+ A
A -
مرت بي أسابيع عجز قلمي أن يسكن بين أصابعي، وعجزت حروفي أن تترجم أفكاري كلمات وعبارات؛ ليس لأنني أعاني شح الأفكار أو أصابني الهزال في الكتابة، وإنما صدى تلك العبارة التي أطلقها طفل لا يتجاوز الحادية عشرة من العمر في اجتماع عائلي جمعني به حين أقدمت والدته تسألني عن كيفية اختياري للموضوعات، فهم مسرعاً ووقف أمامي قائلاً: «توقفوا عن الكتابة...»، وحين حاولت أمه زجره ومنعه عن كلامه، أخفضت جسدي كما أخفض رغبتي في الكتابة، ودنوت منه قائلة: وهل تحسن القراءة كي أتوقف عن الكتابة؟.. أجابني ضاحكاً: لن أتعلمها فما عدنا بحاجة لها. وعندما نظرت له مستغربة قال لي: أظن لو أننا نعيش دون قراءة أفضل، فلقد تركنا بيوتنا وهجرنا يوم تعلمنا فتعلمنا أن نكره بعضنا ونبرر اختلافاتنا ونستنكر المحبة ونلف وندور في خانة الكلمات باحثين عن عبارات أو فقرات تسمح لنا بارتكاب الجرائم وتبرير أفعالنا، وحين حاولت الدفاع عن الكلمات أصر على رأيه قائلاً: عندما كان أجدادنا جهلة بنوا الأمجاد، وعندما تعلمنا دمرنا تاريخهم ومستقبلنا، إن الكلمات أحياناً تبيح ما لا يباح. سقط قلمي سادتي القراء وحرت في حروفنا وكلماتنا فهممت لأسابيع أبحث في كل ما هو يكتب سواء الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي فخفت وأدركت أن القلم الذي نحمله بين أصابعنا الواهنة يرسم مسارات حياتنا حقاً، فإما أن نكتب خيراً وإما أن نصمت ونترك أوراقنا فارغة خيراً من أوراق تمتلئ بكلمات تعدم الإنسانية وتبتر المحبة وتنشر الفساد. توقفوا عن الكتابة سادتي الكتاب لأيام؛ فلقد قررت خلال الفترة الماضية أن أختبر صمت قلمي، ولو تدركون ماذا أصابني؟ وجب عليّ أن أدفع ثمناً باهظاً من أجل أن أصمت روحاً وقلماً، فشعرت بأنني داخل السجن، كلما أمعنت في الابتعاد عن القلم مكثت في سجن فكري وقتاً أطول، وفقد لساني القدرة على تذوق الحروف.. وخفت من تراكم الكلمات في فكر بات يميل للهزال، فامرأة مثلي لا تحسن العيش دون أن تفرج عن قلمها.. ولكن الأقسى أنني اكتشفت أننا نعيش سجناء ضمن نقاط حروفنا.. ولم يكن من السهل لي أن أعود إلى الكتابة، فلقد تمرس قلمي على الصمت، وأدركت أنني كنت أسعى إلى الصمت بلا وجل. حتى أتاني ذلك الطفل مساء السبت واقترب مني وقبل وجهي قائلاً: كنت مخطئاً لماذا ما عدت أرى صورتك؟ فابتسمت قائلة: ألم تقل لي توقفوا عن الكتابة، كنتم في حال أفضل.. أجاب: لقد اكتشفت أن الخطأ ليس في ما تكتبين ولكن الخطأ في ما نريد ويريدون أن يفهموا. وعدت سادتي إلى قلمي.. ولا أعلم ماذا ستحملون في جعبتكم من مخزون تترجمه هذه الحروف؟ - كاتبة لبنانية
copy short url   نسخ
01/04/2017
1740