+ A
A -
عندما تحاور مسؤولاً مخضرماً في السياسة، فإنك بلا شك، ستواجه فيضاً طافحاً من الرؤى والأفكار المتقدمة، وهذا ما لمسناه في حوارنا مع الدكتور نبيل شعث، مفوّض العلاقات الدولية في حركة فتح، وهو بالمناسبة أول وزير للخارجية في السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما ساعده في نسج علاقات واسعة على الصعيد الدولي، وتجنيد العديد من الأحزاب والحكومات لدعم القضية الفلسطينية، والموقف الفلسطيني في أكثر من مناسبة. وفي الحوار الذي بين أيدينا، تحدث شعث لـ الوطن، عن العديد من الإنجازات التي حققها ضمن حراكه المستمر على المستوى الخارجي، كما كشف الغطاء عن أفكار وطموحات مازال يسعى لتحقيقها، وفي مقدمتها تحقيق الوحدة الوطنية التي بدونها لن نستطيع تحرير فلسطين وفق تعبيره، إضافة إلى خطة مدروسة لتصعيد المواجهة مع إسرائيل، وتعزيز مقاطعتها، ومراجعة كل الاتفاقيات معها.
أسئلتنا للدكتور نبيل شعث، وردت بشكل انسيابي، وردوده عليها غلبت عليها التلقائية، دون أن يبدي تحفظه على أيّ منها، ونترك ما قاله محدثنا إلى السطور التالية:
شكّل القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الاستيطان العلامة الأبرز ضمن سلسلة الأحداث التي حفل بها العام الماضي.. في أي سياق تضعون هذا التحول؟.
- بلا شك هو انتصار، وأنا شخصياً أتأكد من الانتصارات من رد فعل الإسرائيليين، فقد جنّ جنونهم، وبالأخص نتانياهو وأفيغدور ليبرمان، ونحن لا نتكلم عن المتطرفين منهم، وإنما عن رئيس وزرائهم ووزير جيشهم.. جن جنونهم وأصيبوا بالهيستيريا، فسحبوا سفراءهم من بعض الدول وأوقفوا علاقاتهم بدول أخرى، ولا شك أننا حققنا شيئاً مهماً في هذا القرار، نحن جاءتنا مئات القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن لم يصب الإسرائيليون بمثل هذا الفزع، كما أصيبوا من هذا القرار، ولعل جزءاً من هلعهم هو امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على القرار، وشرح ممثلة الأمم المتحدة في مجلس الأمن للقرار بأن هذا موقف أميركي انطلق من أيام ريغين الجمهوري، عندما كان رئيساً، وكان مشروعه يتضمن وقفاً كاملاً للاستيطان، والحقيقة أن موضوع الاستيطان بدأ قبل ريغين بالرئيس جيمي كارتر، لكن هي أصرّت على استخدام الرئيس ريغين باعتباره جمهورياً، في خطابها لترامب وجماعته، وهي فسرت الامتناع عن التصويت بأنها دائماً تجد إسرائيل «المظلومة» بأنها هي التي تدان، بينما لا تدان الحكومة السورية على ما تقوم به ضد شعبها، وكذلك حكومة جنوب السودان، ولذلك كان الموقف الأميركي «المائع»، فحتى عند اتخاذ موقف إيجابي، يعملون على تمييعه، إضافة إلى أن أميركا هددت باستخدام الفيتو، فيما لو استند القرار إلى البند السابع من الميثاق، ومن ثم القرار غير قابل للتطبيق بالقوة، ومعلوم أن القرار الذي يستند إلى البند السابع يطبقه مجلس الأمن بالقوة، ولو استدعى ذلك المقاطعة أو الحصار أو الغزو، وقد استندت كل السياسة الأميركية في المنطقة إلى قرارات من مجلس الأمن، تستند إلى البند السابع، وذلك بالنسبة للسودان والعراق وسوريا.. وكل بلد عربي يريدون منه شيئاً، يصدرون قراراً يمكنهم من إرسال قوات أميركية للقتال أو الحصار أو المقاطعة، أما عندما تصل الأمور إلى إسرائيل فلا يقربون البند السابع!!
