+ A
A -
حوار- نورما أبو زيد
يشكو وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين معين المرعبي، من لامبالاة المجتمع الدولي حيال ملفّ النزوح السوري الذي يشكّل عبئاً متعدّد الوجوه على لبنان، ويقول في هذا الإطار إنّ نصف المقيمين على الأراضي اللبنانيّة هم من غير اللبنانيين، وإنّ لبنان وحده أنفق إلى اليوم 15 مليار دولار على النازحين السوريين رغم مديونيّته التي بلغت 75 مليار دولار، ومع ذلك «لا تخجل بعض الدول من إظهار تذمّرها أمامنا، وتقول لنا بوقاحة إنّ علينا تقديم المزيد»، وبرأيه: «مَنْ يشعر بأنّ الدولة اللبنانيّة مقصّرة، فليتفضّل ويأخذ هذا الحمل عنّا، ونكون له من الشاكرين». وفي إطار متّصل بملفّ النزوح السوري، يقول الوزير المرعبي، في حوار مع الوطن، «إنّ المجتمع الدولي يتعاطى ببخل فائق»، وما من حلول أمام لبنان إذا بقي العالم متخلياً عن مسؤولياته، أمّا حول إمكانيّة غضّ الدولة اللبنانيّة الطرف عن باب الهجرة غير الشرعيّة نحو الغرب كي تأتي الحكومات الغربيّة طوعاً لتقديم المساعدة إلى لبنان، فيقول المرعبي إنّه «لا يمكن للحكومة اللبنانيّة أن تلجأ إلى هذا الأسلوب، ولكن قد تصل الأمور إلى هذا المكان خارج إرادتنا كدولة لبنانيّة»، وفي ما يأتي نصّ الحوار:
بداية، كيف ارتضى معين المرعبي الثائر على سياسات «حزب الله» في لبنان والمنطقة أن يشارك في حكومة فيها غلبة فاقعة لصالح «حزب الله»؟
- نحن نشارك في حكومة ائتلافيّة..
(مقاطعة): ولكنّها حكومة لا يملك فريقكم فيها الثلث المعطّل؟
- هذا صحيح، والمشاركة في هذه الحكومة لم تكن أمراً سهلاً عليّ، ولكن في المقابل هل مطلوب أن نسلّم البلد بشكل كلّي إلى «حزب الله»؟
- نحن لم نشارك في حكومة نجيب ميقاتي، فتحوّلت الحكومة برمّتها إلى مطيّة في يد الطرف الآخر، بينما لو كنّا نحن داخل تلك الحكومة، لكنّا دسنا على المكابح، وعرقلنا دفع البلد في اتجاه معيّن.
أمور البلد تُسيّر من خلال هذه الحكومة، وأنا ما زلت على نفس المبادئ ونفس المواقف، ومستمرّ في إدانة سلاح «حزب الله» وأدواره المحليّة والإقليميّة في اليمن والبحرين وسوريا والعراق.
ماذا تغيّر في حياة النازحين السوريين إلى لبنان منذ استحداث وزارة تُعنى بشؤونهم؟ وماذا تغيّر في حياة اللبنانيين المضيفين للاجئين السوريين؟
- هذه الوزارة تأخّرت ست سنوات، وكان يجب أن تُستحدث بعيد اندلاع الثورة السوريّة مباشرة، ولكن المكابرة في حينها منعت حكومة ميقاتي من الاعتراف بوجود نازحين سوريين، ونفس الفريق الذي رفض الاعتراف بوجود نازحين، رفض إقامة مخيّمات منظّمة لهم، للاحتياط أمنياً منهم، وتأمين ما أمكن من متطلّباتهم.
عملياً تأخّرنا ست سنوات في معالجة ملفّ النزوح السوري إلى لبنان، وقد تمّ استحداث وزارة لشؤون النازحين من أجل استلحاق ما فاتنا، وهذه الوزارة لا تقوم بدور مباشر مع الإخوة النازحين، بل تساعد جميع الوزارات المعنيّة بملف النزوح على وضع سياسة عامّة تجاه أزمة النزوح، إضافة إلى التنسيق مع الجهات الدوليّة المانحة..
