+ A
A -
تحقيق- أماني سامي


قد تفلح بقايا الحب وذكريات الحياة الزوجية الجميلة في إعادة الزوجين إلى بعضهما مجددا حتى لو امتدت فترة الطلاق لمدة طويلة؛ فالمشاهدات اليومية والمواقف الاجتماعية تؤكد على أن رجوع الزوجة أو الزوج هو أمر طبيعي ولا يثير التساؤل فالفترة الزوجية مهما كانت قصيرة، إلا أنها تترك في نفس الزوجين قدرا هائلا من الحب الذي يعجز الزمن عن محوه.

ثمة أمور كثيرة تظل باقية لدى الزوجين بعد الطلاق لعل أبرزها الذكريات الجميلة التي حدثت في أول لقاء، وهذه التجربة قد تكون كفيلة بنسيان كل ما بعدها من انفعالات حادة ومتاعب فالطلاق غالبا يحدث نتيجة انفعالات حادة جدا، ولأسباب قد تكون بسيطة إلا أن هذين الزوجين حين يتذكران أنهما عاشا مع بعضهما شيئا من الوقت سيولد بينهما أواصر العشرة الجميلة، فتنقشع حينئذ الغمة الخاصة بالانفعالات الحادة، وأنه ما كان ينبغي أن يسمح للمشاكل أن تتضخم بهذا الشكل، فيحاولان أن يعيدا هذا الارتباط لسابق عهده الجميل.
وهنا يوضح استشاريون اجتماعيون لـالوطن إلى أن الدافع في العودة مجددا بعد الانفصال هو الخوف على الأبناء من أن يتربوا في أجواء يشوبها التفكك الأسري مثمنين الدور الهام الذي يلعبه مركز الاستشارات الأسرية في إصلاح ذات البين ونشر ثقافة تقديس الحياة الاسرية والتي أدت إلى انخفاض معدلات الطلاق بقطر.
في البداية يقول فيصل العشاري استشاري أسري: غالبا ما تكون عودة الزوجين لبعضهما بعد الطلاق وفقا لعدة أمور؛ إما أن تعود مكرهة ومجبرة بسبب تجنب نظرة المجتمع السلبية للمطلقة، أو بسبب وجود أبناء، أو لظروف أسرة الزوجة غير المهيأة لاستقبالها. مضيفا أنه ربما عادت الزوجة بعد اتفاق وتفاهم وحل للمشكلات والخلافات المسببة للطلاق، ورغبة مشتركة بين الزوجين في إصلاح ذات البين، وأشار إلى أنه في حال عادت الزوجة وهي مكرهة فإنها ستحمل مشاعر سلبية عديدة، قد تضعف تقديرها لذاتها وتعزز لديها الشعور بالنقص، وعدم القدرة على الاستقلالية، بل ومن الممكن أن يشعر كلا الزوجين بعدم تقبل الآخر، فتستمر بالتالي الخلافات، مما قد يؤدي إلى الطلاق العاطفي، والذي يقود بدوره إلى الطلاق البائن، ذاكرة أنه في حال عادت بالتفاهم والتراضي، فإنه يعود الزوجان لبعضها بقناعة مفادها أن الطلاق ليس النهاية، ولكنه قد يكون بداية لحياة زوجية جديدة خالية من الخلافات، وستزيد من فهم الطرفين لمتطلبات بعضهما ورغباته، ويشعر كل منهما بحاجته للطرف الآخر، مما يجدد مشاعر المودة والمحبة بينهما
صدمة عاطفية
وأوضحت الدكتورة أمينة الهيل، الاستشارية النفسية، أن الزواج شرع لغاية عظيمة وهدف نبيل، إذ شرع لتحقيق المودة والسكينة والرحمة، وتأتي هذه الأمور بالتوافق الزواجي والتفاهم والحوار البناء، والشعور بالأمان والطمأنينة والثقة المتبادلة بين الطرفين، مضيفة أنه عندما يصبح هناك شرخ في العلاقة الزوجية ويتفاقم ليصبح صدعا يؤول بالحياة الزوجية إلى الطلاق فمن الطبيعي أن يتأثر كلا الطرفين بفراق رفيق دربه سواء كانت العِشرة بينهما طويلة أو قصيرة، مما يؤدي إلى صدمة عاطفية للزوجة، تتزعزع عندها ثقتها في نفسها، وتقديرها لذاتها، مما يؤثر على هدوئها وسكينتها فتصبح قلقة متوترة، وقد يصل بها الحال للضيق والكدر بما يعرف بالاكتئاب، جراء اتخاذ قرار الزوج بالفراق، مبينة أن الزوج يمر بصدمة نفسية كبيرة إذ إن الرجل يميل إلى الاستقرار والأمان بوجود رفيقة دربه بجانبه فكيف وهو يتخلى عنها ويبعدها عنه، مشيرة إلى أنه تبدأ تتسلل إليه الاضطرابات النفسية من قلق وضيق وكدر، مؤكدة على أن العشرة الطويلة التي ترافقها مواقف طيبة مع وجود الأبناء تؤدي إلى أثر نفسي أكبر لكليهما.
