+ A
A -
عمان- الوطن- خالد سامح
في كتابه الجديد «خاصرة الصورة سؤال الأصالة في الفن العربي المعاصر» والذي قدم له الناقد الفلسطيني الدكتور فيصل دراج ينتقد الفنان والناقد التشكيلي العراقي المقيم في عمّان صدام الجميلي تعاطي النخب الإبداعية العربية مع مفهوم «الأصالة والتراث»، كما يرفض الهويات الضيقة مؤكداً أن الفن إنساني بطبعه ينطلق دائما من رؤية ذاتية لدى الفنان.
الجميلي الذي حصل على ماجستير الفنون الجميلة في بغداد وأقام العديد من المعارض فيها وفي عمان وبيروت، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في بلده عام 2001، افتتح بعيد إصدار كتابه معرضا تشكيليا في دار الأندى بالعاصمة الأردنية، يخطط لإصدار عدد من الكتب في النقد التشكيلي ضمن سلسلة من مؤلفات أصدرها وتناولت المشهد التشكيلي عراقياً وعربياً وعالمياً.. فعن كتابه ومعرضه الجديدين وغيرهما من القضايا كان لـ الوطن ذلك الحوار معه.
في كتابك تصف النقد التشكيلي العربي بالانطباعي، ما أسس النقد الحقيقي التي نحتاجها؟
- ثمة أسس في النقد الفني تشكل أهم مقوماته، ولن أتطرق هنا للقيم الاخلاقية والتقييمية في النقد فهذا امر لسنا بصدده هنا. ولكن للتركيز على القيم العلمية والمعرفية للنقد علينا ان نحيل النقد الفني إلى مدارس النقد المعروفة. والتي اسستها مفاهيم ثقافية وفلسفية، ومناهج معرفية. ويقع الكثير من النقد العربي والأشمل منه في محاولات الكتابة الجمالية والتداعيات فيما يتركه العمل الفني في ذهن الناقد متخذا العمل كأي عنصر طبيعي ملهم للشعر أو النص الأدبي مما يفقد العمل الفني خصائصه الاولى. ويشمل الكثير مما انتج في النقد التشكيلي ميوله الصحفية لنشر بعض التصورات عن التجارب الفنية منفردة، ولم نحصل بسبب ذلك على دراسات شاملة وموسعة للأنساق والمحركات الكبرى في النقد العربي المعاصر.إذ لا يزال ما ينتج من كتب في الغالب هو تجميعات بيبلوغرافية مزودة ببعض الشعر والانطباعات العامة التي تصف الماء بعد الجهد بالماء.
لا توجد في مكتباتنا دراسات تتحدث عن المفاهيم التشكيلية والبصرية وفلسفتها ومفاهيم التلقي. نحن نخوض في مكان بعيد لا علاقة له بالنقد وقيمه العامة. ودوره ولكي أكون منصفا ثمة أسماء قدمت شيئا مهما إلا ان النقد يحتاج تصورات عدة ومختلفة لتأكيد مناخه ودوره، وفي الغالب هذه الاسماء لم تكن من دارسي الفنون في تلك النصوص فالدراسات النقدية لها أصولها وجهدها الخاص وشروطها. وهو ما لم يتوصل اليه حتى الاكاديميين للأسف.
تحدثت في مقاربتك لقضية الأصالة في الفن عن (الأصالة الفردية)، ما مفهومك لتلك الأصالة، وهل تعني الانسلاخ التام عن الموروث؟
- لا تأتي الأصالة عبر فكرة أو رغبة، فهي تحصيل حاصل لجهد أصيل ومخلص، ولكي نتحدث عن مفهوم الأصالة يجب أن نفرق بين مفهوم الأصالة المعاصرة ومفهومها الأنثربيولوجي، فهي فكرة ناجزة قديما بفعل المجتمعات المغلقة والتي تصادر الفردية من اجل الجماعة. وبذلك أنجزت أساليب ناتجة بفعل محركات ثقافية عملاقة، أما اليوم فالأمر مختلف ولا يمكن أن تلبس صورة الأصالة بمعناها القديم. وهي الآن منجز فردي بامتياز تشكل فيه الجماعة هويتها من خلال الاختلاف الضمني.
ما دمنا نتحدث عن الأصالة واستلهام التراث الحضاري في التشكيل الحديث، ما رأيك بإصرار الكثير من التشكيليين العراقيين على إبراز رموز الحضارات العراقية القديمة في أعمالهم، والانطلاق منها دوما؟
- أولا ليس العراقيون فقط، فالكثير من الفنانين العرب يقومون بذلك. وهذا ناتج بفعل دوافع ومحفزات تتعلق بالإيمان بفكرة الهوية التي اصبحت عقدة، والتي جاءت من خارج الفن أساسا. وثانيا بفعل السوق والرغبة في توفير منجز سياحي فاختلط على البعض التفريق بين التذكارات والفنون العميقة التي تبحث عن الحرية المطلقة. فالهوية نفسها ومفهومها ضد الأصالة بل هي تحاربها بقوة وتفتك بها.
حدثنا عن مفهوم (الإينكوغراف) الذي طرحته في معرضك الجديد؟
- الانكوغراف كلمة مراوغة المحاولة منها في معرضي عدم فك وتعرية المعرض بعناوين فاضحة تجعل المعنى بليدا في العمل الفني. وهو مستوحى من تقنيات وليس من دلالات، فليس هناك قيمة للتفسير العام. مع ان المشاهد بحاجة إلى عتبات الا اننا احيانا نمارس قهرا للتجربة البصرية بسبب الصوت القادم من الفكرة. وهو تجربة لا اميل فيها للتفسير العام، بقدر ما احاول ان اضع بعض العتبات التي تساعد المشاهد على ان يرتقي في التصورات. فلو فسرنا كل شيء في عملنا، الفنية والغاية من فكرتهـا لأصبح لا معنى لوجوده وخبرته العميقة بصريا. لاننا نضع حاجزا أو جسرا بين العمل والمشاهد على عكس ما نتصور، اذاً لن يجتهد المتلقي في قراءة العمل بصريا والإحساس بخواصه مادام المهني جاهزا لديه، نحن بذلك نقدم طبخات جاهزة. وهذا لن يجعل من المتلقي طباخا ماهرا.
أخيرا، ما تقييمك للحراك التشكيلي العراقي حاليا، وإلى أين تسير الحركة التشكيلية العراقية؟
- المطلع على المشهد البصري العراقي يجد تنوعا غزيرا في الاساليب فضلا عن الاعداد الكبيرة لمنجزي الفن. وأنا أعتبر تلك الاعداد ضرورة، فهي تشكل المادة الخام لخروج تجارب مهمة ونوعية، وبالتالي توفرت على تجارب مختلفة ومتنوعة وغزيرة، فضلا عن حراكها الدؤوب في أماكن عدة من العالم. غير ان ما ينقصها والذي قد تتوفر عليه دول أخرى هو المؤسسات التي تؤسس وتنظم وتعيد إنتاج الهوامش البصرية للتجربة الاساس. فليس لدينا صالات عرض معاصرة وكبيرة تقدم الفن العراقي بصورته الفضلى للعالم. بل لايوجد لأي قاعة عراقية يمكنها ان تضيء التجربة وتقدمها للعالم في محافل مثل الارتفيرز، والبيناليات. كما اننا لانتوفر على أي مؤسسة تنضم وتدير الفن العراقي داخل الفعاليات العالمية. كما ليس لدينا مقتنون كبار أو مؤسسات ثقافية كبرى تعنى باقتناء الاعمال الفنية.
copy short url   نسخ
23/03/2017
4060