(مقاطعة): وهل باتت تتوافر في لبنان وحدة القرار السياسي والتوافق الوطني لمعالجة أزمة النزوح السوري بشكل فعلي؟
- هناك الكثير من التجانس داخل الحكومة الراهنة، وهناك رغبة في التعاون، وكلّ الوزراء لديهم نفس الهدف ويتشاركون نفس الهواجس، كلّنا نريد للسوريين أن يعودوا إلى بلادهم، وكلّنا لا نريد أن تتكرّر مأساة الشعب الفلسطيني على أرضنا، وكلّنا لا نريد لهم أن يكونوا سبباً لأيّ أزمة في البلد، وكلّنا نريد أن نؤمّن لهم الحدّ الأدنى من متطلّباتهم. 52 بالمائة من النازحين السوريين في لبنان يعيشون تحت خطّ الفقر، ولا ينفقون أكثر من دولارين في اليوم، ونحو 250 ألف طفل سوري من أصل 400 ألف لا يذهبون إلى المدارس، ولا نستطيع أن نترك أمور التعليم فالتة على غاربها، لأنّنا بذلك نكون كمن يربّي جيلاً عصياً على التفاهم معه، جيل يؤثّر علينا سلباً، ويؤثّر على محيطه سلباً لدى عودته إلى سوريا، ويؤثّر على العالم بأسره سلباً؛ إذ يصبح سهلاً استهدافه من أصحاب الفكر المتطرّف، ولذلك يتوجّب على المجتمع الدولي مساعدتنا كي نتمكّن بدورنا من مساعدتهم، وبذلك نؤدّي خدمة لنا ولهم وللعالم.
نحن نقوم بواجبنا مع السوريين، وعلى المجتمع الدولي أن يقلع عن سياسة التقاعس، وإذا كان لدى المجتمع الدولي حلّ آخر، فنحن منفتحون على كلّ الاحتمالات، ومن يشعر بأنّ الدولة اللبنانيّة مقصّرة، فليتفضّل ويأخذ هذا الحمل عنّا، ونكون له من الشاكرين.
قرّر لبنان الرسمي منذ بداية الأزمة السوريّة أن يتبع سياسة دفن الرأس في الرمال متلطياً خلف عباءة النأي بالنفس بدل أن يضع خطّة متعدّدة الجوانب لمواجهة الأزمة، ثمّ استفاق على وجود أكثر من مليوني نازح سوري موزّعين على 1400 مخيّم غير رسمي، ويشكّلون ما يقارب نصف سكان لبنان..
- (مقاطعاً): بداية دعيني أوضح أنّ عدد النازحين السوريين في لبنان لم يصل إلى عتبة المليونين، والعدد الفعلي هو مليون ونصف المليون سوري، موزّعون على مساحة الجغرافيا اللبنانيّة، أمّا القول إنّ هناك 1400 مخيّم فهو أمر مبالغ به؛ إذ لا نستطيع أن نطلق على كلّ تجمع لبضع خيم اسم مخيّم..
هل مازال ممكناً جمع اللاجئين السوريين إلى لبنان في مخيّمات مركزيّة على غرار ما جرى في الأردن وتركيا؟
- لو عالجنا هذا الموضوع مع بداية النزوح السوري إلى لبنان لكان سهلاً علينا إقامة مخيّمات، أمّا الآن فبات الأمر صعباً.
أنا منفتح على كلّ طرح إيجابي يؤدّي إلى تحسين ظروف اللبنانيين والسوريين، لأنّ الظروف اللاإنسانيّة فاقت المعقول في مناطق النزوح الكثيف مثل عكار والقاع وبعلبك الهرمل وعرسال، في هذه المناطق أعداد السوريين تفوق أعداد اللبنانيين بأضعاف، والخدمات غير مؤمّنة لهم لأنّها غير مؤمّنة أصلاً للسكان الأصليين. ففي عكار مثلاً، 8 بالمائة فقط من المنازل تصلها المياه، و92 بالمائة من منازلها لا تصلها المياه، فكيف لمنطقة كهذه لا تتوافر فيها البنية التحتيّة أن تتحمّل عبء 300 ألف نازح سوري؟ ومن أين نأتي لهذه الكتلة البشريّة الضخمة بماء وكهرباء وصرف صحّي ومدارس وطبابة؟!
