+ A
A -
تُعاني الأحياء العربيّة في مدينة القدس تدهوراً مُتفاقماً في الأوضاع المعيشيّة للسكّان، وذلك بسبب ممارسات الاحتلال الإسرائيلي التي تضغط على السكّان العرب في القدس، وتُضيّق عليهم الخناق، في محاولة لدفعهم الخروج من مدينة القدس، ومغادرتها، وذلك في سبيل تحقيق الحلم الإسرائيلي وهو إبدال السكّان العرب في القدس بمستوطنين إسرائيليين. وضيّقت السلطات الإسرائيليّة الخناق على السكّان الأصليين في مدينة القدس تزامناً مع الهبّة الفلسطينيّة المُشتعلة في القدس وأرجاء واسعة من الضفّة الغربيّة وأراضي الـ48، إذ راحت تهدم بيوت مُنفّذي العمليّات الاستشهاديّة، وتحرم ذويهم من إعادة بنائها، أو حتّى في بعض الأحيان منعهم من البقاء في القدس، وحرمانهم من فرص العمل، خاصة لدى المُشغّلين الإسرائيليين.
ووفق بعض البيانات الفلسطينيّة، فإنّ نسبة البطالة بين شباب مدينة القدس المحتلة بلغت أكثر من 31 في المائة خلال النصف الأول من العام الماضي، فيما بلغت بشكل عام لدى القادرين على العمل هناك 25 في المائة، فيما لامست نسبة الفقر بين العائلات المقدسية ما نسبته 50 في المائة خلال نفس الفترة.
في الإطار ذاته، قالت الكاتبة في صحيفة معاريف الإسرائيلية، «كرميت سافير»، إن الظروف المعيشية شرقي القدس تمر بتدهور مستمر، من جهة تراجع البنية التحتية وانعدام فرص العمل أمام الشبان، وزيادة العنف الأمني الذي تمارسه قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المقدسيين.
ونقلت عن البروفيسور «يتسحاق رايتر» -أحد الخبراء الإسرائيليين الأكثر دراية بالقدس- أن معاناة المقدسيين شرقي المدينة تتضح من خلال الأرقام والمعطيات المحدثة، سواء عدد السكان العرب، أو أعمارهم، أو نسبة البطالة، أو مستوى الفقر، أو مقارنة عدد المباني العربية بنظيرتها اليهودية.
وأوضح رايتر، وهو رئيس مشروع الأحياء العربية المقدسية في المعهد الأورشليمي لأبحاث السياسات، أن المقدسيين يشعرون بأن الحكومة الإسرائيلية لا تمنحهم الاهتمام اللازم، ولا تعدّهم جزءاً من سكان المدينة، بل تراهم مواطنين متجاوزين للقانون بصورة دائمة، وتركز جهودها في نشر المزيد من القوات الأمنية وحرس الحدود أمام مداخل البلدات والقرى العربية في المدينة؛ بحجة منع تنظيم المظاهرات والمسيرات الشعبية، في حين لا يتمكن باقي سكان الأحياء العربية في المدينة من دخول أحياء أخرى بحرية في ظل الحواجز العسكرية المنتشرة.
وأكد رايتر في حوار مطول معه، أن 850 ألفاً هو عدد سكان مدينة القدس، منهم 310 آلاف يعيشون في جانبها الشرقي، كلهم لديهم إقامة دائمة في المدينة، لكن دون حق التصويت في انتخابات الكنيست «البرلمان الإسرائيلي»، والحقوق المنصوص عليها في القانون لا يحصلون عليها على أرض الواقع، فهم يتوزعون في 22 قرية وبلدة وحيا، تنتشر حول البلدة القديمة، من شمال القدس إلى جنوبها، ويقترب وضعهم من الفلسطينيين والعرب بالضفة الغربية وداخل إسرائيل.
وأشار إلى أن معظم سكان الأحياء العربية في القدس يعيشون حالة فقر وانعدام أمل، في ظل تدني مستويات البنية التحتية، والخدمات المقدمة لهم بعيدة عن توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم، كما أن وضعهم القانوني غير آمن، ويشعرون دائماً بعدم الاستقرار.
وأوضح أن أغلب سكان شرقي القدس مسلمون؛ 64 في المائة منهم دون سن 18 عاماً، و36 في المائة عاطلون عن العمل، و51 في المائة يعيشون تحت خط الفقر، ورغم أن لديهم جواز سفر أردنياً، فإنهم لا يتمتعون بأي حقوق، لذلك يشعر المقدسيون بأنه ليس لديهم ما يخسرونه، بينما تفسح الحكومة الإسرائيلية المجال لمجموعات يهودية متطرفة أيديولوجياً للسيطرة على المسجد الأقصى، ويرى المقدسيون انسداداً في الأفق السياسي مع فوز «دونالد ترامب» في الانتخابات الأميركية، ورغبته في نقل السفارة الأميركية لمدينتهم في القدس.
وأوضح أن مشاكل المقدسيين تنقسم لعدة أقسام: الأول حكومية إسرائيلية؛ تتعلق بسوء أوضاع الظروف المعيشية، وانعدام الشوارع المعبدة، وعدم توفر أماكن لتوقف المشاة، كما تواصل الشرطة الإسرائيلية فرض الغرامات المالية على السائقين.
والنوع الثاني من المشاكل متعلق بعدم وجود تنظيم للأراضي في القدس، وصعوبة الحصول على رخصة بناء من البلدية، مما يضطر المقدسيين للبناء بصورة غير قانونية.
ومن باب المقارنة، ورغم أن حي «نوف تصيون» اليهودي الذي يضم عشرات العائلات اليهودية، تبلغ معدلات البناء فيه 340 في المائة، فإن حي جبل المكبر العربي المجاور له، ويقدر عدد سكانه بعشرين ألفاً، تبلغ معدلات البناء فيه 170 في المائة فقط.
وأكد رايتر أن هناك نقصاً خطيراً في المؤسسات التعليمية، وجزء كبير من صفوفها بيوت خاصة تم تحويلها لمدارس، كما أن هناك نقصاً في حدائق الأطفال، وفي كل شرقي القدس توجد ثلاث حدائق فقط.
أما النوع الثالث من مشاكل المقدسيين فيتعلق بخدمات النظافة؛ ففي حين توجد في الأحياء اليهودية بالقدس حاوية قمامة أمام كل بيت، فإن شرقي القدس تتناثر فيه القمامة في الشوارع، حتى إن الشاحنة الكبيرة التي تجمع القمامة لا تدخل الشوارع الضيقة، ورغم أن البلدية الإسرائيلية وعدت المقدسيين بمنحهم أكياساً بلاستيكية لتعبئة القمامة، فإنها لم تنفذ وعودها.
وختم الخبير الإسرائيلي حواره مع «معاريف» بالقول إن وجود هذه الفجوات يتطلب من الحكومة الإسرائيلية سدها، كما هو الحاصل في أي مدينة مقسمة حول العالم.
copy short url   نسخ
21/01/2017
2277