+ A
A -
كتب - محمد الربيع
تحتاج الذاكرة الاجتماعية للإنسان إلى تحفيز مستمر لاستذكار ماضيها واستلهام العبر من تجارب الماضي والانطلاق نحو المستقبل،على اساس متين من الخبرة والوعي.
ومن محفزات الذاكرة، المقتنيات التي لها علاقة بذاكرة المجتمع والإنسان في سعيه المستمر لتحسين حياته الشخصية من خلال تحسين ادوات عيشه واسلوب معيشته،والانسجام مع تطور المجتمع في استخدام هذه الادوات لجعل حياته افضل،فهذه الادوات من سيارات وأكواب ودلال قهوة وأباريق شاي واجهزة كهربائية من تليفزيونات وراديوهات وكاميرات،تعكس في أشكالها وأحجامها والوانها،تطور الخبرة الإنسانية في صناعة ما يجعل الحياة اسهل وافضل واجمل، كما انها تعكس سعي المجتمعات في مختلف بقاع الارض لتوظيف هذه الادوات وتكشف عن تواصل الإنسان والمجتمعات مع هذه المنجزات الإنسانية في كل مكان.
وجامع المقتنيات القطري حسن علي المطوع، يمثل نموذجا للذين يقدرون قيمة هذه المقتنيات في مختلف مراحل استخدام المجتمع لها،فهو يعتبرها تمثل جزءا عزيزا من ذاكرة مجتمعه، مشحونة بالذكريات والتفاصيل الحميمة، وانها في نفس الوقت،تكشف عن تطور الناس والمجتمعات في مراحل مختلفة من التطور الاجتماعي.ويستطيع الإنسان بالمقارنة بين الادوات التي كان يستخدمها في الماضي وتطور اشكالها ووظائفها في الحاضر، ان يكتشف مستوى وايقاع التطور في الزمن المعاصر.
ذاكرة في مجلس
لذلك خصص حسن على المطوع جزءا عزيزا من بيته في مدينة الوكرة، التي ولد فيها، وهو المجلس، لعرض مقتنياته من مختلف الادوات لضيوفه، الذين يجدون انفسهم وهم محاطون من بدلال القهوة والاكواب والاباريق والصور الملونة والتليفزيونات والكاميرات والراديوهات والعصي واجهزة الفونوغراف والمداخن، التي تصبح بدورها موضوعا للسمر والانس، حيث يستعيد الحضور ذكريات خاصة وعامة من خلال تذكر اشكالها واحجامها ووظائفها واستخداماتها خلال مراحل مختلفة من تطور المجتمع.
المطوع من مواليد الوكرة، يعمل في مجال التعليم الصناعي والتقني، حيث عمل لسنوات في مجال التدريب والتعليم الصناعي. وهو يتمتع بذاكرة مميزة في علاقته بالمكان، لذلك اختار هواية الاقتناء لصون ذاكرة مجتمعه والحفاظ عليها من خلال هذه الادوات.
مقتنيات داخل اطار خليجي
خصص المطوع لكل نوع من الادوات ركنا اورفا أو جانبا من المجلس، الذي تملأ جنباته مقتنيات جمعها خلال اكثر من عشرين عاما، حيث بدأ بجمع بعض الاواني القديمة التي كان الآباء والأجداد يستخدمونها في البيوت وفي حياتهم اليومية، مثل الاباريق والدلال والراديوهات والتليفزيونات والفونوغراف وادوات التصوير،فضاق المكان ولم يعد يستوعب المزيد، فقرر تخصيص مكان لها في مجلسه في بيته الجديد بالوكرة،فأصبح المجلس متحفا صغيرا لهذه الادوات والمقتنيات التي تملأ جنباته الأربعة.
ويرى المطوع ان هذه المقتنيات التي تنتمي إلى بلاد عديدة، اصبحت جزءا من ذاكرة الإنسان القطري والخليجي من خلال استخدامه لها،والذي يجمع بينها هو استخدام الإنسان القطري لها، لذلك اختار بناء المجلس على طراز العمارة القطرية والخليجية القديمة، حيث السقف من الخشب «الدنجل» و«الدعون» والشبابيك على نفس الطراز القطري القديم «الرواشن»،فاصبح المجلس اطارا قطريا وخليجيا لهذه المقتنيات المتنوعة.
قدوة قطرية
ويعتبرالمطوع الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني قدوة ونموذجا له،اذ استطاع حسب تعبيره ان يكون رائدا في مجال المتاحف الشخصية، واستطاع من خلال متحفه في الشحانية ان يحفظ ويصون جزءا عزيزا من الذاكرة الاجتماعية والثقافية لقطر،واصبح متحفه مزارا للناس من كل انحاء الارض للاطلاع على هذه المقتنيات النادرة.
