+ A
A -
تحليل يكتبه - ســعيـد حبـيب

(1)
إذا أراد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي الأميركي) لجم مستويات التضخم والحفاظ عليه دون مستوى 2% لابد أن يلجأ في نهاية المطاف إلى رفع الفائدة.. الفائدة الصفرية لن تدوم إلى الأبد
كتاب عصر الاضطراب: مغامرات في عالم جديد- آلان غرينسبان- رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (1987 -2006)
(2)
لم يكن مفاجئاً إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (جانيت يلين) رفع أسعار الفائدة مساء الأربعاء الماضي خصوصا مع ارتفاع مستويات التضخم إلى مستويات فوق 2.5% وبلوغها 2.7% في فبرايرالماضي مع توقعات برفع أسعار الفائدة الأميركية مرتين على الأقل خلال العام الجاري ليبدأ العالم في طي صفحة الفائدة الأميركية الصفرية أو شبه الصفرية والتي استمرت نحو 7 سنوات والاستعداد لمرحلة جديدة عنوانها: نهاية زمن الاقتراض الرخيص وبداية اعباء الاقتراض وهو الأمر الذي سينعكس على جميع الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي وعلى مواطنيها أيضاً.
واعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) رفع الفائدة للمرة الثانية في 3 أشهر حيث رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة المستهدف لأجل ليلة واحدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 0.75% و1% فيما أشارت رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (جانيت يلين) في مؤتمر صحفي عقب انتهاء اجتماع لجنة السياسة النقدية الذي استمر يومين: إلى تقدم الاقتصاد الأميركي على مدى الأشهر الأخيرة.
ومحليا، قام مصرف قطر المركزي باقتفاء أثر نظيرة الأميركي نظرا لارتباط الريال القطري بالدولار الأميركي معلنا رفع أسعار الفائدة بربع نقطة، إذ رفع سعر الإقراض (QMRL) من 4.75% إلى 5% وسعر الإيداع (QMRD) من 1.00% إلى 1.25%، وأوضح المركزي ان تحركه إيجابيا في أسعار الفائدة كان وفقا للمعطيات الاقتصادية المحلية والدولية، والتي سجلت تحسنا مقارنة بالمستويات المسجلة في الفترة الماضية. وكان مصرف قطر المركزي قد رفع أسعار الفائدة منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي بمقدار ربع نقطة، حيث بلغت نسبة الايداع لدى «المركزي» 1% ونسبة الاقراض 4.75%، وذلك اقتداء بالفيدرالي الأميركي.
غير أن السؤال المهم بعيدا عن المصطلحات الاقتصادية والتفاصيل الدقيقة: ما تأثير رفع الفائدة على جيوب المواطنين والمقيمين في قطر؟
وفي هذا الإطار تشير البيانات المتاحة إلى حزمة من التأثيرات على جيوب المواطنين والمقيمين تتمثل في: ارتفاع تكلفة الاقراض.. فإذا أردت الحصول على قرض يتوجب عليك أن تدفع فائدة أعلى وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقراض ورغم أن رفع الفائدة بمقدار ربع نقطة «لا يمثل أزمة» بالنسبة للبعض إلا أن القلق يساور الجميع في ظل توالي عمليات رفع الفائدة حيث ارتفعت أسعار الفائدة محليا نصف نقطة (ربع نقطة في ديسمبر الماضي وربع نقطة اضافية الاربعاء الماضي) وهي نسبة ليست محدودة بالاضافة إلى أن المؤشرات المالية المتاحة تشير إلى استمرار رفع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) للفائدة وهو ما يعني تحركات مماثلة لمصرف قطر المركزي مما يثير المخاوف من زيادات اضافية في أعباء الاقتراض وتكلفته، ولا يقتصر الأمر على القروض الشخصية فقط وانما يمتد ليشمل القروض الموجهة إلى القطاع الخاص، والذي يعتمد بشكل رئيسي على التسهيلات التمويلية وقنوات الائتمان لتمويل مشاريعة فزيادة أسعار الفائدة يعني بالضرورة زيادة أعباء الاقتراض مما يؤثر في مستويات السيولة المتاحة واستمرارية المشاريع وسهولة الحصول على القروض الائتمانية.
البيانات المتاحة تلمح إلى رفع إضافي لأسعار الفائدة مرتين على الاقل في 2017 بخلاف رفع الفائدة في مارس واذا افترضنا ارتفاع الفائدة مرتين اضافيتين بواقع ربع نقطة مئوية فإن هذا يعني ببساطة بلوغ سعر الإقراض (QMRL) مستوى 5.5% وسعر الايداع مستوى 1.75% بنهاية العام الجاري الأمر الذي سيزيد أعباء الاقتراض على المواطنين والمقيمين من جهة وعلى المستثمرين ورجال الأعمال من جهة أخرى.
(3)
ثمة أخبار سارة هنا. وهي ان رفع الفائدة ليس سلبيا في جميع جوانبه فمن المتوقع أن يؤدي رفع أسعار الفائدة إلى بقاء مستويات التضخم في قطر ضمن مستويات مقبولة و«تحت السيطرة» مما سيؤدي إلى السيطرة على أسعار السلع والمنتجات واستقرارها حيث ان قيام مصرف قطر المركزي برفع الفائدة سيؤدي لتقليل الفجوة بين التضخم وارتفاع الأسعار وتشير البيانات المتاحة إلى ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك(احدى أدوات قياس التضخم) لشهر فبراير 2017 (وهي أحدث بيانات متاحة) ليسجل مستوى 108.4 نقطة، مرتفعاً 0.1% عن يناير الماضي، وبزيادة قدرها 0.7% عن فبراير 2016 حيث وصل الرقم القياسي لأسعار المستهلك في فبراير2017 وصل إلى 106.6 نقطة، مسجلاً ارتفاعاً نسبته 0.4% مقارنة بـ يناير الماضي، وارتفاعاً بنسبة 1.6% على أساس سنوي، بعد استبعاد مجموعة السكن والماء والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى حيث ارتفعت 5 مجموعات، على رأسها مجموعتا الغذاء والمشروبات والسلع والخدمات الأخرى بـ 1.8%، وتليهما مجموعة النقل بنحو 0.8%، ثم الملابس والأحذية بواقع 0.4%، وأخيراً الأثاث والأجهزة المنزلية بـ 0.1%. وعلى أساس سنوي، ارتفعت 5 مجموعات، على رأسها النقل بنسبة 5.9%، والتعليم بنسبة 3%، والسلع والخدمات بنحو 1.8%، ثم الأثاث والأجهزة المنزلية بنسبة 1.4%، ومجموعة الملابس والأحذية بنحو 0.2%، وفقاً للوكالة.

