+ A
A -
أكد عدد من أساتذة الشريعة وعلماء الدين، أن الاستثمار في أموال الوقف يساعد في الحفاظ عليها، حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف، لافتين إلى أن استثمارها يساهم في تحقيق أهداف الوقف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتنموية، مشيرين إلى أن توقف ضخ موارد جديدة للوقف، أضعف من دوره في المجتمع المعاصر، على الرغم من المتغيرات والتحديات القائمة، التي تظهر مدى الحاجة إليه اليوم.
وقال العلماء لـ الوطن: إن الوقف من أهم الأمور التي تميزت بها الشريعة الإسلامية، وقد جاءت فيه الأحكام الفقهية واضحة، باعتباره عملا يستمر أجره لصاحبه ويستمر نفعه للموقوف عليهم إلى ما شاء الله، مشددين على ضرورة إعادة إحياء نظام الوقف الإسلامي في المجتمع، ليعود إلى سابق عصره، حيث كان قديماً إحدى الركائز الأساسية للنهضة الإسلامية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية.
إمكانية الاستثمار
بداية يقول فضيلة الشيخ الدكتور ثقيل بن ساير الشمري، نائب رئيس محكمة التمييز: إن الوقف من أهم الأمور التي تميزت بها الشريعة الإسلامية، وقد جاءت فيه الأحكام الفقهية واضحة، باعتباره عملا يستمر أجره لصاحبه، ويستمر نفعه للموقوف عليهم إلى ما شاء الله، لافتاً إلى أن هناك إمكانية لجعل الوقف استثمارياً، وتطويره على أن يكون عائده على ما وقفه عليه الواقف، سواء كانت جهات بر خاصة أو عامة في التعليم أو طباعة الكتب أو إنشاء المستشفيات والمصانع، مع وجوب أن تتوافق مع شروط الواقف والقواعد الأساسية في الوقف، وأشار فضيلته إلى أن الوقف في الإسلام يشكل صورة ناصعة للتكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع، وتبين هذه الظاهرة مدى روح المحبة للغير التي سادت بين أبناء المجتمع المسلم، فالإسلام خطط دنيوياً واجتماعياً على أن المجتمع المسلم ككل، مجتمع لا يخلو من ظروف طارئة تداهم المسلمين أو فئة منهم مما يستدعي تدخل أدوات المساعدة، وضمن هذه الأدوات الوقف الذي هو في المحصلة من الحلول الحاسمة لرأب الصدع وإعادة التوازن المعيشي والاجتماعي قدر الإمكان للمجتمع، ومضى فضيلته في حديثه قائلاً: إن الوقف الإسلامي يعد إحدى الركائز الأساسية للنهضة الإسلامية الشاملة، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية، فعلى مدى عقود طويلة مرت في تاريخ الأمة الإسلامية، لعب الوقف أدواراً بالغة الأهمية، في تدعيم مختلف نواحي الحياة في الدولة المسلمة، حتى غدت مؤسسة الوقف الإسلامي، التي نشأت وتطورت في ظل الحضارة الإسلامية، من أكبر المؤسسات التمويلية التي عرفها التاريخ.
نقطة الانطلاق
ومن جانبه يقول الدكتور علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الوقف بدأ كمؤسسة مستمرة، منذ أول يوم لقيام الدولة الإسلامية في المدينة، حيث كانت أرض المسجد النبوي وقفا، واتسعت دائرة الأوقاف وشارك فيها (124) ألف صحابي قادر على الوقف، وفي عهد الدولة الأموية والعباسية والعثمانية كانت العناية القصوى بالجانب الأمني والدفاع والجهاد، مشيراً إلى أن تطوير المجتمع تعليمياً وصحياً وروحياً وبدنياً ترك للعلماء والقضاة وأهل الخير، وأصبح هناك (70) نوعاً داخل مؤسسات المجتمع المدني، لافتاً إلى أن الاستعمار الفرنسي سعى إلى التركيز على إفراغ الوقف من مضمونه حينما دخل إلى الجزائر والبوسنة، وقام بتشويه صورة الوقف وضمان عدم قيامه بأي دور فعال بالمجتمع، بينما أخذت الحضارة الغربية من الفقه الإسلامي «نظام المؤسسية» وأقامت عليها مؤسسات المجتمع المدني، وأنشئت كل المؤسسات التعليمية الكبرى القائمة في الغرب على نظام الوقف، مبيناً الدور التاريخي للوقف في صناعة الحضارة الإسلامية والنهضة الشاملة للأمة، حيث كان يشمل الوقف مختلف جوانب الحياة؛ من الجامعات والمستشفيات إلى الأوقاف الخاصة بالحيوانات، ضارباً المثل لذلك بـ«خيول الجهاد» التي لم تعد صالحة للاستعمال، فحينئذٍ تُحال إلى المعاش وتصرف لها أعلافها وما تحتاج إليه من هذه الأوقاف، وكذلك الأوقاف على الأواني التي تنكسر بأيدي الخادمات حتى لا يعاقبن فيجدن بدائل عنها في مؤسسات الوقف، قائلاً: إعادة دور الوقف تعني إعادة دور كبير للجانب الطوعي المؤسس لخدمة الحضارة والتقدم، ولخدمة تنمية المجتمع وتطويره، معتبراً أن استثمار أموال الوقف يؤدي للحفاظ عليها، حتى لا تأكلها النفقات والمصاريف، ويساهم في تحقيق أهداف الوقف الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، والتنموية.