ومن ثم قرار مجلس الأمن هو انتصار، لكن علينا أن نعرف حدوده، وأن آلية التنفيذ غير موجودة.. إدارة الرئيس أوباما، نفذت على الأقل جزءاً مما كانت قد وعدت به، ويبدو أنها مستعدة لتنفيذ جزء آخر يتعلق بقرار إضافي يستند إلى هذا القرار، يتعلق برؤيتهم لعملية السلام ومتطلباتها، وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولكن نحن لن نستطيع قبول مثل هذا القرار، إذا ما ارتبط بالاعتراف بالدولة اليهودية، الذي يبرر للإسرائيليين كل شيء بما في ذلك الاستيطان، وكأنها «دولة أبوهم».. لذلك القرار كما قلنا هو انتصار، ومفرح، ويشكل بداية لحراك إضافي ضد الاستيطان، ويمثل تغيراً محدوداً في سياسة الرئيس أوباما قبل أن يأتي الرئيس الجديد، ولكن حدود القرار أنه لا يستند إلى البند السابع، وهو مرتبط بإدانة «العنف» و«الإرهاب» والتحريض ضد إسرائيل، وغير ذلك من المصطلحات التي تستخدمها إسرائيل وتنسى الجزء الخاص بها، ومع كل ذلك، يجب علينا أن نفرح ولكن بشرط أن نعرف حدود الفرح، وننتصر ونعرف حدود الانتصار، ولا نبالغ في الأمر، حتى لا نصاب بالإحباط، إذا لم يتوقف الاستيطان، الذي قد يتصاعد ويزداد بعد القرار، ومن ثم يجب متابعة هذا القرار بقرارات أخرى فيها عقاب للإسرائيليين، إذا استمروا في الاستيطان، وأنا مع كل التأييد للمقاطعة الشاملة لإسرائيل والاستثمار فيها، والعقاب الاقتصادي، ولا يجوز هنا الحديث عن مقاطعة المستوطنات فقط.. فالمستوطنات هي إسرائيل في الضفة الغربية، وليست مستقلة عنها، والقوات التي تحميها هي قوات إسرائيل، ولذلك يجب التوجه بعد هذا القرار بشكل واضح إلى تبني سياسة المقاطعة الشاملة لإسرائيل.
ما المطلوب فلسطينياً كي يكون العام الحالي عام إنهاء الاحتلال طبقاً لما أعلنته القيادة الفلسطينية؟
- بلا شك أن وضع أهداف لتشكيل حافز ليس فقط للشعب الفلسطيني وإنما أيضاً للدول الحليفة والصديقة، وحتى المحايدة، بأنه آن الأوان لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وأنت تقول للعالم إنه بعد مرور 50 سنة على الاحتلال، و100 سنة على وعد بلفور، وغير ذلك، يجب أن يزول هذا الاحتلال، وهي دعوة للعالم أن يترجم هذا الأمر إلى قرارات تنفيذية، وسؤالكم صحيح، أول من عليه أن ينفذ نحن.. ومن ثم يجب أن تكون هذه دعوة أيضاً لتصعيد المواجهة مع إسرائيل..
(مقاطعاً): وما طبيعة هذه المواجهة؟.
- أنا لا أطالب بالكفاح المسلح، الذي هو حق من حقوق الشعب الفلسطيني، ومارسه الفلسطينيون سنين طويلة، وقدموا من أجله الكثير من التضحيات، ولكن الكفاح المسلح حق وليس فرضاً، بمعنى أنه علينا أن نحسم هل الكفاح المسلح تكلفته أكثر من فائدته؟.. وإذا كان بالإمكان الاستمرار بالكفاح المسلح لتحرير الوطن بتكلفة معقولة ومحدودة يستطيع الشعب أن يتحملها، نذهب للكفاح المسلح، أما إذا كان سيكلفنا تكلفة هائلة، خصوصاً في ظل عدم التوازن الهائل في قوانا العسكرية، بيننا وبين إسرائيل، وفي ظل الحصار الكامل المفروض علينا، وتقطيع أوصال وطننا إلى غزة وقدس وضفة مجزأة بفعل الجدار العنصري، فتكلفة الكفاح المسلح ستكون عالية جداً، وقد وجدت ذلك حركة حماس، التي قامت بكفاح مسلح لفترات، واكتشفت أنه في كل مرة تقوم بعملية مسلحة، تُدمر غزة بالكامل.. إذن الكفاح حق ولكن اختيار أسلوب الكفاح قرار علينا أن نتخذه بكل وعي، فالذي لا يجوز التخلي عنه هو الكفاح والمواجهة، ومن يريد أن يحقق إنهاء الاحتلال العام 2017 يجب أن يُنشّط كل أدوات الكفاح والمواجهة مع هذا الاحتلال، من أجل الوصول إلى هذا القرار، ومن ثم نحن نتحدث عن النضال الشعبي الشامل والمستمر، نتحدث عن المقاطعة الفلسطينية والعربية والدولية لإسرائيل.. نتحدث عن العصيان والتمرد عندما يمكن ذلك، نتحدث عن الحراك الدولي وتجنيد هذا الحراك لمزيد من الإدانة لإسرائيل، والذي يريد أن ينهي الاحتلال عليه أن يُصعّد المواجهة المدروسة، ونحن شعب قادر على تحقيق الكثير من أدوات النضال التي تحفظ للشعب قدرته على الاستمرار وتحافظ على صموده على أرضه.
