+ A
A -
بكر بهجت



بات ملف استيراد السلع المغشوشة هو الأكثر أهمية على طاولة كافة الحكومات العربية خلال السنوات الأخيرة، فعلى الرغم من كافة الجهود التي يتم بذلها لوقف تدفق تلك السلع إلا أن كافة التقارير تُشير إلى أن هناك زيادة مخيفة في معدلات الاستيراد العشوائي مما أدى إلى امتلاء أسواقنا العربية بالعديد من السلع المُقلدة. الخبراء أكدوا أن تلك الظاهرة لابد من وقفة صارمة لها لأنها تُهدد صحة المواطنين من جانب وتمثل عقبة كبرى في طريق نهوض الصناعة العربية، مشيرين إلى أن هناك قطاعات يتم التركيز عليها بشكل كبير نظرا لأهميتها في المنطقة مثل الصناعات الهندسية والإلكترونيات، ولعب الأطفال ومنتجات العناية الشخصية، بل ووصل الأمر أيضا إلى الصناعات الغذائية والأدوية.


المحلل الاقتصادي السعودي محمد العنقري أكد أن هيئات المواصفات والمقاييس والغذاء والدواء بمختلف الدول العربية تعمل على رفع جودة المنتجات والسلع بالسوق المحلية، سواء المستوردة أو المصنعة محلياً، مشيرا إلى أن الدور الأكبر في الحفاظ على الأسواق وحمايتها من تلك المنتجات يقع على عاتق الجمارك.
وأضاف: أنه يجب العلم بأن القضاء على تلك المنتجات ومنع دخولها هو أمر صعب جدا قد يصل إلى المستحيل، ففي كل دول العالم هناك سلع مغشوشة أو مقلدة لكن وبسبب العقوبات الصارمة والأنظمة المتطورة للمواصفات ومتابعة تطبيقها فإن نسب الغش تبقى ضئيلة جداً في الدول المتقدمة.
وأكد أن هيكلة بل ومحاسبة الجهات المقصرة بكشف الغش تبقى أولوية، لأنها خط الدفاع الأول لحماية الاقتصاد والمجتمع، مشيرا إلى أن تفاقم الغش إلى درجة مخيفة يؤكد أن الجانب الرقابي لم يعط حقه في السنوات الماضية، ولم يكن التنسيق بالمستوى المطلوب بين كل الجهات ذات العلاقة، مما سهل ارتفاع حجم الغش بمختلف الدول العربية.
وتابع: أنه وفق دراسات سابقة تم تقدير حجم الغش التجاري وتقليد السلع في سوق المملكة العربية السعودية بأكثر من 40 مليار ريال سنوياً (حوالي 11 مليار دولار)، حيث إن المملكة يبلغ حجم وارداتها السنوي أكثر من 600 مليار ريال (162 مليار دولار) على الأقل لآخر ثلاثة أعوام بخلاف الإنتاج المحلي، ولذلك فحجم الغش يمثل نسبة عالية قد تتخطى 20 %.
ومن جانبه أكد عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك في مصر أن السوق العربية فريسة سهلة للدول المُصدرة الكبرى، نظرا لحجم الاستهلاك الكبير التي تتمتع به، إلى جانب ضعف الرقابة على الأسواق خلال السنوات الماضية، مما فتح الباب أمام المستوردين لإغراق الأسواق بالمنتجات الرديئة وتهريبها في أحيان كثيرة. وتابع «يعقوب» أن الاجتماع الأخير لفريق الخبراء والمختصين في مجال حماية المستهلك في الدول العربية، والذي عُقد قبل أسبوعين أوصى بتشكيل فريق عربي مختص بحماية المستهلك بهدف نشر ثقافة حماية المستهلك ووضع التشريعات اللازمة لذلك، إلى جانب تبادل الخبرات بين الدول العربية في مجال سلامة الغذاء والدواء وحل الشكاوى العابرة للحدود.
وأشار «يعقوب» إلى أن أبرز الحلول للحد من تلك المشكلة يكمن في تشديد العقوبات على المخالفين سواء مستوردين أو بائعين، وسد الثغرات في الموانئ والمنافذ الجمركية، موضحا أن دولاً كثيرة في المنطقة طبقت أحدث النُظم والبرامج الهادفة إلى ردع مخالفات الاستيراد إلا أنها لاتزال تعاني من تكدس أسواقها بسلع رديئة ومُهربة، والسبب هنا يكمن في فساد بعض الجهات الرقابية.
وفي تقرير حديث لاتحاد الصناعات المصرية أوضح أن السلع المغشوشة تدخل السوق بـ«فواتير مضروبة»، وبالمخالفة للمواصفة القياسية المطبقة، وبعض السلع كمستحضرات التجميل ومنتجات العناية الشخصية تسبب الإصابة بالسرطان.