اهتمام الدولة
وبدوره كشف الدكتور يوسف الصديقي، عميد كلية الشريعة بجامعة قطر، أنهم في طريقهم إلى توقيع اتفاقية، مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بهدف التركيز على الجانب الوقفي في المناهج الدراسية، مشيراً إلى اهتمام الدولة بمسألة الوقف وتطويره، من خلال الاستثمار فيه، وعقد اللقاءات الفكرية والمؤتمرات حوله، وهذه ستكون بموجب اتفاقية الشراكة بين الجامعة والأوقاف، وبند من بنود هذه الاتفاقية ينص على عقد مؤتمر سنوي في الوقف، معبراً عن شكره وتقديره للجهود التي تبذلها وزارة الأوقاف لتفعيل الوقف، من خلال مؤسسة أكاديمية شرعية مثل كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، لافتاً إلى أن الكلية بالفعل أدخلت جزءا من موضوع الوقف ضمن مقرر مادة الثقافة الإسلامية، وهذا المقرر يطرح على مستوى الجامعة، بمعنى أنه يعد من المتطلبات الأساسية في الجامعة، وتم إدخال ما يتعلق بتعريف الوقف وبيانه وأهميته واستثماره في مقرر الثقافة الإسلامية، والوقف الآن ينظر إليه عالمياً حتى في الديانات الأخرى، الديانة المسيحية على سبيل المثال يستثمرون في الوقف، استثمارات لا أول ولا آخر لها، خاصة الأثرياء في أوروبا الذين يستثمرون الوقف في التعليم، بمعنى أنهم ينشئون جامعات وقفية وكراسي علمية وقفية وهكذا، لذلك الدولة ووزارة الأوقاف مهتمة بالوقف والاستثمار فيه، وبموجب الاتفاقية التي سيتم توقيعها في الأيام القليلة القادمة بين الوزارة والجامعة، سنقوم بإنشاء كرسي الوقف، بحيث يتم تعيين أستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، ويتم تمويل هذا الكرسي من قبل وزارة الأوقاف، والاتفاق الآن في مرحلة اللمسات الأخيرة، والكلية تسعى إلى مواجهة ما يسمى بقضايا المجتمع، وينبغي في هذا في مجتمعاتنا بالدول العربية، أن تكون الجامعات بيوت خبرة وخدمة للمجتمع وللدولة.
إحياء الوقف
وفي السياق ذاته دعا الكاتب الاقتصادي عبدالله الخاطر، إلى إحياء الوقف وأسماه «القطاع الثالث» الذي يقوم بتوفير احتياجات المواطنين، قائلاً: الخبراء الدوليون المعنيون بإدارة الثروات الإسلامية، يرون أن «الاستثمار في مجال الأوقاف لم يجد حظه كغيره من مجالات الاستثمار الأخرى»، وهو ما جعل أولئك الخبراء يدعون إلى ضرورة تقييم الأوقاف كحقل استثمار، من خلال الوقوف على واقع الأوقاف وتشخيصها بشكل دقيق، موضحا أن غياب الدراسات والأبحاث المتخصصة في هذا الشأن «أضاع الفرصة الحقيقية أمام تنمية الأوقاف وتطوير عملية الاستثمار فيها»، داعياً إلى البدء بشكل جاد في عملية «تطوير مفهوم الأوقاف والانطلاق به بالشكل الذي يتناسب مع التجربة الإسلامية الأولى، وأن يجعل منها حقلاً جاذباً للاستثمار»، مشيداً بالجهود التي تبذلها الدولة في تطوير الوقف، لافتاً إلى أن معظم الدول الخليجية تسعى من خلال تفعيل الوقف وإشاعته، إلى مواجهة التطرف من جهة، واستثمار الحجم الهائل للأوقاف، في رفع اقتصاد البلدان ومضاعفة إمكاناته من جهة أخرى، لافتاً إلى أن نظام الوقف من الصيغ الإسلامية للصدقات الجارية، التي تعمل في مجال التنمية بأبعادها الاقتصادية والبشرية والثقافية والاجتماعية، وإحدى الأدوات التي يواجه بها الإسلام الفقر، بنوعيه فقر الدخل وفقر القدرة، من خلال ما توفره من دخل لمن لا يمكنهم الحصول على دخل بأنفسهم لعجزهم، ومما توفره من خدمات عامة مجاناً، مثل الصحة والتعليم لمن تعجز مواردهم عن الحصول عليها، وبالتالي تمكنهم من القدرة على المشاركة في التنمية، وإذا كان الوقف أدى دوراً مهماً في بناء الحضارة الإسلامية قديماً، فإن توقف ضخ موارد جديدة للوقف أضعف من دوره في المجتمع المعاصر رغم أن المتغيرات والتحديات القائمة تظهر مدى الحاجة إليه في وقتنا الراهن.
copy short url   نسخ
23/03/2017
3283