+ A
A -
زعانف الأدب هم رهط من المتحذلقين، لم تتضرس أسنانهم من مرارة الكتابة، ولا كلَّفوا أنفسهم عناء القراءة. ولكن فيهم آفة حب الظهور في الفعاليات الثقافية، وارتداء الملابس التي توحي بأن «حرفة الأدب» قد أدركتهم! وليس المقصود رثاثة اللباس، فهم على العكس، يرتدون البدلات التي تروق في عيون الآنسات، ويعتمرون القبعات التي تساعدهم على التنكر في هيئة الأدباء وهم من الإمعات.
ومن علامات «الزعنفة» أنه يلتصق بأهل الفن والأدب، ويكيل المديح لمن هب ودب. وقد نعذره في بداية أمره على تحلّيه بهذه الروح الرياضية العالية التي يتستر بها على سطحيته. ونتفهّم غياب ملكة الذوق عنده، لأنه لم يبذل جهداً للارتقاء بذوقه الفني، ولا أرهف حسه ليقدر على فرز «الجميل» عن ما دونه. ونغض الطرف عنه إن فاته الفرق بين القصة والقصيدة، ونتسامح إن كبت به البصيرة عن التمييز بين الرواية والعصيدة. وقد نتساهل معه إذا جهل «المجاز» و«الاستعارة»، ونبسم له على مضض إذا خلط بين «أولاد حارتنا» و«باب الحارة».
إلى هنا يبدو الأمر مقبولاً، وتعلقهم بهذا الوسط معقولاً، بل وقد نُغر ونُعجب بهذا الصنف من «المتحذلقين» الذين يظهرون مقداراً فائضاً من المجاملة والدماثة، وذلاقة اللسان والحماسة، فما من ضرر إذا وزعوا الألقاب، وتغزلوا بشاعرة سافرة أو قاصة ذات نقاب.
إنهم في هذه المرحلة «الناعمة» لطفاء ظرفاء، محبون للأدب والأدباء، ويرجون لهم الخير، ويلومون الدولة التي لم تُفضِّلهم على غيرهم، ولم ترفع من درجتهم. وهؤلاء يظنون أن الأدب مرض معدٍ تنتقل عدواه بإلقاء النكات والمصافحات، ويتوهمون أن طول معاشرتهم لأرباب القلم سيجعل منهم أدباء ولكن هيهات.
فإذا وضع «الزعنفة» رجلاً على رجل، وأفتى بأن الأدب المتداول في البلد لا يساوي حزمة فجل، فاعلم أنه يتأهب لإصدار روائعه، ويمهد الطريق أمام نجوميته. وتوقع منه انقلاباً تاماً في أحواله، وأن يُغيّر من استراتيجيته، فتراه يُسفه من كتبوا قبله، وينزع عنهم كل الصفات الحسنة التي سبق له أن أسبغها عليهم. إنه يشعل صراع المنافسة على القمة، وكتابه لم يخرج بعد من المطبعة. فإن صدرت رائعته الأدبية، ازداد خيلاءً وعنجهية، ورفع شعار «إن فوهة البندقية لا تتسع إلا لرصاصة واحدة»!
إن «المتحذلق» في هذه المرحلة يصير «خشناً»، ويسعى بطريقة سمجة لإثبات أستاذيته، وربما شطح به الغرور وأعلن استعداده لتعليم مبادئ الكتابة، ليس المبتدئين فقط، ولكن حتى لمعاصريه وللكتاب من الأجيال السابقة! إنه لا يمزح، فهو جاد تماماً، ويعتقد أنه بالفعل قد امتلك أسرار الكتابة.
وينبغي أن نستدرك هنا، ونستثني الشبان الموهوبين، الذين تورق شجرة الأدب في أرواحهم على مهلٍ، فإذا الواحد منهم قد صار بعد سنوات قد تقصر أو تطول، زميلاً لك، وأخاً تأنس إليه ويأنس إليك. وإن عنّ له أن يُصدر كتابه الأول، فلن تفسد المودة بينكما، بل تتوثق أكثر. ولن يبغضك إذا نلت اهتماماً أو حزت تقديراً، بل يفرح كما يفرح لنفسه، فهو الخل الوفي الذي لا يدخل الحسد إلى قلبه، والصاحب الذكي الذي يدرك أن «الأدب» ليس ضيقاً كسم الإبرة، ولكنه شاسع كالكون الذي يتسع لمليارات النجوم.
copy short url   نسخ
28/02/2017
1794