+ A
A -
أخي العزيز.. حينَ تقتربُ حلقتُك تفرغْ لنَصِّكَ.... حتى تحفظه جيدا، وتتمثَّله، وتتصورَ أفْضلَ الطرُق لأدائه، صوْتيا بالتنْغيم، وحركيا بالتهويم..
وحين تخْطو إلى ركح «شاطئ الراحة»، اترك القلقَ والتوترَ خلف ظهرك في الكواليس، وامشِ واثقَ الخطوة، مستهديا بالله، رافعَ الهامة في تواضع لله. باشَّ الوجْه للجمهور العالمي الذي يستقبل طلتك.
انسَ لجنة التحكيم أمامك، فكِّرْ فقط بشاعريتك، ووطن يتماهَى بك، في تلك اللحظة، ضابطا نبْضَ كل قلوبه وفقَ نبْضِ قلبك، مُتَلَبِّسًا جِهَازَه العَصَبِيَّ بجِهَازِكَ العَصَبِيَّ، إحْساسًا، وأنفاسا، وتفكيرا، وتعبيرا.
تذكَّرْ أنَّ لجْنَةَ التحْكيم، وأصْواتَ الجمْهور لا يمْنَحانِ شاعريةً لفاقِدِها، ولا يمْنعانِها لواجِدِها، وأنتَ بحمد الله ما وصلتَ هنا إلا بموْهِبَة شعرية فذة، قبل أمير الشعراء، وستبقى بعده بإذن الله، فأمَلِي فيكَ أنْ لا تحْتَرِقَ فِي أتُونِ أضْوَاءِ النُّجُومِيةِ التِّي تكتنِفُك الآن، بحيث تتخذُ هذا البرنامجَ مُجرَّدَ عتبةٍ للانطلاق، ومِنَصَّةٍ للإقلاع بعيدا بتجربَتِك الشعْرية، والإنسانية، بَدَلا من أنْ تعتبِرَه عقبَةً، يموتُ عنْدَها المُحْبَطُونَ، ويتلاشَى فيها المَغْرُورُون بصناعةِ الزَّيْفِ، ويَحْتَرِقَ بها مَنْ نَالَ منَ الأضْوَاءِ الإعْلامِية، فوْق طاقته. معك الله... ثم معك الشعرُ، وجمهور يحبك، ويحب الشعر..... دام التوفيق حليفك أبدا!! وهنا تذكرْ أن التصويتَ له أوجه عديدة، فقد يكون سلعة يشتريها التاجر، وهذا لا ينبغي أن يفخر به الشاعر، وقد يكون تعبيرا عن تعاطفِ الجمهور، بدافعِ الحَمِية الوطنية، أو الجهوية أو القبلية....وهذا أيضا انتصارٌ للشاعر أكثر من شعْره، وأخيرا قد يصبحُ موقفا نقديا معادلا للجنة التحكيم، حين يكونُ للجمهور ذائقة فنية عامة، تدرك الجمالَ الشعري، الذي يتجاهله التحْكيم النقدي، فينتصر له بالتصويت، ليعدِّلَ كفَّة ميزان النقْد المائل، وهذا هو التصويت للشعْر المُسْتَحَق، بعيدا عن دوافعِ الولاءات الأخْرى، وبهذا يحقُّ للشاعرِ أنْ يفْخرَ، إنْ أراد. وفي إطار تجْربتي الخاصة، عندما طُلِبَ من المُتأهلين لنِهائيات موْسم «أمير الشعراء» أنْ تكون قصائدُهم وصفا لرحْلتهم عبْر المُسابقة، فعنونت قصيدتي بـ «إسراء إلى إمارة الشعر»، غير أن الجمهور كانوا يسمونها «أتي» وفي ذلك إدْراكٌ نَقْدِيٌّ لِسِرٍّ فَنِّيٍّ لمْ أشْرَحْهُ منْ قبْلُ، وهو أنِّي بَنَيْتُ قافيةَ القَصيدةِ ورَوِيَّها علَى «آتِي»، وكَرَّرْتُها حَتَّى فِي بِدَايَاتِ الأبْياتِ قبْلَ نِهاياتِها، نِكَايَةً وتَحَدِّيًا للَجْنَةِ التَّحْكِيمِ، لَيْلَةَ التّتْويج، أقُولَ لهمْ عبْرَ هذه اللاَّزِمَةِ: لقدْ أجْهَدْتُمْ أنْفُسَكُمْ في إقْصائِي- ظلمًا وعدْوَانًا- طِيلةَ أشْهُرالبَرْنامِج، خِدْمَةً لِمُحَاصَصَاتٍ، بعيدة عنْ نَزاهَةِ النَّقْدِ، ولكِنَّني كنْتُ «آتِي»، فِي كلِّ مَرَّةٍ، على أجْنِحَةِ ملْيُونِياتِ الأصْوات التي يَمْنَحُنِي إيَّاها الجمهور، تكرُّماً، ومحبة خالصة، دون أنْ اسْتجْدي صَوْتًا من أحَدٍ، حتَّى جَعَلَتْ مِنِّي أصْواتُهم «طائرَ فِينيقٍ»، كُلَّمَا أحْرَقه التحْكيمُ، ينْبَعِثُ من رَمَادِه، صائحًا- في نهاية كُلِّ حلقة-:ها أنا «آتي..آتي.. وهكذا يَتَجَلَّى أنَّ الرَّوِيَّ والقافيةَ والإيقاعَ، والمُعْجَمَ، والترْكيبَ، والتصْوير.. كلها ينْبَغِي أنْ تَقُومَ في النص بوظيفتِها التعْبِيرية، وأنْ لا تكُونَ مُجَرَّدَ تقْلِيدٍ، يُمارَسُ لِذَاتِه، ولا يَعْدُو كوْنَه فُسَيْفِسَاءَ شكْليةً بَاهِتَةً على جَسَدِ القصيدةِ، لا تُمَثِّلُ نَسِيجًا حَيًّا نامِيا من مادَّتِها العضْوية، الحَيوية الفعَّالة:
سبْحانَ مَن بي أسْرَى.. والبُراقُ.. رُؤًى
لِسِدْرَة المُنْتَهَى.. بيْنَ الإماراتِ
مِنْ مَلْجَإ الضادِ.. أرْض الشِّعْـر.. مَعْدنه
شِنْقيط.. كَعْبَة ألوانِ الثقـــافاتِ
آتي.. ومِلْءَ فمِي.. إمارَةُ الشُّعَـرا
تُضيئُ.. للحُلُمِ المَوْعودِ.. أبْيـاتي
آتي.. وخَلْفِي.. تُنـادِي.. كُلُّ مِئْذَنَـةٍ:
الله أكْبَرُ.. لا تَخْشَ الغَدَ الآتـي
آتي.. وخلفي صُفوفُ النخْل.. تَرْقبُنِي
عِزُّ الجِبالِ.. العَـوالِي.. مُلْهِمٌ ذاتــ
آتي.. وبِي رَمَضُ الصَّحْراءِ يُشْعِلُنِي
عَزْمًا.. أمَامَ التحَدِّي.. في الرِّهاناتِ
آتي.. ونَبْضُ دَمِي - بالشِّعْـر- مُتَّـزِنٌ
قَدْ أوْرَثَتْنِيهِ أجْدادي.. وجَـدَّاتي
ملْيُونُ قَلْبٍ غَـرَامُ الشِّعْـر يَسْكنُـهُ
رَغْمَ العَوائِقِ.. هُمْ -لِلْفَوْزِ- مِرْقاتي
أنَا -بِهِمْ- طائِرُ الفِـينِـيـقِ.. تَحْرِقُـنِي
ومِنْ رَمَادِ احْتراقِي.. هَا أنَا آتي
النَّقْـدُ مِرْآةُ وَجْهِي.. كُنْتُ أحْسبُهُ
فَكَيْفَ تَحْجبُنِي فِي النَّقْد مِرْآتي؟
copy short url   نسخ
20/03/2017
3624