنا خلالها إلى أقصى حدّ، وقد وجدنا لديه رؤية خاصّة، جعلتنا نتفهّم مواقفه الأخيرة.
علاقتي مع الشيخ سعد قديمة جداً، وقد وجدت اليوم شخصاً آخر. فقد رأيت في عيونه دمعة، وشعرت بغصّة في صدره، وكأنّ أمراً ما ضاغطاً عليه، ورغم ذلك هو يتحامل على نفسه، ويرفض التحدّث بلغة مذهبيّة، رافعاً بذلك علم الوطنيّة، ومنتصراً للبنان رغم الوزر الكبير الذي يحمله على منكبيه، ورغم الأزمة الماليّة التي تعصف به..
أي أنّك لم يعد مع المقولة القائلة إنّ سعد الحريري سلّم البلد لـ«حزب الله»؟
-التلكؤ العربي الجامع الذي تركنا لقمةً سائغة في فم إيران وليس سعد الحريري.
اليوم نعيش عصراً آخر، هو عصر الحزم العربي، وهذا الحزم الذي يستعيد القضايا العربيّة تدريجياً، هو الذي سيعيد الأمور إلى نصابها، وسعد الحريري بوجوده الآن على رأس السلطة التنفيذيّة، هو جزء من منظومة استعادة عروبة لبنان، وسحب البساط من تحت أقدام إيران.
(مقاطعة) ولكنّه لا يملك حتّى الثلث المعطّل داخل الحكومة التي يرأسها، فكيف تتوقّع له القيام بأدوار كبيرة؟
- دعينا ننتظر الأحداث المقبلة، لنرى ما سيحصل بعدها. هناك معركة الرقة، وهناك معركة الموصل، ومعركة دمشق باتت قاب قوسين أو أدنى، والمعارضة السوريّة تطرق أبواب دمشق، وكلّ هذه المعارك ستنعكس قريباً بشكل مباشر على لبنان، وحينها سنرى من الذي فكّر بشكل صحيح، ومن راهن رهاناً خاطئاً، وبرأيي «حزب الله» أخطأ الرهان، لأنّه يوالي إيران بشكلٍ مطلق، أمّا سعد الحريري، فهو وجه عربي.
سعد الحريري لم يستغلّ الأخوة المسيحيين ليكونوا مطيّة لمشروعه، بل تحالف معهم في مشروع وطني، بينما «حزب الله» استخدم تيار رئيس الجمهوريّة ليصل إلى مبتغاه الذي هو السيطرة على كلّ مقوّمات البلد، ولكن هناك صحوة داخليّة عامّة الآن، وهذه الصحوة موجودة حتّى في البيئة الشيعيّة، وهذه البيئة تعيش اليوم انتفاضة داخليّة على سياسة «حزب الله».
هل سيتزايد نفوذ «حزب الله» تحت رئاسة عون؟
-الظروف التي أتت بالرئيس عون إلى رئاسة الجمهوريّة، كانت خارج حسابات «حزب الله». الفراغ الرئاسي هو ما أراده «حزب الله»، تمهيداً للمؤتمر التأسيسي، ولكن دهاء كلّ من رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» ورئيس الحكومة سعد الحريري، أفشل مخطّط حسن نصر الله الذي أُحرِجَ وأُرغِمَ على إيصال عون إلى سدّة الرئاسة.
كلامك يشي وكأنّك ما زلت معجباً بالدكتور سمير جعجع.
- نعم، وأنا من الأشخاص الأشدّ إعجاباً به، وهو صديق كبير، وتربطنا علاقة صداقة مع الكثير من الإخوة في «القوّات اللبنانيّة»، وسيأتي اليوم الذي أتجرّأ وأقول فيه ماذا فعلنا معاً من أجل لبنان أوّلاً، واليوم ليس الوقت المناسب لنفصح عمّا قمنا به، لأنّ أهل السنّة يتّهمون الدكتور جعجع بأنّه قاتل رشيد كرامي، علماً أنّه ليس قاتل كرامي، ومن غير الممكن أن يكون قاتل كرامي، والمخابرات السوريّة هي التي رسمت سيناريو قتله في حينها ونفّذته، ومن ثمّ رمت ببلائها على الدكتور جعجع.
