+ A
A -
الرباط - الوطن - عماد فواز
«الملحون» المغاربي، فن عرفته دول المغرب العربي وخاصة «المغرب والجزائر» في القرن السادس عشر الميلادي، بعد هجرة المورسكيون من الأندلس إلى شمال افريقيا، وحمل شكلا كلاسيكيا يشبه إلى حد كبير «الإنشاد الصوفي» المصحوب بنغم موسيقى بسيط، وقد اتخذه المغاربة – كفن في الاصل شرقي- ومزجوه بالفن الامازيغي والنغم التركي والشعر العربي، ليكونوا لونا غنائيا مميزا عاش وانتشر في شتى ربوع المغرب العربي، ومازال حتى اليوم - لأكثر من خمسة قرون - يطرب الصفوة والعامة في جلسات فنية بديعة تغذي الروح والعقل.
ظهور الملحون
يقول الأمين بنزيدان، استاذ الموسيقى بمعهد الموسيقى بالرباط لـ «الوطن»، إن فن الملحون جاء إلى المغرب مع موجات هجرة المورسكيون إلى شمال افريقيا، وقد استقرت أغلب «جوق» الملحون في مدن الشمال المغربي «فاس، ومكناس، وطنجة»، وانذب اليها الاعيان في المغرب انذاك، ونظموا الحفلات والامسيات والسهرات، مما ساهم في انتشار هذا الفن، الذي يعتمد على الكلمة «الشعر» سواء الفصحى أو «الوسطى» مابين الفصحى واللهجة الدارجة المغربية، وتكون الموسيقى المصاحبة منخفضة اثناء اداء «الشاعر» للشعر، فالبطل الأساسي في هذا الفن هو الكلمة، واللحن مساعد، يتزايد عندما يتوقف الشاعر عن الإلقاء للانتقال ما بين جزء وآخر من أجزاء فن الملحون، ويعتمد الشاعر في مادته «نظم القصيدة» على مواضيع متنوعة ما بين «توسلات إلهية، ومدح نبوي، وعشق، وهجاء، ورثاء»، على أنغام أغلبها من مقامات وأوزان «تركية، وشامية» وهي مكونات النغم الأندلسي – آنذاك.
انتشاره
ويضيف، مع انتشار هذا الفن الوافد على المغرب بصورة كبيرة، طوره المغاربة وأضافوا اليه الآلات الموسيقية المغاربية التقليدية مثل «الوتر»، ونوعوا المقامات الموسيقية، وقسموا الشعر إلى نوعين «المدح» وهو نوع ديني بحث تنصب كلماته في مدح الرسول والتوسل إلى الله وحمد نعمه، ونوع آخر «العشاقي» وهو طرب أهل الهوى، للغزل وإبداء الإعجاب بالحبيبة، وأصبح لقصيدة الملحون «شكل مميز» واكتملت ملامح هذا الفن ليصبح تراثا مغربيا ممتدا عبر القرون حتى اليوم، حيث اصبحت قصيدة الملحون مكونة من كلام ينتظم، لكن في غير ضبط محكم لوحدة الوزن فيه والقافية، وتنقسم القصيدة إلى خمسة أركان «المقدمة أو السرابة وهي قطعة قصيرة تؤدى على غير ما تؤدى به القصيدة، ثم الدخول وهو شطر في استهلال القسم بدون عجز، الحربة، وهي اللازمة التي يؤديها الشداشة، وهم جماعة المغنين والعازفين، ثم الأقسام وهي الأبيات المغناة، وأخيرا الدريدكة التي تختم القصيدة وتنشد على إيقاع سريع عن باقي القصيدة»، وظلت قصيدة الملحون على هذا الشكل والنحو طوال اكثر من خمسة قرون وحتى اليوم، وأصبح فن الملحون في المغرب فنا للجميع «نخبة وعامة»، وتوارثت فرق الملحون هذا الفن المغاربي جيلا بعد جيل، وأغلب الموروث قصائد قديمة أبدعت مع بدايات هذا الفن، ولا يوجد حاليا إنتاج جديد إلا محاولات قليلة جدا.
ديوان المغاربة
ويشير الرياني محمدي، فنان الملحون المراكشي، إلى أن فن الملحون نشأ معتمدا على الشعر وبلاغاته وجمالياته دون الالتزام بالأوزان، وأغلب قصائد الملحون نظمت بالعربية الفصحى، وقليل منها فقط أدخلت اليه الكلمات الدارجة المغربية، وتلحين قصيدة الملحون غالبا يكون في نظم القصيدة نفسها، لذلك فإن أغلب قصائد الملحون لحنها شعراؤها، وتعتبر الوتريات وآلات الايقاع أهم أركان «جوقة» الملحون، ويعشق المغاربة فن الملحون وتوارثوه جيلا بعد جيل، ومن أشهر فناني الملحون في المغرب «سيدي عبد القادر العلمي، شيخ متصوفة «الملحون» وسيدي عمر اليوسفي، والجيلالي امتيرد، وسيدي قدور العلمي»، وهؤلاء هم من طوروا الملحون من اللون الصوفي القديم القادم من الاندلس، ووضعوا عليه اللمسات المغربية وروجوه بين العامة والخاصة، وجعلوه فنا مغاربيا بامتياز، يتابعه ملايين المغاربة الآن، وتقام له المهرجانات السنوية في «طنجة، وفاس»، واصبح في المغرب حاليا حوالي 33 «جوقة» ملحون معتمدة ومشهورة، بالاضافة إلى مئات «جوق» الهواة في شتى مدن المملكة، وتلجأ جل «الجوق» الفنية إلى اعادة القصائد القديمة، واعادة تقديم التراث دون أي محاولة للتجديد أو الاضافة سواء في القصائد «الشعر» أو الالحان، وتبذل الجمعيات المعنية بالحفاظ على التراث المغربي الفني، جهودا كبيرة للحفاظ على فن «الملحون» كفن كان ومازال «ديوان المغاربة».
copy short url   نسخ
01/04/2017
5005