+ A
A -
أيقظت النتيجة المفاجئة لانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016 الأميركيين على حقيقة ما كانوا ليعترفوا بها، ألا وهي أن الولايات المتحدة تتعرض لهجمات من دول أجنبية مدججة بمعلومات تمثل سلاحاً فعالاً.
والحقيقة، أن وكالات الاستخبارات الأميركية جميعها تتهم روسيا بالقرصنة، على خوادم البريد الإلكتروني للحزب الوطني الديمقراطي، وعلى حملة مرشح الحزب هيلاري كلينتون، وسرقة جميع الرسائل الإلكترونية وتحديدًا تلك الموجودة في حساب المسؤول عن الحملة، قام المُخترقون الروس بتسريب أكثر من 200 ألف رسالة بريدية خاصّة بالحزب الديمقراطي، لكن هذه المرّة عبر موقع ويكيليكس وبالتالي قامت بتسريب معلومات أسهمت في توجيه دفة الانتخابات.
ولكن من وجهة النظر الروسية، فإن الولايات المتحدة، هي التي بادرت بالعدوان المعلوماتي، وأن المحاولات الروسية، للتأثير على الولايات المتحدة وغيرها من الدول، لا تعدو أن تكون مجرد نوع من الدفاع النشط.
ووفقا للدكتور «كين جيرز» من شركة كومودو لأمن الفضاء الإلكتروني، فإن روسيا تمتلك قوات وأدوات حرب المعلومات منذ فترة طويلة، وهو ما لم نلتفت إليه في الغرب. وبحسب تصريحات «جيرز»، الذي سبق أن عمل لحساب الناتو ووكالة الأمن الوطني الأميركية، لموقع «بيزنس إنسايدر» الأميركى، فقد كانت وكالات الاستخبارات الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية «تعرف كل شيء عن الاختراق الروسي». فالروس متفوقون في الرياضيات، والأمن التشغيلي، ولديهم تاريخ طويل في فهم التهديدات، التي تمثل خطراً على نظامهم.
ويقول «جيرز»: «حتى في فترة عمل البوليس السري، كان لدى روسيا جهاز قوي لمكافحة التجسس، لذا كان لدى روسيا الكثير بالفعل، مما يمكن أن تستخدمه في عام 1913، قبيل الحرب العالمية الأولى».
واليوم، يترجم هذا التاريخ البالغ 100 عام من الأمن المعلوماتي، وأجهزة الحرب المعلوماتية، إلى ما يشبه تركيز شعاع ليزر على ساحة الحرب الإلكترونية. والمحاربون الأميركيون على الساحة الإلكترونية، ممن يركزون على مواطن الضعف، وبرامج المساعدة والثغرات، التي يمكن استغلالها في الشبكات. أما في روسيا، فإن مواطن الضعف تبدو فقط «وسيلة تفضي إلى غاية،» بحسب «جيرز».
وفيما بين تعبيري الأمن الإلكتروني، الذي يفضله الغرب، وأمن المعلومات، الذي يفضله الشرق، سبقت كل من الصين وروسيا الولايات المتحدة باقي دول العالم في ذلك المجال. وبغض النظر عن درجة التأمين، التي يمكن أن تصبح عليه شبكات الأمن الأميركية، فسيكون هناك دوما بعض التسريب، وأثبتت روسيا والصين، أن لديهما قدرة مذهلة في نشر ما يتم الحصول عليه من التسريبات، والسيطرة على المجال المعلوماتي الأوسع نطاقاً.
وحتى الوقائع الحقيقية من الناحية الموضوعية يمكن تحريفها في الفضاء الإلكتروني للشبكات الإخبارية الفضائية المملوكة للدولة في روسيا، مثلما حدث عندما اجتاحت القوات الروسية شبه جزيرة القرم في 2014.
ونظرا لأن الحكومتين الروسية والصينية هما أكثر هيمنة من الغرب- حسبما يقول جيرز- فهذا يتيح لهما رقابة صارمة على وسائل الإعلام، وعلى ما يصل إلى مواطنيهما عبر الإنترنت. كما يتيح لهما التلاعب في الفضاء المعلوماتي، أكثر وأكثر.
وقال «جيرز»: «يتضح ذلك اليوم في دبلوماسية الإنترنت، خلال المناقشات الدولية بين الشرق والغرب»، حيث يتحدث مشغلو الإنترنت الأميركيون حول تأمين الشبكات، أما المشغلون الشرقيون فيتحدثون عن تأمين المعلومات، وهذا غالباً ما يعني فرض الرقابة، أو حتى حملات التضليل العدوانية.
ويقول «جيرز»: «لو نظرنا إلى انتخابات 2016، سنجد أنه كان لروسيا تأثير عليها. إنها تجعلك تعيد التفكير مرة أخرى بأن الروس كانوا على صواب، إلى حد أكبر بكثير، فيما يتعلق بالقضية على مر الزمن... فالقضية تتعلق بأمن المعلومات. واستغلال برنامج فلاش للتصفح هو وسيلة للوصول إلى غاية. وما تفعله بذلك المتصفح يمكن أن يكون صغيرا أو ضخماً».
ومع قرصنة روسيا على أحد الحزبين السياسيين الكبيرين بالولايات المتحدة، والحملة الجوية الوحشية المدمرة، التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين في سوريا، وضم شبه جزيرة القرم الاستراتيجية في أوروبا تحت سمع وبصر الناتو، أثبتت روسيا أنها تعرف جيدا مفهوم أسلحة حرب المعلومات، والخطط الكبرى في فضاء المعركة.
ودعا جيرز إلى النظر إلى فرنسا كمثال لما تسببه البصمة الأميركية الضخمة في الفضاء المعلوماتي من موجات غضب حتى لدى أقرب الحلفاء. وقال: «على مدى سنين، ظلت فرنسا تشعر بانزعاج شديد من الولايات المتحدة، في حين كانت دول أخرى مبهورة بتفوق أميركا المعلوماتي».
وتعد شبكة الإنترنت، بطبيعتها وفي جوهرها، موالية للغرب. فثورة المعلومات التي جاءت للوجود، كانت من خلال شبكة معلوماتية منفتحة، وقد انتشرت انتشار النار في الهشيم في العالم كله، وبطريقة يمكن أن تهدم أركان الأنظمة الاستبدادية بطريقة متشابهة. لذا فبينما قد تفوز روسيا بأسلحة حرب المعلومات حالياً، عبر إجراءات فعالة جدا، فلا شك في أنها معركة فوق قمة التل، والوقت ليس في صالحها.
ويختتم «جيرز» قائلاً: «سيكتشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً، والحديث على نطاق أوسع، أن الإنترنت تقف إلى جانب الغرب. إنها أكثر شبها بالديمقراطية، منها إلى الاستبداد. كل مواطن الضعف موجودة لدى الغرب، وهذه حقيقة، ولكنها تمثل جانباً واحداً فقط، مما يجعلني أشعر بأن الغرب يجب أن يطمئن، وألا يبالغ في رد الفعل على هجمات روسيا الإلكترونية، وأقول للروس أنه يمكنكم استخدام هذه الأدوات في التجسس، ولكن في النهاية ستنقلب عليكم».
copy short url   نسخ
01/04/2017
1378