+ A
A -
افتتح معالي الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، صباح أمس، أعمال المؤتمر الدولي حول مقاربات حقوق الإنسان في مواجهة حالات الصراع بالمنطقة العربية، الذي تنظمه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، بفندق شيراتون الدوحة.
حضر الافتتاح عدد من أصحاب السعادة الوزراء وممثلي الحكومات ومنظمات المجتمع المدني الإقليمية والدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان والعمل الإنساني وفض النزاعات وحفظ السلام.
وفي كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية أكد سعادة الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أن منطقتنا العربية تواجه منذ عام 2011 وحتى وقتنا الراهن العديد من التحديات الخطيرة التي تهدد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، تمثلت في بروز لجماعات التطرف والعنف المسلح وتهديداتها الإرهابية الفعلية والمحتملة، وتفاقم للصراعات المسلحة والاقتتال الداخلي لحد ارتكاب المجازر والجرائم ضد الإنسانية لاسيما في سوريا واليمن والعراق، بالإضافة إلى الأزمات الإنسانية للاجئين، والانتشار البغيض لقوى التعصب الطائفي والمذهبي التي لا تؤمن بالتسامح أو التعايش المشترك، وتنامي خطاب الكراهية والإقصاء بشكل ملحوظ، وتقييد الحريات العامة والمشاركة السياسية في بعض المناطق.
وشدد الدكتور المري على ضرورة تضامن وتنسيق الجهود بين جميع الجهات الفاعلة من هيئات حكومية وغير حكومية وطنية وإقليمية ودولية، لمواجهة كل تلك التحديات الخطيرة لحقوق الإنسان في المنطقة العربية، واقتراح السبل والآليات المختلفة التي تضمن الخروج من هذا النفق المظلم الحالك.
وأشار إلى أن المؤتمر يجمع لأول مرة ممثلي الحكومات وممثلي البرلمانات ومجالس الشورى العربية، والمهتمين بحقوق الإنسان من المؤسسات الوطنية، والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، ومنظمات فض النزاعات والمنظمات الإنسانية وعمليات حفظ السلام، ووكالات الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى لفيف من الخبراء والشخصيات المرموقة دولياً وعربياً.
وقال إن ما تمر به المنطقة العربية من صراعات مسلحة يرجع في الأساس إلى غياب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المدنية والسياسية، وانتهاك الحريات، فضلاً عن الإقصاء، والتهميش للعديد من الفئات في كثير من الدول والمجتمعات العربية. مؤكداً على أن الحل لكل تلك المآسي والتحديات يبدأ من احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، التي لن تأتي بدورها دون البدء جدياً في إجراءات المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية، والحوار الهادئ الهادف والبناء.
وقال إن الاعتماد على القوة المسلحة فقط لمعالجة التطرف العنيف، والقضاء على ظاهرة الإرهاب لن يكون مجدياً، ذلك أن هذا التطرف والإرهاب لم يكن لهما أن يوجدا من الأساس لو اُحتُرِمت الحقوق والحريات، وتمت مراعاة الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية، اللتين يسبب غيابهما اندلاع الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، وما يعقبها من الصراعات المسلحة المتداخلة.
وأكد الدكتور المري أنه لا وجود للأمن الحقيقي بدون احترام حقوق الإنسان، تلك هي الحقيقة الواضحة التي يجب ألا نغفل أو نحيد عنها مطلقاً. وإن مكافحة الإرهاب العالمي لا ينبغي أن يكون على حساب حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، أو أن يتم اتخاذها كذريعة للانتقاص من تلك الحقوق والحريات لاسيما الحق في حرية التنقل والسفر، وفي الحياة الآمنة الكريمة، وفي العيش المشترك بين أبناء الجنس البشري، كما يجب ألا يستخدم أيضاً كوسيلة للنيل أو الانتقاص من القيم والمبادئ الإنسانية السامية.
الإسلاموفوبيا
وأوضح أن معالجة الإرهاب لا تكون عن طريق العداء المتنام للإسلام أو ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وما يستتبعه من تنام وانتشار لخطاب العنصرية والتعصب والكراهية، وإنما يكون بمد جسور التعاون والحوار بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة، والبحث عن الإرث والقيم الإنسانية المشتركة وإظهارها وإبرازها. وأشار إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي بعد أسابيع قليلة من الأحداث الدامية، والوقائع المأساوية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية يندى لها جبين العالم الحر والتي شهدتها مدينة حلب والمدن السورية ويأتي أيضا بعد أكبر تدفق للاجئين شهدته المعمورة بعد الحرب العالمية الثانية.
وثمن الدكتور المري كل المواقف النبيلة تجاه الضحايا وخاصة الموقف الرسمي الحازم لدولة قطر في الأمم المتحدة لمناهضة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، وأشاد بالموقف الإنساني المشرق لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بإلغاء احتفالات اليوم الوطني لدولة قطر تضامناً مع ضحايا وشهداء مدينة حلب.
الأزمة السورية
وطالب بتعجيل تفعيل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تشكيل فريق خاص حول جرائم الحرب في سوريا «لجمع الأدلة وتعزيزها والحفاظ عليها وتحليلها وكذلك الإعداد لقضايا بشأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال الصراع في سوريا»، وتوفير كافة أنواع الدعم والإمكانات لتسهيل عمل هذا الفريق، لأن ترك الجناة دون عقاب سوف يهدد السلم والأمن الدوليين.
