+ A
A -
معركة دمشق دخلت بمواجهة الثورة ضد نظام الأسد إلى مرحلة فارقة.. سقوط العواصم يعني في العلوم العسكرية سقوط النظام الحاكم، فإذا ما استمر تقدم الثوار إلى وسط المدينة التاريخية والتي توصف بقلب العرب النابض، فإن عدة سيناريوهات تتحدث عن الخروج الأخير لرأس النظام بشار الأسد إلى اللاذقية أو روسيا. هذا التقرير يغوص في التفاصيل.. أثار هجوم فصائل المعارضة السورية المسلحة ناحية المدخل الشمالي للعاصمة السورية دمشق والتي يقبع فيها خصوم الثورة تساؤلاً حول توقيت وأهمية الهجوم، من ناحية جبهة جوبر، بقيادة «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام» و«هيئة تحرير الشام»، وعن النتائج المتوقعة لهذا الهجوم.
ويسير البعض وراء احتمال أن يكون الهجوم غرضه تحسين شروط التفاوض مع النظام السوري، بالاقتراب من معقل بشار وتشكيل قلق للنظام، بأن المعارضة يمكنها تهديد الهدوء الذي يشعر به.


قام النظام السوري منذ 2012 بإقامة سياج أمني حول محيط دمشق، وأعقبه بسياج آخر بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي المحيطة بالعاصمة والتي تتبع إدارياً ريف دمشق. وبين السياجين ظلت الكثير من البلدات والأحياء تحت سيطرة فصائل المعارضة من شمال غرب العاصمة حيث قرى وادي بردى وقدسيا والهامة، وإلى الغرب حيث معضمية الشام وإلى الجنوب حيث داريا ومخيم اليرموك، وطبعاً إلى الشرق حيث الغوطة الشرقية، ووصولاً إلى الأحياء المطلة على البوابة الشمالية والشرقية وهي أحياء جوبر والقابون وبرزة وتشرين والتل. وهو الأمر الذي جعل هذه المناطق بمثابة كيانات ومناطق منعزلة، استخدم النظام ضدها آلته الحربية بمساعدة روسية وميليشيا لبنانية وعراقية، ففرض حصاره على هذه المناطق، وبدأ في محاولة تغيير واقعها وتصفيتها رويداً رويداً، بداية من البلدات الجنوبية. وشدد النظام حصاره على حيي القابون وتشرين منذ فبراير الماضي، كاسراً اتفاقات الهدنة التي كان قد أبرمها معها، كما منع النظام العبور من حي برزه لموقعه المهم على طريق دمشق- حمص.
ويظهر أن النظام يريد أن يستأثر بالقابون ليفصله عن الغوطة الشرقية ويمنع التواصل والإمداد بين جماعات المعارضة، ولهذا يظهر أنه كان لزاماً على المعارضة التحرك، لوقف تغول تحركات النظام وكسر أهدافه، والعمل على ربط حي جوبر بالقابون وربطهما بالغوطة الشرقية، الموقع الأهم للمعارضة في ريف دمشق.
الاقتراب من القصر الجمهوري
ويذهب البعض بمعركة دمشق إلى مدى أبعد باعتبارها ستحدد من سيحكم سوريا وصولاً إلى ساحل المتوسط آخذين في ذلك اعتبار فتح جبهات عدة على النظام مثل جبهة الرقة والاستعدادات لها.
فانكسار النظام في معركة دمشق، وخسارته للكثير من المناطق والعناصر، تعني أنه قد يضطر لسحب قواته من شرقي حلب وتدمر، وخاصة إذا فتحت جبهة حماة عليه، فهو قد زج بنسبة كبيرة من نخبة قواته إلى ريف حلب الشرقي، مستغلاً التطمينات الغربية حول أنه لن يتعرض للهجوم من الثوار الملتزمين بالهدنة.
ويعتبر دخول المعارضة إلى أي تجمع سكاني كبير للنظام موجعاً، لأنه يعني أن النظام سوف يدفع بكل إمكانياته لمنع هذه العملية لكنه قد يعجز في ظل معركة دمشق وخسائره فيها. بما يجعل معركة دمشق تمثل ضغطاً كبيراً على النظام، علاوة على معاركه الأخرى التي يخوضها في مناطق أخرى بسوريا. ويمكن أن تكون بداية سقوط فعلي للنظام مع فتح الجبهات الأخرى، بتوريط النظام على كافة الجبهات.
ووسط هذه الرؤى عن سير المعركة التي شكلت صدمة كبيرة له لأول مرة منذ أكثر من عامين، وجعلته يشعر أنه مهدد في عقر حكمه، وعلى بعد كيلومترات قليلة من القصر الجمهوري. فقد وصلت فصائل المعارضة في ذروة تقدمها إلى كراجات العباسيين، وأوصلت منطقتي جوبر والقابون ببعضهما بعد أن سيطرت على معامل الغزل والنسيج والحلو والسادكوب وشركة الكهرباء والخماسية ومعمل كراش في المنطقة الصناعية في حي القابون شرقي دمشق، في حين أغلق النظام جميع الطرق الواصلة بين ساحة العباسيين والقابون من جهة الكراجات.