خرجت أصوات لبنانيّة كثيرة في العامين الأخيرين طالبت بإنشاء مناطق آمنة في سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.. لماذا لم تتمّ ترجمة الصرخات إلى خطوات عمليّة على الأرض؟
- لبنان يتعاون بشكل كلّي مع الأمم المتّحدة، ولبنان هو عضو مؤسّس في الأمم المتّحدة، وشارل مالك شارك في وضع شرعة حقوق الإنسان، ونحن ملتزمون بكلّ القيم الإنسانيّة في لبنان الذي نعتبره بلد النور والعلم والحرف والديمقراطيّة، وعليه نحن نلتزم بالعودة الآمنة للسوريين تحت إشراف الأمم المتّحدة، ونحن كدولة لبنانيّة لا نستطيع أن نحدّد ما إذا كان الوضع الأمني في سوريا يسمح بعودة السوريين.
نحن لا نمنع أحداً من العودة إلى سوريا ولكن نحن لا ندفع أحداً إلى العودة، نحن بلد مساحته 10452 كلم مربعاً، ونحن بلد فيه 4 ملايين لبناني و200 ألف، ولا يمكن أن نتحمّل وجود ما لا يقلّ عن مليوني سوري وفلسطيني وعراقي، 50 بالمائة من المقيمين في لبنان هم من غير اللبنانيين، علماً أنّ مساحة لبنان لا تتحمّل هذا العدد، وكذلك مصادره الاقتصاديّة لا تسمح. فنحن لا نملك إلاّ هذا اللبناني الطموح الذي نصدّره إلى الخارج كي يعمل ويرسل لنا الأموال، ولذلك نطلب مساعدة المجتمع الدولي، كي نتمكّن من تحمّل وجود النازحين على أرضنا إلى حين عودتهم. بعض الدول لا تخجل من إظهار تذمّرها أمامنا، وتقول لنا بوقاحة إنّ علينا تقديم المزيد، علماً أنّ ما من أحد بكرمنا، فلبنان وحده تحمّل إلى اليوم كلفة 15 مليار دولار رغم مديونيته التي بلغت 75 مليار دولار، واتحادات الدول تمنّننا بمساعدتنا بمليار دولار.
لبنان يغرق باللاجئين حتّى الاضمحلال والمشكلة ليست مشكلة حفنة من الدولارات يستجديها لبنان في مؤتمرات الدول المانحة. إنّها نكبة يكون بعدها لبنان أو لا يكون.. هل توافق على أنّ أزمة اللاجئين تشكّل خطراً وجودياً على لبنان؟
- نحن عشنا مأساة الشعب الفلسطيني، وكانت تجربة مرّة للبناني والفلسطيني، وسنكون حتماً أمام مشكلة كبرى إذا استمرّ النزوح السوري.
هل تخشى من التوطين؟
- أنا لا أخشى من التوطين ولا يشكّل هذا الموضوع فزّاعة بالنسبة لي. الحرب في سوريا ستنتهي حتماً، وسيعود السوريون يوماً ما إلى سوريا، ولا يمكن أن نقارن بين السوريين والفلسطينيين لأنّ القضيّة الفلسطينيّة تختلف عن كلّ القضايا الأخرى. إسرائيل أقامت كيانها على أنقاض كيان آخر وباعتراف دولي، بينما في القضية الأخرى هناك عدّة خيارات والعودة ستكون متاحة حتماً.
يقدّر مراقبو الأمم المتّحدة أنّ تحتاج عملية جمع السلاح خمس سنوات بعد وقف القتال، وأن يحتاج مشروع إعادة الإعمار إلى ما بين أربعة وخمسة عقود.. انطلاقاً من هذه المعطيات بعد كم عقد من الزمن سيعود «سوريّو لبنان» إلى سوريا؟ وهذه الفترة الزمنية التي سيقضونها في لبنان ألا تعني أنّ توطينهم أمر حتمي؟
- بين المكوث في خيمة في لبنان والعيش تحت خط الفقر، أو المكوث في خيمة في سوريا والعيش أفضل بقليل، سيختار السوريون حكماً العيش في بلادهم وإعادة إعمارها. فبأي ظروف سيبقى هؤلاء هنا؟ لقد قمت الأسبوع الفائت بجولة تفقديّة للمخيّمات السوريّة في عرسال، ووجدتها عائمة على مياه الصرف الصحي. أنا أجزم أنّه بمجرّد وقف الأعمال العدائيّة في سوريا ستعود الغالبية الساحقة من السوريين إلى سوريا.
