+ A
A -
رصدت بيانات مصرف قطر المركزي، بلوغ القروض الاستهلاكية مستوى 119.9 مليار ريال وهو الرقم الأعلى في خمس سنوات، حيث يلاحظ المسار التصاعدي للتسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك التجارية والقطاع الاستهلاكي، حيث بلغت 71 مليار ريال في 2012، ومن ثم ارتفعت إلى مستوى 80.2 مليار ريال في 2013 واستمرت في منحاها التصاعدي لتبلغ 99.1 مليار ريال في 2014، ثم مستوى 115.8 مليار ريال في 2015 واخيراً 119.9 مليار ريال في 2016، الامر الذي يؤشر إلى تزايد شهية البنوك التجارية في منح القروض الاستهلاكية في السوق المحلي.
ويرى المراقبون أن نمو القروض الاستهلاكية 48.9 مليار ريال خلال 5 سنوات (خلال الفترة من 2012-2016) يرجع إلى النمو السكاني والفوائد المتدنية كما يمثل أيضاً مؤشراً على زيادة شهية البنوك في الاقراض الاستهلاكي غير أنه يحمل حزمة من المخاطر تتمثل في تزايد فرص التعثر وارتفاع مستوى الانكشاف على المخاطر فضلاً عن تراجع الوعي الادخاري وغلبة القروض الاستهلاكية على القروض الاستثمارية، حيث أن القروض الاستهلاكية تمثل عبئاً على الاقتصاد الوطني فيما تعزز القروض الاستثمارية معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي وتمثل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.


ويرى المراقبون ان البنوك تتخذ حزمة من التدابير الاحترازية لمواجهة أي انكشاف محتمل على المخاطر، كما أنها تطبق معايير بازل 3، لضمان الحماية والحيلولة دون الوقع في مخاطر التعثر المصرفي، مشيرين إلى أن البنوك تلتزم حاليا بأقصى درجات التحوط قبل منح القرض، وهناك إدارات ائتمان وإدارات مخاطر بكل بنك تتابع موقف القروض والتمويلات التي تمنحها البنوك، وموقف كل عميل، كما أعدت البنوك برامج تمثل جرس إنذار مبكر لوضع العميل المالي خاصة إذا تخلف عن سداد 3 أقساط أو أكثر من المستحقة عليه.
تدابير احترازية
وقال الخبير المالي احمد عقل، إن ارتفاع القروض الاستهلاكية في الفترة الأخيرة لتصل نحو 120 مليار ريال في 2016 مقارنة بحوالي 71 مليار ريال في 2012 بواقع ارتفاع 48.9 مليار ريال خلال خمس سنوات، مؤشر إيجابي من حيث حركة الاقراض والائتمان، وفي صناعة البنوك بشكل عام، لجهة أن النشاط الاساسي للبنوك يتمثل في القروض كما أن نمو القروض الاستهلاكية يأتي متزامنا مع التوسع في التنمية بشكل عام في قطر بجانب زيادة عدد السكان علاوة على انتشار وتوسع البنوك، كما ان هذه البنوك تساعد على تحريك العجلة الاقتصادية للاسواق وتحدث انتعاشاً واسعاً. غير أن عقل لفت إلى أن توسع البنوك في منح التمويلات الاستلاكية يحمل حزمة من المخاطر تتمثل في تزايد فرص التعثر وارتفاع مستوى الانكشاف على المخاطر فضلاً عن تراجع الوعي الادخاري وغلبة القروض الاستهلاكية على القروض الاستثمارية حيث أن القروض الاستهلاكية تمثل عبئاً على الاقتصاد الوطني فيما تعزز القروض الاستثمارية معدلات نمو الناتج المحلي الاجمالي وتمثل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
واضاف؛ فيما يتعلق بالمخاوف من التعثر المصرفي فإن هناك تجربة مهمة تتمثل في الأزمة المالية العالمية 2008 وتعامل معها البنوك حينها، لافتاً إلى ان البنوك القطرية تعتبر الأقل تعثراً مقارنة بنظيراتها في المنطقة عند النظر إلى القروض الاستهلاكية للافراد، مشيراً إلى ان البنوك القطرية منذ ذلك الوقت بدأت تتخذ وتدابير ونشاطات معينة للحد من المخاطر وبعد العام 2011 مضت البنوك بتطبيق معايير لجنة بازل 3 التي تحتوي علي الكثير من معايير الحماية والتدابير الاحترازية، هذا فضلاً عن شروط المركزي للبنوك بزيادة المخصصات لمقابلة القروض الاستهلاكية.