وبعد أن اتبعت الطائرات الروسية سياسة الأرض المحروقة من خلال تنفيذها عشرات الغارات الجوية، اضطرت الفصائل للانسحاب من بعض تلك المناطق والتي تعتبر مناطق مكشوفة ومن الصعب الثبات فيها، لتتركز المعارك في المنطقة الصناعية وفي رحبتي المرسيدس والدبابات، وسط قصف مكثف يطال المناطق التي تقدمت إليها المعارضة، ومحاولة من قوات النظام والميليشيات لاحتلال معامل كراش والغزل والنسيج والخماسية وشركة الكهرباء، بينما تشهد الأبنية المطلة على أوتستراد دمشق – حلب عمليات كر وفر بين الجانبين.
إلى وسط دمشق
يقول قيادي في «فيلق الرحمن» إن المرحلة الأولى لمعارك دمشق حققت أهدافها بنجاح، وأن المرحلة الثانية من المعركة بدأت لتعزيز نقاط التقدم. وأشار القيادي إلى أن المرحلة الثانية تتلخص في إحكام السيطرة والتحصين على محور كراجات العباسيين وأوتستراد «العدوي». وأكد القيادي أن منطقة العباسيين ستكون «قاعدة انطلاق إلى وسط دمشق». وبينما تدور المعارك، يرى البعض بمن فيهم بعض الفصائل المقاتلة أنه لا بديل عن المفاوضات، حيث يسعى المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي مستورا إلى إحراز شيء من خلال جولة مفاوضات جنيف الخامسة، حيث بالنسبة لهم أن المعارك في حدود أهدافها الدنيا، وهي الضغط على النظام وترويضه، تمثل نقطة ارتكاز في المفاوضات، بينما يشكل نجاح عملية هجوم دمشق والمتزامن معها من هجوم حماة وإذا تم فتح جبهة معركة الرقة الكبرى التي ستشتت قوى النظام، ركيزة للمعارضة ربما تساهم بقوة كما أسفلنا في تداعي نظام الأسد، وإن أخذ الأمر بعض الوقت، وأنه كلما حسمت المعارك على الأرض، قل الفعل الروسي. ويشكك الهجوم في جدوى الجهود التي تقودها روسيا لتحقيق الاستقرار في البلاد عن طريق تأمين تسوية تفاوضية، وهو هدف لايزال بعيد المنال عن تعهد الأسد المتكرر باستعادة السيطرة على البلد بأسره.
مصير الأسد
ويقول أندرو ج.تابلر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، «إنه من الواضح الآن أنه على الرغم من أن الثوار يفتقرون إلى القدرة الكلية الحاسمة لإسقاط الأسد، فإن قوات الأسد تفتقر أيضا إلى القدرة على هزيمتهم. هذا يعني أنهم يقفون في مكان واحد. وبالنظر إلى الواقع الحالي، فلم يفز الرئيس الأسد بالحرب، بينما الثوار مازالوا يتقدمون في بعض المواقع».
وعن مصير الأسد في حال تطور المعارك، فإن السيناريو المرجح هو لجوء بشار وقواته إلى المناطق الساحلية ومدينة اللاذقية، معقل طائفته العلوية على الساحل معتمدا على دعم روسي؛ حيث القاعدة الروسية البحرية هناك. وهذا السيناريو مطروح منذ 2012، حيث أشارت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في ديسمبر 2012 نقلا عن مصدر روسي قوله إن خطة هروب الأسد من دمشق بعد سقوطها في أيدى الثوار تتضمن في أسوأ الأحوال الانتقال إلى بلدة علوية ساحلية مطلة على البحر الأبيض المتوسط، في إشارة إلى اللاذقية؛ حيث سيخوض من هناك آخر معاركه في سوريا.
لكن هذا السيناريو قد يصعب تحقيقه، في حال اعتبر العلويون في اللاذقية استضافة عائلة الأسد بمثابة انتحار لهم، إنه في حال سقطت دمشق وقرر الأسد الانتقال إلى اللاذقية فقد يشكل ذلك حافزا كبيرا للثوار للانتقام منهم لاستضافتهم له.
وهناك سيناريو يرجح لجوء الأسد إلى روسيا ضمن صفقة أو حل سياسي. في بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011، كان الكثيرون في الغرب واثقين من أن أيام الأسد في الحكم باتت معدودة، وكان يفترض أن ينضم لجوقة الدكتاتوريين المخلوعين مثل قذافي ليبيا وصدام العراق وبن علي تونس.
وقد ورد أن المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين كانوا متيقنين من ذلك لدرجة دفعتهم لتجاهل عرضٍ روسيٍ بتنحي الرئيس كجزء من صفقة للسلام. لكن الأمور صارت أكثر تعقيدا بعد أن نزعت أميركا يديها من الأمر بحسب، ما كتبه مايك دوران الباحث في شؤون الشرق الأوسط في معهد هدسون. لكن في حال سقوط دمشق بيد مقاتلي المعارضة هذه المرة، تبدو مسألة مصير الأسد لاتزال تبارح الذهن، ولنا أن نتذكر ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لصحيفة ألمانية، ملمحا إلى أن هناك احتمالا لاستقرار الأسد في روسيا يوما ما.
copy short url   نسخ
01/04/2017
1749