صفح وعفو
وذكرت الهيل أنه بعد عودة المرأة لمنزل زوجها وكنفه، فإنه ينتظر منها الإحسان وزيادة الاحترام، بل وتصحيح سلوكها الذي بدر منها إن كانت هي سبب المشكلة، وهي تنتــــــظر منه الصفح والعفو والشعور معه بالأمان مع احتوائها أكثر، أما إن كان هو من أخطأ في حقها فإنها تنتظر منه الكلمة الطيبة التي تسلي وتداوي جراح قلبها، الذي صدم عاطفــــــيا، مع منحها الاحترام والتقدير مع التغيـــير في جوهر كل منهما، ليحصلا على التوافق الزوجي الذي يوصلهما إلى السعادة والراحة والاطمئنان، لافتة إلى أنه يمكن لكلا الطرفين تجاوز غصة ما حصل بينهما بالعفو والإحسان، وتناسي ما حدث، وبدء صفحة جديدة للتغيير نحو حياة أفضل.
من جهته يقول الداعية أحمد البوعينين: يظل الود قائما إلا إذا ما سمح أحد الزوجين بتدخل أسرته في شأنهما، وسلمهما زمام المشكلة لتتبادل الأسرتان الاتهامات، وكذلك التنازع في المحاكم؛ لتصعب الأمور بينهما، وتزداد الخلافات والنزاعات بين الأسرتين، وبالتالي تسوء العلاقات بينهما، وتستحيل فكرة رجوع الزوجين، وهنا على أهل المطلقين ألا يتدخلوا بينهما إلا إذا لزم الأمر، ويكون التدخل بالحسنى ودون إفراط لأنه قد يؤدي في كثير من الأحوال إلى تفاقم المشكلات، فالتفاهم يحسن من العلاقات الأسرية، بل وتطيب النفوس وترضى بالأمر الواقع.
وتقول الدكتورة منيرة الرميحي- استاذ علم الاجتماع بجامعة قطر: الناس يصنفون على أربعة أنواع، هناك صنف من الناس دائما ينظرون إلى الوراء بمعنى أنهم دائما يحبون ان يعيشوا ذكرياتـــــهم الماضــــية وهذا صنف يسمى السلبيــــين ودائما نرى هذا الصنف يتحدث عن الماضـــــي وان الأولين هم الأفضل وأن أيامنا الأولى هي الأحــــــسن وأن دائما ذكرياتنـــــــا هي الأفضل كل هذا الحديث يعيشه، فهو لا يعيش واقعه ولا مستقبله، دائما يعيش في ماضيه.
أما النوع الثاني فهم الذين دائما ينظرون إلى الأسفل ويعتقد ان يومه وأمسه واحد فلا يعيش في فرح ولا يعيش في أنس ولا يعيش في سعادة، دائما عنده ماضيه ويومه واحد ولا يرى مستقبله أبدا.
وأضافت أما انوع الثالث المستقبليون فهم كثيرو الأحلام ينظرون إلى الأمام ولا ينظرون إلى ماضيهم ولا يفكرون في حاضرهم دائما ينظرون إلى الأمام.
أما الفئة الاخيرة الذين يمتلكون النظرة الصحيحة وهم الذين يستفيدون من ماضيهم ويعيش حاضرهم ويخططون لمستقبلهم وهذا النوع المميز.
وبمقارنة هذا المعنى بالطلاق نجد ان بعضا من الناس بعد الطلاق يعيش في أزمات نفسية إلى أن يتوفاه الله وهذا دائما ينظر إلى الوراء فدائما يعيش في أحلامه وذكرياته الماضية وبالتالي فهو غير مستمتع في حياته ولا هو قادر على أن يخطط لمستقبله.
والبعض بعد الطلاق يعيشون ماضيهم وحاضرهم فنلاحظهم دائما يحطمون أنفسهم فلا هم يعيشون في ماضيهم ويستفيدون منه ولا هم عاشوا حاضرهم واستفادوا منه.
عن ذلك قالت الرميحي ان الزوج أو الزوجة أحيانا يفكرون في اتخاذ قرار الطــــلاق بمعنى انه بـــــعد ثــــــلاث أو خمس أو عشر سنوات من الزواج يبـــــدؤون يفكرون ان الاستمرارية بيــــــنهما ستصبح صعبة جدا وهنـــــاك عدة مـــــشاعر يمر فيها الزوج والزوجة حينما يفكران في قرار الطلاق اول هذه المشاعر الصدمة.