وأكد عقل، ان حجم القروض الاستهلاكية مازالت ضمن المستوىات المقبولة مشيراً إلى ان النمو في الاقراض الاستهلاكي لا ينذر بحدوث مخاطر نظامية، كما ان هناك جانبا مهما يتمثل في ان القطاع المصرفي الإسلامي يلعب دوراً كبيرا في التنمية بقطر ودرجة مخاطر تبدو اقل مقارنة بالمصارف التقليدية، لافتاً إلى ان زيادة أعداد الوافدين إلى الدولة تعتبر من اهم أسباب زيادة القروض الشخصية إلى جانب زيادة عدد المواطنين الذين حصلوا على هذه القروض.
واوضح عقل ان زيادة القروض الاستهلاكية تحرك السوق، كما ان عملية الاستهلاك ضرورية، وان من يقوم بعملية الاقتراض للاستهلاك يبدأ بالادخار ويفكر في عملية تأمين الادخار، كما ان الاستهلاك مهم لتحريك الدورة الاقتصادية وكلما زاد الاستهلاك زادت الدورة الاقتصادية.
واشار إلى أن إجراءات الحصول على القروض تغيرت تماما حالياً وأصبحت مرتبطة بالراتب الذي يحصل عليه الفرد وأهمها أن وجود رقم محدد كحد أقصى وأدنى بالنسبة للمواطن والمقيم وكذلك مدة السداد والحد الأقصى للفائدة أو العائد هو سعر المصرف الذي يحدده، إضافة إلى بقية الضمانات التي يطلبها البنك، مشيراً إلى أن البنوك تعتمد حالياً وبشكل كبير على خدمات الأفراد فمعظمها لديها قاعدة واسعة من العملاء الأفراد وذلك وفقاً للوضع الاقتصادي المميز لقطر وارتفاع مستوى الدخل.. ويوضح أنه في سبيل إرضاء هذه القاعدة من العملاء تسعى البنوك إلى تقديم خدماتها وأبرزها منح القروض والاستفادة من العوائد عليها. ويشير إلى أن إجراءات مصرف قطر المركزي حققت الحماية المطلوبة لعملاء البنوك من مخاطر التوسع في الحصول على القروض دون دراسة الوضع المالي والاعتماد على التدفقات الشهرية التي يحصل عليها العميل.. كما حققت الحماية للمصارف من مخاطر الديون المتعثرة والمعدومة بسبب التوسع في منح القروض دون الحصول على ضمانات كافية من خلال ربط الحصول على القرض بتحويل الراتب إلى البنك مانح القرض ومنع البنوك الأخرى من منح العميل أي قرض طالما ليس راتبه بهذا البنك، مضيفاً «هذه حماية مزدوجة للطرفين العميل والبنك».
ويوضح أن المركزي يبذل جهودا كبيرة لتحقيق الاستقرار المالي والنقدي في قطر فهناك حد أقصى للقرض ونسبة القسط من الراتب إضافة إلى سعر الفائدة، مشيراً إلى ان المصرف المركزي يلزم البنوك الوطنية بتكوين احتياطي مخاطر من صافي أرباحها بنسبة محددة من إجمالي الائتمان المباشر الممنوح من البنك وفروعه وشركاته التابعة داخل وخارج قطر وفقاً للميزانية المجمعة للبنك بعد استبعاد المخصصات الخاصة والفوائد والعوائد المعلقة والأرباح المؤجلة في البنوك الإسلامية.
وأكد أن مصرف قطر المركزي يراقب ويلزم البنوك العاملة في قطر بتقييم حسابات التسهيلات الائتمانية وتصنيفها بشكل دوري، وذلك تماشياً مع المعايير الموضوعة لكل مجموعة.. وهي حسابات الائتمان المنتظمة التي يلتزم أصحابها بشكل عام بالوفاء بالالتزامات المترتبة عليهم وفقاً للمواعيد والشروط المتفق عليها.
ويرى أن ثمة أنماطا استهلاكية مستحدثة قد طرأت على المجتمع لم تكن متواجدة فيما مضى، مثل المبالغة في الإنفاق، على السلع أو الخدمات الكمالية والتي ربما تكون غير ضرورية، وهي تأتي أحيانا كظاهرة تقليد للآخرين، وكذلك الآثار المترتبة على ارتفاع الدخل من التوجه لنحو زيادة الميل إلى الاستهلاك بصورة أكبر.
واوضح إن مستوى الدخل لبعض الافراد اذا لم يكن يغطي الانماط الاستهلاكية الحديثة ومستوى المعيشة المعين، فيلجأ هنا الشخص إلى الاقتراض للتغطية على نفقاته، منوهاً إلى ان من العوامل الاضافية لهذا الارتفاع، تطور وسائل البيع والشراء من خلال الانترنت، والذي ساهمت به التكنولوجيا الحديثة، حيث سهلت كثيرا على المستهلكين ان يقوموا بشراء أية سلعة من أي مكان في العالم، وساهم ذلك بشكل كبير في ارتفاع الانماط الاستهلاكية وزيادة الإنفاق بشكل عام.