(4)
اذا كنت تمتلك 10 آلاف ريال وتريد قضاء رحلة سياحية جيدة غير مكلفة.. «أبشر».. فرفع الفائدة على الريال المقوم بالدولار سيؤدي إلى مزيد من القوة للريال القطري أمام العملات الرئيسية الأخرى ومن ضمنها بريطانيا التي من المتوقع تراجع عملتها الجنية الاسترليني مقابل الريال القطري الأمر الذي يسمح للسائح القطري الراغب بقضاء عطلة جيدة في ربوع بريطانيا مستفيدا من اتساع الفارق بين الاسترليني والريال وهو الفارق الذي يصب في مصلحته في النهاية.
وبعيدا عن الجنيه الاسترليني تبدو الليرة التركية ايضا قي وضع صعب بعد رفع الفائدة الأخير حيث تشير البيانات المتاحة إلى ارتفاع الدولار وبالتالي الريال القطري أمام الليرة خلال الفترة المقبلة الأمر الذي يوفر فرصة جيدة للسائح القطري للاستفادة من ارتفاع القوة الشرائية للعملة الوطنية أمام الليرة التركية خصوصا أن تركيا باتت مقصدا ووجهة سياحية مفضلة للمواطنين والمقيمين.

(5)
الاستثمار في البورصة يواجه المزيد من الضغوط مقابل ارتفاع جاذبية الودائع المصرفية.. خصوصا في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تسيطر على الاستثمار العالمي.. ليكون السؤال المهم: من يريد المخاطر؟..لا أحد. وبالتالي فإنه من المرجح تسرب قطاع من المستثمرين في البورصة إلى الودائع المصرفية تجنبا للمخاطر وبحثا عن العائد المضمون حيث ان الاستثمار في الودائع المصرفية آمن تماما بمخاطر «صفرية». حيث سجلت البورصة أمس في أولى جلسات الاسبوع انخفاضا بقيمة «48‚22» نقطة، أي ما نسبته «22‚0» بالمائة، ليصل إلى «10» آلاف و«55‚338» نقطة.
وتم خلال جلسة امس، في جميع القطاعات تداول «8» ملايين و«192» ألفا و«936» سهما بقيمة «268» مليونا و«234» ألفا و«97‚153» ريال نتيجة تنفيذ «2918» صفقة. وبلغت رسملة السوق في نهاية جلسة التداول أمس مستوى «555» مليارا و«315» مليونا و«719» ألفا و«11‚94» ريال.
إذن من يستفيد من التحول باتجاه الودائع؟
البنوك بالطبع غير أن الأمر يحمل وجهين.. فتكدس الودائع على هيئة سيولة خاملة بالبنوك دون استخدامها في قنوات استثمارية يؤثر سلبا في البيئة التشغيلية ويمثل أزمة عنوانها «تخمة السيولة» في الجهاز المصرفي المحلي الذي يتعين عليه التصرف في هذه السيولة بشكل يقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