وهذا اول شعور ومن آثار الصدمة يبدأ الطرفان يركزان على كل خطأ يقع فيما بينهما سواء كان هذا الخطأ كبيرا أو صغيرا، كل واحد منهما يفتح عينيه ويتربص يراقب الثاني وينتظر أي خطأ يقع منه بل أحيانا من مشاعر الصدمة انه احيانا الزوج يتصرف تصرفا صحـــيحا فتشاهده الزوجة على أنه خطأ أو العكس، على اعتبار ان المشاعر النفسية التي يمر فيها من ينوي الطلاق مشاعر غير متزنة وكذلك تبدأ الاحكام عنده تكون أحكاما مختلطة من علامات الصدمة، فيبدأ كلا الطرفين بالانعزال، فالزوج في هذه المرحلة يجب ان يجلس لوحده والزوجة كذلك لا يتحدثون ولا يستشيرون احدا وكأن الدنيا أطبقت عليهم هذه هي مراحل الصدمة.. مشيرة إلى ان عودة العلاقة بين الزوجين بعد الانفصال تتوقف على كيفية إدارتهما لأزمة الطلاق، فكلما كانت متحضرة وبعيدة عن الخلافات والمحاكم، كانت احتمالات العودة أكبر، أما إذا كانت العودة اضطرارية بسبب ضغوط الأهل أو وجود الأبناء مع انعدام المعيل، فبالتأكيد الخلافات ستستمر بل وتتفاقم، وأضافت أن على الزوجين المطلقين الجلوس لفترات طويلة مع نفسيهما واستعادة أحلى ذكريات الزواج حتى يشحنوا الإرادة ويعودوا بشغف أكبر، هذا دون التغاضي عن الاعتراف بالأخطاء التي وقعوا فيها سابقا ومحاولة إصلاحها وعدم تكرارها مجددا. واضافت: ان نسبة الطلاق ولله الحمد في قطر انخفضت بشكل كبير بسبب وعي المجتمع بمخاطر ووجود مراكز معنية ترفع شعار «مجتمع خال من المشاكل الأسرية» وعلى رأسها مركز الاستشارات العائلية الذي كان له الفضل في حل الكثير من الخلافات الأسرية.
تجاربهن مع الطلاق
وتقول حمدة: إنها عادت إلى زوجها بعد محاولات جادة منه، مضيفة أنها كانت تحادث نفسها في السيارة أثناء طريقهما للعودة إلى المنزل بعد فراق دام أكثر من شهرين، أنه لربما استعجلت في قرار الانفصال، وأفرطت في تقدير مشاعر زوجها، الذي لم ييأس من مطالبتها بالرجوع لبيـــــتها وأبنـــائها، بل إن أبناءها هم الوتر الذي عزف على جرحها وقادها إلى الاستسلام أمام توسلات طليقـــــها المتكررة، مشيرة إلى أنها بانتظار تجربة جديدة تمحو كل ما سلف من التجاوزات، وتهيئها لبدء حياة جديدة زاخرة بالسعادة والدفء مع زوجها.
من جهتها تروي إحدى النساء تجربتها - فضلت عدم ذكر اسمها: لقد كان لمركز الاستشارات العائلية دور مهم في عودة الحياة بيني وبين زوجي خاصة في ظل وجود طفلين محرومين من والدهما حيث لايتجاوزان الـ5 والـ7 سنوات، وأدى هذا الانفصال إلى تدهور نفسيتهما. واردفت قائلة تراجع المستوى الدراسي لابني منذ الطلاق، فبعد أن كان من الأوائل تخلفت معدلاته وتراجع مستواه وحتى معلمـــــته أخبـــــرتني بأنه صار كثير النـــسيان والسرحان أما في البيت فبدت عليه مظاهر الحزن والأسى رغم صغر سنه، بل وصارت تلاحقه الكوابيس حتى في المنام. ووفقا لكل ذلك قالت بإنها لم تمانع حينها من عودة المياه إلى مجاريها بينها وبين طليقها أب أولادها، خاصة وأن انفصالهما تم بالمعروف حيث انني لم أحرض أبنائي يوما على والدهم رغم ما كان بيننا من خلافات لأنني أدرك حاجتهما إلى وجود والد يحبونه ويحترمونه.
في سياق مواز تقول لمياء: بعد خلافات دامت لسنوات واستحالة العشرة بيننا فضلنا الانفصال لحل ما آلت إليه الأمور بيننا إلا انه مع مرور الوقت اكتشفنا اننا اخترنا الخيار الخاطئ ففي وقتها أعمى الشيطان أعيننا ولم نفكر للحظة في مستقبل أبنائنا ولهذا قررنا العودة مجددا ومباشرة حياتنا بشكل طبيعي ومحاولة عدم الوقوع مرة أخرى في فخ المشكلات.
copy short url   نسخ
22/02/2017
27197