وأكد أن من الأسباب التي أدت للارتفاع في القروض الاستهلاكية من 115 مليار ريال في 2015 إلى 119 مليار ريال في 2016 خلال عام واحد، هو ارتفاع القفزات في مستوى المعيشة، مع تزايد المغريات الاستهلاكية والسلع والخدمات الأخرى، وهذا يؤدي إلى زيادة الطلب على التمويل لشراء مثل هذه السلع الاستهلاكية.
سياسات التوازن
وفي ذات السياق يقول المحلل المالي محمد سالم الدرويش، إن نسبة الفوائد المحدود ة التي تطرحها البنوك قد ساهمت كذلك بشكل قوي في اجتذاب شرائح كثيرة من العملاء أو المستهلكين، مؤكداً على أن وصول القروض إلى 119 مليارا عام 2016 مرشح للارتفاع في العام الجاري والاعوام المقبلة، لجهة التوسع في الاستهلاك ونمو عدد السكان وانتشار البنوك ومستويات التنمية في قطر بشكل عام.
وشدد على أهمية ان يراقب المصرف المركزي سياسات التوازن ويبحث تأثير مثل هذه النسبة في ارتفاع القروض الاستهلاكية على معدلات التضخم، وتزايد الطلب على الاستهلاك، وكذلك بحثه لفرص توظيف السيولة أمام البنوك في عمليات استثمارية تزيد فرص النمو وليس الاستهلاك، مشيراً إلى أنه يمكن العمل على وضع قواعد وتشريعات تختص بالمائة المالية للشخص المتقدم للحصول على القرض، وماهية حالته الائتمانية.
وأشار إلى أن القروض الاستهلاكية هي القروض أو التمويلات التي تقدمها البنوك، للسلع غير المعمرة والتي بطبيعتها لا تحقق أي عائد، وارتفاعها بهذا الشكل، يعتبر أمرا يتطلب أن يوازيه وجود توعية أكبر بأهمية الادخار، والذي هو مفهوم شبه غائب عن الكثير من المستهلكين، موضحا ان هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على المواطنين وإنما كذلك المقيمين.
ووصف الدرويش ارتفاع القروض الاستهلاكية ووصولها إلى هذه النسبة والارقام الكبيرة، بأنها «ظاهرة اقتصادية غير صحية» وتعبر عن غياب الوعي الادخاري ولذا يجب أن يتم العمل على معالجتها بكل دقة، فهي تبدد الموارد ولا تحقق أية عوائد وقد يحتاجها الشخص المقترض في المستقبل بصورة أكبر من شرائه لسلع أو خدمات كمالية.
وأضاف: يمكن أن يكون التوجه ناحية القروض الاستثمارية بصورة أكبر، والاستثمار في الأصول المعمرة مثل الأراضي والمباني، والتي تدر عوائد، وتضاعف قيمتها، بمرور الوقت.
وتابع: ينبغي ان تدرس الحالة الائتمانية - التي يجب ان توضع في الاعتبار- قبيل منحه القرض الذي يريده، أو حتى في حالة شرائه أو استئجاره وحدة سكنية، مشيرا إلى انه بتطبيق هذه الآلية، ستعمل على التقليل من نسبة ارتفاع القروض الاستهلاكية، بالاضافة إلى تقليل الديون المعدومة لدى البنوك ذاتها، فضلا عن قضايا الشيكات المرتجعة، والتي تمتلئ بها أروقة المحاكم.
ويؤكد الدرويش أن القروض الاستهلاكية، ليست في صالح المستهلك ولا في صالح البنك، لكونها تمثل عبئا على المقترض أو المستهلك نفسه، لانه قد يكون غير مستعد لاستثمار مبلغ القرض بالطريقة المثلى، وبالتالي يقوم بانفاقه بشكل غير مدروس، ومن ثم يظل يعاني في سداد مثل هذه الاموال لفترة طويلة، أما ناحية البنك، فأوضح بالقول «في ظل عمليات تخفيض الميزانيات لعدد من الشركات، فقد يفقد بعض هؤلاء المقترضين وظائفهم أو حتى يتعرضوا لتخفيض رواتبهم، وفي هذه الحالة لن يتمكنوا من سداد ما عليهم من قروض، وهذا سيمثل إرهاقا للبنك نفسه، وسيصبح موقفه لا يحسد عليه».+
copy short url   نسخ
22/02/2017
1424