مصلحة «حزب الله» تقتضي اعتماد النسبيّة الكاملة في أيّ انتخابات نيابيّة مقبلة كونها تتيح له اصطياد عصفورين معاً، الأول منع «الثنائي المسيحي» من الإمساك بـ«الثلث المعطّل» في البرلمان، والثاني إضعاف رئيس الحكومة والأكل من صحنه وصحون كلّ الآخرين. فهل ينجح في فرضها؟
- مخطّط «حزب الله» هو السيطرة على لبنان أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ولكن مشروعه سيسقط. «حزب الله» لا يحبّذ وجود انتخابات في الأساس، وقد بدأت أصوات البعض فيه تتعالى وتطالب بمؤتمر تأسيسي..
(مقاطعة) من تقصد؟
- طلال إرسلان ووئام وهّاب. هذان يعملان لصالح «حزب الله»، وما لا يستطيع أن يقوله «حزب الله» بشكلٍ مباشر، يقولانه إرسلان ووهّاب.
نحن مع النسبيّة الكاملة على أن يكون لبنان دائرة واحدة، ولكن ليس في ظلّ سطوة السلاح.
سيسعى «حزب الله» جاهداً للوصول إلى قانون يتيح له التحكّم بمقاليد اللعبة السياسيّة كقوّة مرجّحة تتيح له الإبقاء على الإمرة الاستراتيجية بيده وتعديل آليات اتّخاذ القرار متى اقتضت الحاجة، وفي حال حصل على مبتغاه، سيضيف لبنان إلى المحافظات الإيرانيّة، ولكن نحن وغيرنا نرفض تحويل لبنان إلى محافظة إيرانيّة، ولن ينجح «حزب الله» في ذلك.
هل ستشاركون في الانتخابات المقبلة ترشيحاً أم فقط انتخاباً؟
- نحن سنشارك في الانتخابات ترشيحاً، وقد نترشّح عن مقعد واحد أو اثنين، و«تيار المستقبل» سيكون حليفنا الأساسي، ونحن في مرحلة متقدّمة من التنسيق والتشاور معه، ونحن حلفاء على رأس السطح مع «القوات اللبنانيّة»، وتجمعنا علاقة نضال مع «الحزب التقدّمي الاشتراكي».
نحن في مرحلة تتطلّب شدّ العصب السنّي المعتدل، وشدّ العصب العروبي، وعليه، نحن نمدّ يدنا لـ«تيار المستقبل» ولكلّ الآخرين، ونحن مع وحدة الساحة السنيّة في هذه الظروف الدقيقة، ولذلك سعيت شخصياً للتقريب بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير أشرف ريفي، ولكن لم أنجح في مصالحتهما، ولكلّ منهما أسبابه في رفضه هذه المصالحة.
أنا أؤيّد وحدة الصفّ السنّي إلى أبعد الحدود، وأدعو إلى وحدة الصفّ حتّى مع نجيب ميقاتي، وأقف في وجه محاربة البيوتات السياسيّة لدى الطائفة السنيّة.
التسونامي الإيراني سيلغينا جميعاً ما لم نتنبّه لخطره ونتكاتف، وعلينا جميعاً أن ندرك بأنّ إيران أكثر خطراً علينا من الصهاينة، ولذلك أتوجّه إلى الدمى السنيّة التي يتلاعب بها «حزب الله» بالقول إنّ عليها أن تدرك بأنّ «حزب الله» لا يكنّ لها احتراماً، ولن تنال هذه الدمى سوى الأذى لأنفسها ولبيئتها، وعليه أنصح الوزير السابق فيصل كرامي بإنهاء علاقته مع «حزب الله».