وعن المقتنيات في مجلسه يقول المطوع ان اقربها إلى نفسه دلال القهوة التي يحرص على اقتنائها بشكل دائم ومستمر، ويقول: اتضح لي من خلال جمعها ان لها مسميات كثيرة وانها انواع عديدة وهي مختلفة الاحجام والنوع والاسعار، وان بعضها تحول إلى اثر ثقافي حقيقي بحكم تقادم الزمن عليها.
كما تحتل انواع مختلفة من العصي ركنا من المجلس وهي مختلفة في اشكالها والوانها واحجامها وتصميمها ونقوشها ونوعية الخشب الذي صنعت منه،ومن الدول التي جلبت منها.
بعض هذه العصي عبارة عن هدايا من بعض اصدقائه من السودان وجنوب افريقيا، وبعضها اقتناه من المعارض من اليمن وتنزانيا وسوريا وسلطنة عمان.
كما يهتم المطوع باقتناء المداخن التي تمثل جزءا عزيزا من ذاكرة البيت القطري والخليجي بعضها قديم وبعضها حديث، إلى جانب حوافظ «قضار» الشاي والزيت والبن والحليب التي كانت تستخدم في الاربعينيات والخمسينيات.
وعلى الجدران توزعت اللوحات والمناظر«مناظر الطاؤوس» التي تمثل جزءا مهما من ذاكرة تزيين الحوائط، وهو يمتلك منها مجموعة اصلية من تلك التي كانت تستخدم في تزيين الجدران بالصور والمناظر.
زجاجات المياه الغازية
ومن التفاصيل المدهشة في مجلس المطوع ركن للزجاجات المياه الغازية التي تنتمي لمراحل مختلفة منذ خمسينيات القرن،يقول المطوع:حرصت على اقتناء القديمة منها واضعها إلى جانب الحديثة، فهناك زجاجات لشركات مثل النامليت والكندادراي«كانداري» وأبوتيلة.
مشاركات خارجية
والى جانب هواية اقتناء الادوات، تمثل هواية اقتناء السيارات القديمة جزءا اصيلا من هوايات المطوع،وهو يقول عن هذه التجربة:كان دخولي إلى عالم السيارات من خلال سيارة مرسيدس موديل 1974 أهدانيها الوالد «رحمه الله»،وبعدها زاد اهتمامي بالسيارات، فبدأت أشتري السيارات الأميركية القديمة «بيك أب» التي تستخدم في رحلات البر« الكشتة» والمقناص، وكانت تستخدم من قبل شركات البترول وحرس الحدود لقوتهاومتانتها، فبدأت اقتنيها وأجددها، وأشارك بيها في احتفالات الدولة باليوم الوطني، وفعاليات درب الساعي، وأشارك بها أيضا في الفعاليات الخليجية، وأنا الآن عضو مجلس إدارة رابطة قطر لسيارات «البيك أب» الكلاسيكية، التي أنشئت عام 2015، ونحول من خلالها جمع هواة السيارات القديمة، وقد نجحنا الحمد لله وهي رابطة تضم عددا من الشباب القطريين.وقال المطوع: كانت آخر مشاركة لي في مهرجان السيارات الكلاسيكية في الكويت هذا العام، حيث قدت سيارتي الخاصة من قطر إلى الكويت بصحبة ثمانية شباب مع سياراتهم.ومطلع هذا الشهر شاركت في مهرجان الدرعية للسيارات الكلاسيكية في المملكة العربية السعودية.


ثقافة الاقتناء
وفي ختام زيارتنا له والتعرف على مقتنياته تحدث الينا المطوع عن خلاصات تجربته في مجال الاقتناء فقال: لقد تعلمت من هذه الهواية اشياء كثيرة، تعرفت من خلالها على ثقافة المجتمعات في بلدان مختلفة من خلال هذه الادوات، كما تعرفت على الموروثات الشعبية في هذه البلدان، وشاركت في مزادات عديدة في دول الخليج لتعزيز حصيلتي من المقتنيات. وأضاف: اتمنى ان تكون هناك جمعية قطرية لهواة اقتناء التحف والآثار، للجمع والاستفادة منها في المهرجانات والمناسبات المختلفة، مثل معرض وبينالي «مال لول» الذي مثل خطوة قطرية رائدة ومبادرة طيبة ومميزة لجمع المقتنيات التي لاتقدر بثمن،اسعدت المقتنين من الهواة ومكنتهم من عرض مقتنياتهم. واختتم حسن على المطوع حديثه الينا بدعوة المسؤولين وهواة الاقتناء والمهتمين بالمقتنيات إلى زيارة مجلسه والتعرف على حصيلته من المقتنيات.
copy short url   نسخ
30/03/2017
1917