+ A
A -
سمر الأشقر

لا نحتاج كي ننطق دررا أن نكون شعراء أو فلاسفة أو فنانين، تأتينا الحكمة ممن عركوا الحياة بصورة عفوية ومدهشة، فحين سألني الصديق التركي بلغة عربية فصحى سليمة هل أفضل السكن في منطقة مطلة على البحر، قلت: لو سئلت هذا السؤال منذ عشر سنوات أو عشرين عاما لأجبت: بالتأكيد، نعم، لكنني في هذه اللحظة أفضل إطلالة خضراء، لا فرق إن كانت غابة خضراء أو مساحة من العشب الأخضر في حديقة صغيرة، ابتسم وقال: نعم يحدث لنا ذلك كلما ازددنا اقتراباً من الأرض، ومضى.
تركتني جملته في حالة من الذهول أتساءل: هل اقتربت من الأرض لهذا الحد؟ وكي أقطع الشك باليقين بأني لم، استأجرت بيتا محاطاً بأشجار الزيتون والصنوبر ومطلا على البحر المحاط بدوره بجبال خضراء بكر ممتدة من جنوب تركيا إلى اليونان.
هنا يمكنني أن أطير مع العصافير
وأدور كمراوح الهواء التي أراها أمامي فوق الجبل
وأسبح كسمكة ملونة في بحر إيجة أبادل الماء والسماء القبل
أذهب إلى النوم بلا خوف ولا أحزان،
مذ تحقق الحلم، بات العيش محتمل
هنا كل شيء طبيعي وفطري، وأيامي لم تعد تعرف الملل
أبادل الصباح بالحب
وأعطر المساء بتراتيل الصلاة والأمل
بيت صغير في بودروم لا يعرف طريقه أحد إلا من اختاره قلبي وخبّره عن أسراره، كما تقول فيروز واصفة بيتها الصغير في كندا بكلمات مختصرة كتبتها ريم فيروز معبرة عن تآلفها مع وحدتها وتآلفها مع المناخ وإن قسى والطبيعة وإن توحشت.
هذا بالتحديد ما أحسه الآن، وأنا جالسة في الشرفة وأمامي و«من حولي كل المدى، وبابي ما إله مفتاح، بالي مرتاح».
الله عليك يا فيروز، كم أنت رائعة، نعم هذه السيدة رائعة، لأنها حين تغني لا تغني للغناء فقط، ولا تطيل بوصلاتها على المتلقي، فيروز تقدم رسائل روحية شفافة مختصرة عن الحياة، عن أشياء صغيرة تضيف معنىَ حقيقياً لحياة قصيرة قدرت لنا، وترسم لنا نهجا مرصوفا بالكلمات والمعاني لا بالأحجيات، تاركة لنا حرية الاختيار في اتباع النهج من غير ألم ومشقة، وهذا ما حدث لي ومعي، وما قد يحدث لكم ومعكم، تشبثوا بالحلم مهما كان قصيراً ومبهماً، فالحياة أيضاً قصيرة ومبهمة، وسارعوا إلى بودروم أو كندا أو أي بقعة في هذا الكون تجدون فيها راحة البال لتعيشوا أغنية فيروز حرفا حرفا ونفساً نفساً وحرقة حرقة.
بيتي صغير بكندا
بيتي صغير بكندا ما بيعرف طريقه حدا
قرميده مغطى بالتلج وكل المرج
شجر وعصافير كتير بتغط بترتاح وبتطير
ع قرميد بيتي الصغير بكندا
كل ما بتثلج بنطر يدوب الثلج
كل ما تغيم بنطر يرجع ربيع
بيتي الصغير بكندا من حوله كل المدى
بابه ما إله مفتاح بالي مرتاح
بيتي صغير بكندا وحده صوتي والصدى
لا فيه أصحاب ولا جيران القمر سهران
بفكّر فيك وباشتقلك بحزن وباستفقدلك
على باب بيتي الصغير بكندا
بشعل النار بنطر ترجع حبيبي
تبقى حدّي وما تتركني غريبي
بيتي الصغير بكندا ما بدّي يزوره حدا
إلا ال قلبي اختاره وقلّه أسراره
لشو أفتش بها الكون
وبشوف السعادة هون
بقلب بيتي الصغير بكندا.
[email protected]
من المحرر
ننشر زاوية «وهذا شيء يقلقني» اليوم، مع الاعتذار للكاتبة وقرائها،
لعدم نشرها في موعدها «الأربعاء» لأسباب تتعلق بإرسالها على بريد
فاتنا الانتباه إليه.
copy short url   نسخ
23/02/2017
1973