هل ترى أنّ الحلّ هو بتحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته ريثما تعود هذه الكتلة البشريّة إلى سوريا؟
- المجتمع الدولي يتعاطى ببخل فائق ولا يمكن التعويل عليه.
يُمكن للدولة اللبنانيّة أن تغضّ الطرف عن باب الهجرة غير الشرعيّة وعندما يطرق اللاجئون باب الغرب ستأتي حكوماته طوعاً لتقديم المساعدة..
- نحن كحكومة لا يمكن أن نلجأ إلى هذا الأسلوب، وقد تصل الأمور إلى هذا المكان ولكن خارج إرادتنا كدولة لبنانيّة.
ألا ترى أنّ المشكلة تكمن فينا كوننا تعاطينا مع ملفّ النزوح السوري بـ «المفرّق»؟
- لا المشكلة ليست فينا وإنّما بالمجتمع الدولي..
(مقاطعة): ولكن الدولة الأردنيّة تمكّنت من الاستحصال على مساعدات دوليّة تغطّي أعباء النازحين السوريين على أراضيها..
- (مقاطعاً): الأردن يعاني من نفس مشكلتنا.. صحيح أنّهم أكثر تنظيماً منّا، وصحيح أنّهم وضعوا خطّة، ولكن هذا لا يعني أنّهم يحصلون على مساعدات دولية بالمستوى الواجب.
نحن نعوّل حالياً على مؤتمر بروكسل الذي سيشارك فيه رئيس الحكومة سعد الحريري لكي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وسيحمل الرئيس الحريري إلى هذا المؤتمر مخطّطاً تنموياً للبلد، ويعوّل على ضخّ المجتمع الدولي لمليار دولار ونصف لتحسين البنى التحتيّة في مناطق النزوح.
(مقاطعة): ولكن هذه الأموال لا تساوي فائدة الأموال التي ضخّها لبنان على النازحين السوريين؟
- هذا صحيح ولكن هذه المساعدات تخلق فرص عمل، وتحسّن الوضع التنموي والاقتصادي، ومن الجيد أنّه أصبح لدينا خطّة للتعاطي مع أزمة النزوح، ولو وضعنا هذه الخطّة في وقت سابق، لكنّا مثل الأردن أو أفضل، لقد دفنت حكومة ميقاتي رأسها في الرمال وتصرّفت وكأنّ لا وجود لنازحين سوريين في لبنان، ولذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
يذهب السوريون مرّة إلى أستانة ومرّة إلى جنيف سعياً وراء حلّ سياسي لقضيّتهم ولكن دون جدوى.. أما آن الأوان للعرب أن يتحرّكوا؟
- العرب مطالبون بدور، ولكن من الصعب أن يصلوا إلى حلّ مع مجرم مثل بشار الأسد، المشكلة هي بالنظام السوري وليس بالعرب. النظام يقتل أهله وشعبه، وإجرامه وبطشه حوّلا الثورة السوريّة من سلميّة إلى عسكريّة. هذا النظام لا يمكن التفاهم معه، ونحن في لبنان اختبرنا ظلمه وجوره على مدى 30 عاماً، واستنتجنا أنّه لا يمكن التعايش معه، وأنا لا ألوم العرب، وإنّما ألوم القوى الكبرى وألوم الأمم المتّحدة ومجلس الأمن لعدم اتّخاذ التدابير التي من شأنها منع المجازر التي ارتكبت وتجنيب سوريا الدمار. ما حلّ بسوريا سيكون له تأثير عالمي، والأضرار لن تقتصر على سوريا ولبنان وسائر الدول العربية، بل سيتأثّر الغرب سلباً بتداعيات الأزمة السوريّة، وما تزايد العنف في العالم إلاّ مؤشّر على ذلك.
copy short url   نسخ
31/03/2017
1820