وتقدّر «منظمة الجمارك العالمية» حجم تجارة السلع المقلّدة والمغشوشة بنحو تريليون دولار، وتشير إحصاءات دولية إلى أن نسبة الغش التجاري والتقليد في قطاع الأدوية يصل إلى 19 %، وفي بعض الدول يصل إلى 50 % ويقدر في قطع غيار السيارات بنحو 25 %، ويصل في قطاع المواد الغذائية إلى ما بين 22 و25 % وفي البرمجيات إلى 70 %.
وأكد إدمون سعادة، رئيس المنتدى العربي لحماية المستهلك، أن تقليد السلع يرتفع بصورة كبيرة جداً حول العالم، وقفز من 100 مليار دولار إلى تريليون دولار في غضون سنتين، مشيراً إلى أن معظم البضائع المغشوشة في المنطقة العربية تأتي من الخارج، تحديداً من الصين، وغالبيتها سلع مرتفعة الثمن، مثل الساعات والاكسسوارات، إضافة إلى قطع غيار السيارات، كما أن بعضها مصنّع في المنطقة مثل الشامبو والكريمات.
وأضاف أن انتشار السلع المقلدة والمغشوشة يعود إلى أسباب عدة أهمها قلة الوعي لدى المستهلك، كذلك الجشع المادي لدى المستورد والبائع، مشيرا إلى أن قلة وعي المستهلك تؤدي إلى تحمله معظم الآثار السلبية المباشرة سواء على صحته، عندما تكون السلع غير صالحة للاستهلاك، أو على سلامته عندما تكون غير مطابقة للمواصفات والمقاييس، أو حتى لجهة أن السلع المقلدة أو المغشوشة سريعة التلف، فيضطر المستهلك إلى شراء سلع بديلة، وهذا يعني فقدان المال وإن كان نسبياً أقل. وأشار إلى أن أهم ما يواجه المنطقة هو نقص الوعي لدى المستهلك العربي، على اعتبار أن 60 % من المستهلكين في المنطقة العربية ليس لديهم وعي كافٍ لتمييز السلع الأصلية عن المغشوشة.
ووفقاً للمنتدى فإن حجم تجارة السلع المقلّدة والمغشوشة في الدول العربية بـ70 مليار دولار سنوياً، منها ما بين 7 و9 مليارات دولار في دول الخليج وحدها.
قال المحلل السعودي عبدالرحمن السلطان: إن التجارة الخارجية هي الآفة التي من خلال يمكن القضاء على الاقتصادات الكبرى، سواء من خلال الصادرات أو الواردات، وفي أسواقنا العربية يتم اقتطاع جزء كبير من ميزانياتنا لاستيراد الحاجات الأساسية والسلع الاستراتيجية للمواطنين، إلا أن فتح هذا الملف خلال العامين الماضيين وإعادة النظر فيه كان ضرورة حتمية.
ومن جانبه رأى الخبير الاقتصادي الأردني رامي الشرع أن كافة الدول العربية لن تتمكن خلال العامين الجاري والمقبل من السيطرة على معدلات الاستيراد نظرا لاعتمادها الكبير عليها في توفير السلع الاستراتيجية، موضحا أن دولاً مثلا الجزائر وتونس ومصر والأردن تعتمد على الاستيراد لسد احتياجات السوق المحلي وتوفير متطلبات المواطنين، الأمر الذي يؤدي في أحيان كثيرة إلى إدخال منتجات مجهولة المصدر.
وأوضح «الشرع» أن تشديد الرقابة على المنافذ الجمركية وفرض عقوبات على المخالفين هي الآليات التي يمكن من خلالها ضبط الأسواق والتأكد من سلامة المنتجات الواردة ومطابقتها للمواصفات العالمية، مؤكدا أن ملف الواردات يعد الأخطر من بين كافة الملفات التي تواجهها الحكومة لأنها ترتبط ارتباطا وثيقا بصحة وسلامة المواطنين.
قال الدكتورعبدالسميع بهبهاني، الخبير الاقتصادي الكويتي ورئيس مركزالشرق للاستشارات: إنه من الضروري أن يتم استغلال انخفاض أسعار النفط في رفع القدرة التنافسية للمنتجات التي يتم تصنيعها محليا، والتي تعتمد على البترول ومشتقاته، وخاصة قطاع الصناعات الغذائية، مؤكدا أن هناك أسواقا خارجية كبيرة تنتظر المنتجات العربية بشكل عام والكويتية على وجه الخصوص نظرا للميزة التنافسية التي تتمتع بها وحفاظاً على الأسواق.
وأضاف أن تجارة الترانزيت كان لها دور في امتلاء الأسواق بالعديد من المنتجات عن طريق إدخالها للسوق دون أي رقابة عليها، وبعيدا عن سيطرة السلطات عليها، مؤكدا أن تجارة الترانزيت هي العنصر الرئيسي الذي تعتمد عليه حركة التجارة في الكويت والإمارات، من خلال تنويع المنتجات المُصدرة والمُستوردة، التي يحتاج إليها السوق الداخلية وأيضا الأسواق المجاورة، مؤكدا أن الاتجاه إلى استغلال التجارة الإلكترونية في الترويج للمنتجات العربية يعد الحل الأمثل لاستعادة المعدلات لنموها.
copy short url   نسخ
22/02/2017
2158