وهل بالإمكان تصعيد المواجهة مع الاحتلال طالما بقي الانقسام الفلسطيني سيّد الموقف؟
- (يضحك): إذا أردت أن تواجه كي تُحرر، عليك أن تتوحد، فمن يريد أن ينهي الاحتلال وأن يُصعّد المواجهة المحسوبة معه، لن يستطيع فعل ذلك بدون وحدة وطنية حقيقة، وتحقيق شرعية كاملة لمنظمة التحرير، وإعادة بناء اقتصاده لكي يستطيع قدر الإمكان أن يقلص الهيمنة الإسرائيلية عليه، وأن يشرك الجماهير في اتخاذ القرارات، والعمل الجماهيري يحتاج لانتخابات وديمقراطية ووحدة وطنية وتغيير اقتصادي.. إذا سرنا في هذا الاتجاه، فإن شعار إنهاء الاحتلال لن يكون شعاراً عفوياً، وإنما خطة مدروسة، وهذا هو المطلوب.
كيف تنظرون للجهد والحراك الدولي.. وهل تعلّقون آمالاً على مؤتمر باريس؟
- لن يكون هناك حل سياسي، ولن تذهب إسرائيل إلى أي منتدى سياسي حقيقي، لكي تبحث فيه إنهاء احتلالها.. وهي تقوم بتعميق هذا الاحتلال كل يوم، من خلال الاستيطان المتغوّل، والاستيلاء على القدس، واستمرار عزل غزة وحصارها، فإذن لماذا ستتوجه إلى مؤتمر يطالبها بإنهاء الاحتلال والحصار.. والتخلي عن طمعها وجشعها في القدس.. ومن ثم إسرائيل حاولت أن تعطل المؤتمر، ثم إن رفض إسرائيل الذهاب للمؤتمر أدى إلى سحب دعوتنا نحن أيضاً، هم لا يريدون الذهاب إلى أي مفاوضات قد يترتّب عليها أي استعدادات للتخلي عن احتلالهم وقمعهم وحصارهم، وما يقومون به من مخالفات فادحة للقانون الدولي.. وعليه، فحتى حراكنا الدولي يجب ألا يكون مبنياً على «عشم» أن يذهبوا هم إلى عملية سلام، وهذا لا يعني أن نتخلى نحن عن عملية السلام الدولية، لكن لا نتوقع أن إسرائيل ستذهب إليها إلا إذا ضُغط عليها دولياً ومحلياً، لذلك الحراك الدولي ليس لمزيد من الأفكار حول حلول سلمية، وإنما يجب أن يكون لمزيد من الضغوط على إسرائيل، لكي تقبل بالشرعية الدولية القائمة عليها أي عملية سياسية.
هذا يقودنا لحراكنا نحن.. ماذا جنينا للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي؟
- العمل الخارجي بالنسبة لفلسطين، محكوم بعدالة قضيتها، ولو أن قضيتنا ليست عادلة، لما جنينا أي نتيجة من هذا الحراك، الذي يعتمد في ظل غياب عدالة القضية على تبادل المصالح، ونحن ليس لدينا مصالح نعطيها للآخرين.
أنا أذكر السنوات الطويلة التي عملت فيها مع الرئيس الراحل أبوعمار، وكنت مستشاره للشؤون الدولية لمدة طويلة، ومن ثم أصبحت وزيراً للخارجية، التي كانت تسمى وزارة التخطيط والتعاون الدولي، لأن أميركا وإسرائيل كانتا ترفضان استخدام اسم «وزارة خارجية» ،على اعتبار أن هذا لا يكون إلا للدول، ولا ينطبق على الحكم الذاتي، لكن بالنهاية قبلوا رغماً عنهم بالخارجية، وكنت أرى في ذلك الوقت أن الحراك الدولي على المستوى الدبلوماسي، يعتمد على المصالح.. أنت لا تستطيع أن تذهب لطرف معين وتطلب منه تقديم شيء، دون أن تقدم له شيئاً مقابله، وكنا نبحث دائماً عن الشيء المقابل، وكان جزء منه هو ما نستطيع أن نقنع به أشقاءنا العرب، لتقديم شيء إلى تلك الدول التي نريد منها أن تدعمنا.