(6)
ثمة ضغوط سعرية متوقعة على القطاع العقاري المحلي في أعقاب رفع الفائدة الأمر الذي سيؤدي إلى تعميق ركود السوق العقاري المحلي الذي يواجه حاليا تصحيحا مستحقا في أعقاب ارتفاع متواصل للأسعار دام سنوات طويلة عززه مضاربات على الاراضي والعقارات الأمر الذي رفع الأسعار إلى مستويات قياسية تفوق الأساسيات التشغيلية الحقيقية حيث ارتفعت الأسعار دون تأسيس حقيقي.
وتشير البيانات المتاحة إلى انحسار سيولة السوق العقاري محليا بأكثر من 50% مسجلاً تداولات بقيمة 27.6 مليار ريال في 2016 مقابل نحو 56 مليار ريال في العام 2015، وبلغت قيمة تعاملات الأراضي الفضاء خلال العام المنصرم نحو 7.1 مليار ريال فقط وبلغت حركة البيع والشراء في قطاع العقارات والمباني الجاهزة والتي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 20.5 مليار ريال مستحوذة على نسبة 74.2 مليار ريال.
(7)
من المتوقع ارتفاع قيمة الاستثمارات القطرية المسعرة والمقومة بالدولار الأميركي في اعقاب رفع الفائدة حيث تشير البيانات المتاحة لبلوغ قيمة استثمارات قطر في الخارج خلال 2016 مستوى 25.62 مليار دولار وتقوم قطر بإدارة استثماراتها الخارجية من خلال الصندوق السيادي القطري «جهاز قطر للاستثمار» ويبلغ حجم الصفقات والاستحواذات التي أبرمتها قطر ممثلة بجهاز الاستثمار، خلال 2016 مبلغ 91.844 مليار ريال (25.232 مليار دولار).

(8)
كيف سيتعامل مصرف قطر المركزي مع الارتفاعات الاضافية المحتملة للفائدة في 2017؟
من المتوقع ان يرقب «المركزي» تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دون ان يكون حتميا أن يقتفي اثر الفيدرالي الأميركي في كل مرة وانما كل مرة على حدة.. كما تشير التحركات الخليجية الجماعية (عدا سلطنة عمان) لرفع الفائدة إلى إمكانية تنسيق ما هو مشترك بين البنوك المركزية الخليجية أو أن البنوك المركزية الخليجية في موقف مريح لاتخاذ قرار رفع الفائدة.
وفي اعقاب رفع الفائدة الأميركية قامت 5 بنوك خليجية باقتفاء أثره وهي إلى جانب دولة قطر كل من الامارات والكويت والسعودية والبحرين.
فقد أعلن مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي أنه قرر رفع أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 25 نقطة أساس، اعتبارا من الخميس.
وقال البنك إن أسعار الفائدة المطبقة على شهادات الإيداع التي يصدرها سترتفع كما سيزيد سعر إعادة الشراء (الريبو) الذي ينطبق على اقتراض سيولة قصيرة الأجل من المصرف المركزي بضمان شهادات الإيداع إلى 1.25%.
وفي السعودية أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) أنها رفعت معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس (الريبو العكسي)، الذي تودع البنوك التجارية بموجبه الأموال في البنك المركزي، بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1.00%.
لكن البنك أبقى سعر فائدة إعادة الشراء (الريبو)، الذي يستخدمه في إقراض الأموال للبنوك دون تغيير عند 2.00%.
وفي الكويت أعلن البنك المركزي أنه قرر رفع سعر الخصم بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 2.75%.
وقال محافظ بنك الكويت المركزي محمد الهاشل، في بيان، «رفع سعر الخصم يتيح لبنك الكويت المركزي، باستخدام أدوات السياسة النقدية وأدوات إدارة مستويات السيولة المحلية، المحافظة على تنافسية وجاذبية الودائع بالدينار الكويتي والحصول على عوائد أعلى مقارنة بالإيداع بالعملات الرئيسية الأخرى، لا سيما بعد إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي) الأميركي رفع أسعار الفائدة.
كما أعلن مصرف البحرين المركزي أنه رفع سعر الفائدة الأساسي على ودائع الأسبوع الواحد بواقع 25 نقطة أساس إلى 1.25%.
ورفع البنك أيضا 3 أسعار فائدة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس، حيث زاد سعر الفائدة على ودائع الليلة الواحدة إلى 1.00%، والفائدة على ودائع الشهر الواحد إلى 1.75%، وفائدة الإقراض إلى 3.00%.
copy short url   نسخ
20/03/2017
2280