أمّا نجيب ميقاتي فأقول له: لقد قدت السفينة في أيام صعبة رغم المطبّات، ورغم مئات علامات الاستفهام نحن نقدّر دعمك للمحكمة الدوليّة الخاصّة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، ولكن لا نستطيع أن نشيح بنظرنا عن استثمار «حزب الله» لمشاركتك على رأس حكومة له، لتأجيج الصراع داخل الطائفة السنيّة وشرذمتها وإضعافها، واللواء ريفي أقول له: نحن نحبّك ونحترمك، ونقدّر مواقفك الوطنية، ونزهو بشرفك المهني، ونعتزّ بأصالتك، ويشرّفنا حبّك لطائفتك، ونؤيّد العناوين التي ترفعها، ولكن حربك لا يجب أن تكون مع سعد الحريري وإنّما مع العدو الصهيوني و«حزب الله» وسائر المتطرّفين. حبّك لطائفتك يجب أن يمنعك من خوض الصراعات الداخليّة ضمن البيت الواحد، وتوجيه سهامك إلى صدر سعد الحريري و«تيار المستقبل». معركتك الأساسيّة هي الحفاظ على عروبة لبنان، ومنع تحويله إلى محافظة إيرانية، وأتمنّى أن تضع يدك بيد كلّ من حولك لتؤسّس معهم قوّة وطنيّة سنيّة معتدلة تقوى بتحالفاتها الوطنيّة مع القوى الوطنيّة الأخرى المسيحيّة والدرزيّة والشيعيّة، وللرئيس سعد الحريري أقول: لقد ضحّيت كثيراً، وخسرت كثيراً، وأتتك الفرصة مجدّداً في رئاسة الحكومة، قد السفينة بمهارتك المعهودة، وافتح صدرك للجميع، وقم بما يمليه عليه ضميرك وبما تمليه عليك مصالح الطائفة. نحن نعلم أنّك رئيس حكومة لبنان، ونحن نعلم أنّك لست مذهبياً ولا تتصرّف على هذا الأساس، ولكن الواقع الطائفي في البلد يملي عليك مقولة «الأقربون أولى بالمعروف».
يجاهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعداء لإيران وأذرعها في المنطقة، ومن الواضح أنّ الإدارة الأميركيّة الجديدة تبحث عن المسرح المقبل للمواجهة مع طهران. هل سيكون هذا المسرح العراق أم سوريا أم لبنان؟
- كلّ الجبهات مفتوحة، ولكن قد تصبح إيران جبهة بدورها.
ولماذا تورّط إيران نفسها بشكل مباشر في الوقت الذي تملك فيه أكثر من ساحة؟
- إيران حاربت بالوكالة في عهد أوباما الذي استسلم لأهوائها، وتزامن ذلك مع غياب العزم العربي، ومع استثمار روسيا لهذا الترهّل العربي والأميركي، ولكن الإدارة الأميركيّة الجديدة تريد المواجهة، وبما أنّ إيران تعاني داخلياً، قد نشهد انفجاراً اجتماعياً قبل التفجير العسكري.
ولكن هل سينجح ترامب في تقليم أظافر إيران؟
- سينجح ترامب في إسقاط النظام الإيراني ولن يكتفي بتقليم أظافره.
هل «الحركشات» الإسرائيليّة بـ«حزب الله» في سوريا كانت محاولة «جس نبض» بتشجيع من إدارة ترامب؟
- هذه الحركشات هي ضمن السيناريو المعدّ.
هل ترى حرباً قريبة بين «حزب الله» وإسرائيل أم أنّ روسيا التي تلعب دور «ضابط الإيقاع» لن تسمح بانفلات الأمور؟
-هناك حرب، وهذه الحرب ستتزامن مع صدور قرار دولي بضرب الإرهاب في المنطقة. لقد ثبت بالتجربة، أنّ الإرهاب صنيعة إيرانيّة، ومع أوّل رصاصة ستُطلق بشكل رسمي لمحاربة «داعش» في المنطقة، سيبدأ العدّ العكسي لبدء معركة ضدّ «حزب الله».
يتردّد أنّ «حزب الله» يشارف على الانتهاء من إتمام الاستعدادات في جبهة جنوب لبنان بعد المخاوف المتزايدة من إمكانية حصول حرب مع إسرائيل. من سيربح هذه المرّة في حال وقعت حرب بين الطرفين؟
- سؤالك مؤلم لي لأنّه ليس سهلاً عليّ أن أقول لك بأنّ إسرائيل ستكون الرابحة ولبنان سيكون الخاسر، ولبنان دائماً خاسر، و«حزب الله» لا يكفّ عن توريطنا.
هناك من يراهن على انشقاق الرئيس السوري بشّار الأسد عن طهران والتحاقه بموسكو. إذا كانت المراهنة في مكانها، أيّهما أفضل؟ الالتحاق بإيران أم الالتحاق بروسيا؟
-نحن لا مع هذا ولا مع ذاك. بشار الأسد باع نفسه للشيطان، وغرق وأغرق سوريا معه، ونهايته الموت قتلاً من أقرب المقرّبين إليه، وهو لن يحيا ليرى سوريا الجديدة.
copy short url   نسخ
01/04/2017
3161