+ A
A -
إذا كان استخدام الراوي الداخلي لضمير المتكلم يُبرز ذات الراوي ليكون محور السرد؛ فإن ذلك يجعل أسلوب تقديم القصّة قائماً على استخدام الأفعال المسندة إلى فاعلها، إضافة إلى التعريف بالشخصيات والمواقع وغير ذلك مما يمكن ملاحظته من خلال التعرف على سمات هذا الراوي من الأمثلة. وقد يتحول السارد نحو الحكاية بتصورها التفصيلي، وهذا لم يكن شائعاً في شعر السبعينيات؛ فميراث الشعر لم يعتمد على الحس الحكائي المباشر، وقد انتشر هذا الاتجاه عند جيل الرواد الشعري مثل صلاح عبدالصبور، وانتقل إلى جيل الستينيات وبدا واضحاً، واستفاد من الفنون الأخرى والفنون التشكيلية. يقول حسن طلب: ورأيتهم يتسامرون خلف الأزقّة فوق أرصفة الشوارع يمزحون كانوا سكارى دونما خمرٍ سُكارى يرقصون كانوا سكارى آه يا قلبي سكارى يضحكون كانوا حيارى آه يا عيني حيارى.. فوق أكوام القمامة يهرفونْ كانوا سكارى يضحكون.. نِكاتُهمْ مازلتُ أسمعُها صدى إن إسناد هذا التفصيل الحكائي إلى ذات السارد واضحٌ «رأيتهم، قلبي، مازلتُ، أسمعُها» في مقابل الاعتماد على ضمير الغائب «يمزحون، كانوا، يهرفون، يضحكون» لكن ذات السارد تبقى هي المحور للأحداث؛ ليعمل القطبان على فتح النص السردي، فموقف السارد يحول الشاعر من مجرد فاعل كلامي للمشهد إلى عامل من عوامل التوجيه النصي، وهذه العوامل هي نفسها الفواعل التي تتجزأ أفعالها وفق معايير محددة أو قيم خاصة، هذه المعايير وهذه القيم هي التي تندرج ضمن المقاصد المرغوب فيها. فالحركة الحكائية تبدأ من الذات الفاعلة، وتمر بها وتنتهي من خلال عدد من الوحدات السردية، التي أنتجتها الذات، وباشرتها بطريقة تصويرية؛ مما يفتح الطريق أمام القصيدة، ويجعل هذا الشعر يتخلص من الغنائية المسطحة، فهمُّ الشاعر الوصول إلى داخل البنية التعبيرية الجديدة. والشخصيات في القصيدة، لا تتدخل في توجيه النص، فالشخصية في الحكي هي تركيب جديد يقوم به القارئ، أكثر مما هي تركيب يقوم به النص وهذا التوجه يوجده السارد؛ لأن الأفعال التي ينجزها السارد تحدد عدداً من المنظورات، والشخصية داخل النص مظهر من مظاهر الحوار السردي الذي ينجزه الشاعر بأدواته. فبالرغم من التصور التفصيلي للحكاية، والتي تعتمد على صوت رئيسي (متن)؛ فإن هذا لا ينجز الحكاية إلا بالصوت الآخر(هامش) ويصبح هذا التفصيل في الشعر نوعاً من الإحاطة بالذات من ناحية، والإحاطة بحركتها وانسيابها من ناحية أخرى. يقول رفعت سلام: أنا الغريب أمضي هائماً تركت كلي خلفي ولم أحمل بجعبتي غير الإشارة فافسحوا لي سكة أو مسلكاً أمضي كسهم في هواء لم يجد فيه امتساكا بعدما ضاعت مملكتي مني وتأكلها البوم والغربان والغيلان والخلُّ الوفيُّ دون أبكي عليها أو تراودني الندامة دفعة واحدة خسارة أخيرة دون يأس من خسارات جديدة فافسحوا لي كي أثرثر من تعاويذي قليلا علني أنسى فأكشف سوأتي عند الظهيرة في الميادين والناس نيام والهامش (فالأرض ضيقة أنا البراح فادخلوني كلكم حشودا غاربة فالأرض ضيقة أنا براح النواح واقتلوني كلكم بطلقة كاذبة فالأرض ضيقة أنا براح النواح المباح واتركوني كلكم كجثة خائبة فالأرض ضيقة، وقلبي صخرة متعبة) فالسارد يجعل النص مشهداً حكائياً مفتوحاً، مع حرصه على تفاصيل تتصل بطبيعة السرد الخاص، فالتصور في هذا النص يختلف باختلاف طبيعة السرد، فبرغم إضافته إلى ذاته فإنه يحاول أن يقيم بنية كبرى تشمل رؤية العالم من ذاته، فالشاعر يحشد خطابه السردي ضمن خطاب أكبر تتواصل فيه العلاقات؛ ولذا نرى أن علاقات التبادل بين السرد وغيره في النص تتجاذبان التأثير كلٌّ في الآخر، ولا يمكن أن يتحققا إلا ضمن هذه العلاقة التبادلية. الراوي المشارك يعتمد ضمير المتكلم، وطريقة هذا الراوي المشارك في رسم الشخصيات والأحداث من الداخل بـ(الطريقة التمثيلية)؛ لأن الكاتب ينحي بنفسه جانباً ليتيح للشخصية التعبير عن نفسها. أما الراوي من الخلف فهو يرسم الشخصيات والأحداث من الخارج؛ لذلك يستخدم (الطريقة التحليلية) وهذا الراوي شخصية حكائية موجودة داخل الحكي، وهو راوٍ ممثّل داخل الحكي، ولكن هذا التمثيل له مستويات، فإما أن يكون الراوي مجرد شاهد متتبع لمسار الحكي، ينتقل أيضا عبر الأمكنة، ولكنه لا يشارك مع ذلك في الأحداث، وإما أن يكون شخصية رئيسية في القصة، ومن الممكن أن نصف الراوي بضمير المتكلم براوي السير الذاتية.
copy short url   نسخ
30/03/2017
1704