وشدد على ضرورة تحقيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب؛ ليس فقط في مناهضة الانتهاكات، وإنما في الوقاية منها، بالإضافة إلى ما ستحمله من رسالة قوية لكل المتسببين في ويلات الشعوب ومآسيها بأن العدالة الوطنية والدولية سوف تطالهم حتماً لا محالة في يوم ما، كما طالب بضرورة تضافر الجهود الدولية لمعالجة الأوضاع غير الإنسانية للاجئين، ولاسيما النساء والأطفال وكبار السن. ودعا المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية لاتخاذ مواقف حازمة وأكثر صرامة تجاه الاستيطان الاسرائيلي ومحاولات تهويد القدس الشريف وسرقة واغتصاب الأراضي الفلسطينية، واعتبار هذه الممارسات الاسرائيلية جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب.
السلام الداخلي وتحقيق العدالة
من جانبها أشادت السيدة كيت جيلمور، نائب المفوض السامي لحقوق الإنسان، بجهود وإسهامات دولة قطر في مجال حقوق الإنسان، معربة عن شكرها للقيادة الرشيدة على ما تقدمه من دعم متواصل لإثراء منظومة العمل الإنساني والحقوقي في كل مكان من العالم.
ونقلت السيدة كيت في كلمتها بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر «مقاربات حقوق الإنسان في حالات الصراع في المنطقة العربية»، تحيات السيد زيد بن رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان، لدولة قطر قيادة وحكومة وشعبا، وكذلك اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، وذلك بسبب التفاعل العالمي الإيجابي في مجال حقوق الإنسان.
وقالت جيلمور إن هناك طوقا مهما في المنطقة العربية يتم التعامل من خلاله بمجال حقوق الإنسان، وهذا الطوق يجب التعامل معه باحترام وتقدير من قبل المنظمات والمؤسسات المعنية بهذا المجال اقليميا ودوليا.
وأشارت إلى أنه من الضروري البحث عن السلام الداخلي والاستقرار في دول المنطقة، منوهة بأن الأهمية تقتضي الابتعاد عن منظومة القمع والقتل الجارية، باعتبار أن الكراهية تقتل المستقبل والسلام معا.
وأوضحت أن الكرامة الإنسانية هي التي دفعت شخص مثل محمد البوعزيزي إلى إشعال النيران في نفسه، وهو ما ترتب عليه اندلاع للثورة التونسية وأعقبتها الثورات العربية في مختلف دول المنطقة، وحدوث ما أطلق عليه الربيع العربي.
وطالبت جيلمور بضرورة إيجاد العدالة والحرية والمساوة في المنطقة العربية، وخصوصاً في بعض الدول ومنها العراق واليمن وسوريا وليبيا، فالشعوب طامحة في وضع حد للقمع والديكتاتورية، منوهة بأن المنطقة شهدت أسوأ أنواع القمع في الفترات السابقة، فنجد مثلا قمعا للمعارضة، وإعلاما ليس حرا، وحروبا ونزاعات مميتة ودامية، وغابت العدالة وآليات المحاسبة والعقاب، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث التفرقة على أساس عرقي وديني ومذهبي داخل الوطن الواحد.
وأكدت أن التنظيمات والمجموعات المسلحة تعمل بثقة لإدراكها المسبق بأنها لن تحاسب على جرائمها وانتهاكاتها، وبالتالي هناك تحدٍ كبير في تطبيق منظومة حقوق الإنسان وسط هذا المناخ السائد، رغم أن غالبية دول المنطقة قد وقعت على اتفاقية روما الخاصة بالمحاسبة على الجرائم والانتهاكات الجسيمة.
وناشدت جيلمور المسؤولين في المنطقة العربية بحماية المواطنين من الانتهاكات، والتهميش والظلم، لأن ذلك يجلب الصراعات والحروب، مشددة على أن بعض الايديولوجيات في المنطقة تغذي ثقافة العنف والتطرف في ظل غياب نظم للمراقبة وآليات فاعلة تحمي حقوق الإنسان.
مذكرة تفاهم
وفي سياق متصل وقعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمان العربي في ختام الجلسة الافتتاحية على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والتنسيق بينهما في المجالات ذات الاهتمام المشترك.
وقع على الاتفاقية الدكتور علي بن صميخ المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، والسيد عادل عبدالرحمن العسمومي نائب رئيس البرلمان العربي.
وقال الدكتور المري في تصريح للصحفيين عقب التوقيع، إن مذكرة التفاهم تجسد رغبة الطرفين في توطيد تعاونهما المشترك فيما يتعلق بتعزيز حقوق الإنسان، وبناء القدرات وتبادل الخبرات والتجارب في هذه المجالات ونشر ثقافة حقوق الإنسان بالمنطقة العربية.
وأكد المري أهمية المؤتمر، خاصة أنه يتناول محاور تتعلق بالصراع والنزاعات في المنطقة العربية ووسائل تجنبها والوقاية منها ومقاربات ما بعد حدوثها والاستراتيجيات التي يتعين على الحكومات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان وكافة الأطراف المعنية الالتزام بها لضمان وحماية حقوق الإنسان.
من جهته قال السيد العسمومي إن مذكرة التفاهم تؤكد حرص الطرفين على شراكتهما فيما يعنى بتعزيز وتوطيد التنسيق والتعاون بينهما في قضايا حقوق الإنسان، وسعيا إلى أن يأخذ ذلك مسارا أكثر تأثيرا وفاعلية.
copy short url   نسخ
21/02/2017
1335