يفهم من كلامك أن الأوضاع الداخلية للدول العربية أزاحت القضية الفلسطينية لترتقي مكانها على سلّم الأولويات؟
- حتى في ظل ضعف أقطارنا العربية نحن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ولا يمكن لنا في أي لحظة من اللحظات، أن نتخلى عن مسؤوليتنا، نحن علينا أن نستمر، وفي توازن القوى بيننا وبين إسرائيل، يصعب علينا تحقيق حريتنا واستقلالنا دون أن نضيف القوة العربية إلى حسابنا.. يجب أن نستمر حتى في ظل الظروف الحالية، وستلحق بنا أمتنا العربية عندما تكون جاهزة لذلك، وسنظل ملتزمين بعروبتنا، وتجاه أشقائنا، ولا يمكن أن نتخلى عن هذا الانتماء.
والآن، في ظل اهتمام الدول العربية بأوضاعها الداخلية، نحرص على التواصل مع الأقطار التي يسودها الأمن والاستقرار، وفي مقدمتها دولة قطر، التي تصدت بامتياز لإعمار غزة، وتبذل في الآونة الأخيرة جهوداً طيبة ومباركة لتحقيق المصالحة والوحدة الفلسطينية، فالجهد القطري مُقدّر ومُثمّن إلى أعلى درجة، ولا نراه إلا داعماً لأبناء الشعب الفلسطيني، وبالذات لجزء من فلسطين يعاني أكثر من غيره، وهو قطاع غزة، الذي دُمّر تدميراً هائلاً في ثلاث جولات من العدوان الإسرائيلي الإجرامي، ولم يجد غير قطر لتعيد له الحياة، فلدولة قطر بأميرها وحكومتها وشعبها، كل الشكر والتقدير.
المؤتمر السابع لحركة فتح كان الحدث الأبرز محلياً.. وكما قال الرئيس الفلسطيني: «انتهينا من الجهاد الأصغر وسننتقل للجهاد الأكبر».. ماذا عن الجهاد الأكبر؟.
- ما تم في مؤتمر حركة فتح، هو بداية الانطلاق إلى الديمقراطية الفلسطينية، من خلال دعوة ممثلي حركة فتح في كل مكان، والخروج بقرارات ومواقف، لتقول للعالم إنه ليس الرئيس فقط هو من يقرر، ومن ثم كانت خطوة بداية للعمل الديمقراطي الفلسطيني، وبالتأكيد خسارة الديمقراطية هي خسارة فادحة، والانقسام الفلسطيني صعّب علينا عمل انتخابات مركزية تشريعية ورئاسية، ولذلك نحن ركضنا عندما وافقت حماس على الانتخابات المحلية، لكن للأسف المحكمة العليا أصدرت قرارها بتأجيل الانتخابات، وهو قرار خاطئ.
الخطوة الأولى في الجهاد الأكبر هي أن نتغلب على كل الاختلافات ونذهب إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهذه الوحدة تقودنا إلى الانتخابات، وهذا يقودنا إلى تعبئة جماهيرنا شعبياً باتجاه المقاومة والمواجهة، وبدون شك الموضوع الاقتصادي أيضاً مهم، وأنا سعيد أن الأخ الرئيس أبومازن تبنى بعض المشروعات التي كنت أطالب بها دائماً، ومنها التحول من الكهرباء التقليدية إلى الطاقة الشمسية، والاستعانة بالأطباء الفلسطينيين في العالم لبناء قدرة صحية تستغني عن المستشفيات الإسرائيلية، ومن ثم هناك خطوات اتُخذت من أجل تقليص الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية علينا.
مطلوب أيضاً التخلي عن «الشيكل» والذهاب إلى الدولار أو الدينار، إذا لم نتمكن من التعامل بالجنيه الفلسطيني، واتفاقية باريس تعطينا الحق بهذه العملات، فيجب الاستغناء عن الشيكل، وتنمية قطاع الزراعة بمضاعفة الأموال الموجهة لهذا القطاع، ومن ثم ينتهي الاعتماد على الفواكه والخضروات والأجبان والألبان الإسرائيلية.. هناك عدة أمور يجب القيام بها كي نكون جاهزين للجهاد الأكبر، وإذا تمت هذه الأمور سوف توحد الشعب الفلسطيني، وتعطيه دفعة قوية للأمام، وستقلص الهيمنة الإسرائيلية، وإذا تم ذلك كله، سنصعد النضال الشعبي السلمي، بكل أشكاله المبدعة والمبتكرة، وهناك أدوات عديدة للضغط على إسرائيل، ولتعبئة جماهيرنا في التصدي للاستيطان، وجدار الفصل العنصري، والدفاع عن الأرض، والوقوف إلى جانب الأسرى، الذين يقودون العمل الشعبي أحياناً «هم داخل الأسر، ونحن خارج السجن.. وهم أحرار أكثر منا».. النضال الشعبي المتصاعد والشامل، يجب أن نوجهه في مدارسنا وفي كل مكان، طالما لا يمكننا القيام بالكفاح المسلح الصعب علينا في هذه المرحلة.. الكفاح المسلح الناجح الوحيد الذي عملناه، كان بالنموذج الفيتنامي والجزائري، عندما كنا خارج الوطن، ومن ثم كانت القواعد على حدود الوطن، وعندما كان يدخل الفدائيون يجدون من يرعاهم ويأويهم، فينفذوا عملياتهم ويعودوا، ومن ثم عندما تسأل لماذا توجهنا للكفاح المسلح حينها، ويصعب علينا الآن، لأنه لا يوجد لدينا حالياً قواعد في الخارج، لذلك أنا مع الكفاح الشعبي والمواجهة الشعبية بكل الأشكال السلمية في مواجهة إسرائيل.
لنبقى في موضوع المقاطعة.. هل تسير الأمور كما يجب في هذا الاتجاه؟
- بكل صراحة نحن لا نقاطع إسرائيل، نطالب العالم بمقاطعتها ونحن لا نقاطع.. ومثال على ذلك كان هناك شركة «أورانج» الإسرائيلية للاتصالات، في آخر حرب على غزة، أرسلت وحدات من طرفها لتمكين الجنود الإسرائيليين، كي يبقوا على تواصل مع عائلاتهم، وهم يدمرون غزة، فأرسلت لهم ترددات ومقويات جديدة، وتبرعت لفيالق الدبابات الإسرائيلية.. أليس من العيب ألا نقوم بمقاطعة شركة «أورانج»؟.. لهذا السبب أقول إن هناك الكثير مما يمكن مقاطعته، ويستند على الشعارين التاليين: «لا نشتري ما يمكن الاستغناء عنه، ولا نشتري ما يمكن إحلال بديل عنه»، البديل الفلسطيني هو رقم (1)، ويجب أن يعمم هذا في مدارسنا، ومناهجنا، وإذا لم نجد البديل الفلسطيني هناك البديل العربي، وإذا لم نجد فهناك التركي والصيني، أو الأجنبي، فإن لم نجد ويمكن الاستغناء عن هذه السلعة كلياً، فلا داعي لها، ومن ثم يجب أن تكون هناك حركة مقاطعة حقيقية وداعمة، بحيث تدفع إسرائيل الثمن.. إسرائيل منعت دخول الألبان والأجبان الفلسطينية إلى القدس، وعندما هددنا بمقاطعة الألبان الإسرائيلية في الضفة، فوراً تراجعت وفتحت الباب أمام منتجاتنا، هذا هو الجهاد الأكبر وهو الجهاد ضد النفس، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم.. نحن قادرون على مواجهة إسرائيل بأدوات تضغط عليها، وتجعل هناك تكلفة كبرى لاحتلالها، علينا أن نراجع كل اتفاقياتنا معها، ونرى أين الاتفاق الذي نستطيع تعديله لحسابنا، أو نتوقف عن تنفيذه لحسابنا، من غير «طفولة أو مراهقة» كأن يأتي من يقول يجب إلغاء كل اتفاق أوسلو، ومن ثم علينا التفكير بطريقة كيف نبني على هذه المقاطعة ونصعدها، بحيث يكون الشعب مستعداً لتحمل بعض التضحيات، ويكون هناك اقتصاد محلي نستطيع أن نستفيد منه، ونستغني عن الاقتصاد الإسرائيلي، وهناك أشياء كثيرة يمكن القيام بها، إذا وضعنا في حسابنا أن الاعتماد على الذات هو المنطلق الأول، وهذا أيضاً من الجهاد الأكبر.. يجب أن نعوّد أنفسنا أن الأولوية الأولى في حياتنا هي مواجهة إسرائيل وإنهاء احتلالها.
copy short url   نسخ
21/01/2017
2859