إسماعيل الصمادي .. لا تتركوني وراء المساء وحيداً

سأَخرجُ فيكمْ خلاصا
فهيا انحروني
ولا تتركوني وراءَ المساءِ وحيداً
يجيءُ المساءُ.. ويبكي
على شرفةِ اليومِ.. يبكي
ويشربُ ملحَ الدموعِ.. ويبكي
فهيا انحروني
ولا تتركوني
ذئابُ الكلامِ تشمُّ قميصَ الجراحِ
وناقوسُ خوفي يدقُ الهباءَ
فلا تتركوني بقاعِ الفناءِ لدلو السرابِ
ولا تختنوني بإثمِ سوايَ
ولا تبدلوني بشاةٍ
وهيا انحروني
وموتوا جميعاً
فلستُ أُطيقُ الوداعَ البطيءْ
***
قلت لكم انحروني قربانا
فلما أخذتموني إلى صحراء بعيدة
طعنتموني دون أن تجهزوا عليّ تماما
تركتموني كخديج الإبل على الرمال الملتهبة الخشنة،
تركتموني وعدتم أدراجكم إلى كنف خيمتكم في الفردوس البعيد
كي تضعوا اسمي الطويل على مائدة الطعام
وتقطعونه بالشوكة والسكين،
وتمضغونه حرفا.. حرفا..
وتمسخون وجهي على المرآة
وتشنقون ظلي في الساحة العامة
* * *
إذا كان المرء قادر على الغفران،
فهل هو قادر على النسيان..؟!
هل يستطيع المرء أن يبقى على الدوام يهدهد لذاكرته، دون أن يغفل عنها..؟!
فيا أيها الحب
لا تترك لذاكرتي برهة كي تقيم أمواتها..
لا تترك لذاكرتي برهة تتكسّر فيها أقدام الليل وهو يمضي متخبطا فوق كثبان الرمال في الصحراء البعيدة النائية
* * *
لماذا أخذتم الكلام من أذنه،
وقدتموه إلى المنبر،
لتقولوه ما لم يقل..؟!
إذا كانت الأعمال بالنيات،
فالأقوال في ضميرها،
والمعاني في وجدانها
وإذا كان السراب قادر على خديعة الكثيرين،
فقليلي الفطنة فقط هم الذين يلهثون وراءه
إذا كان للمبنى الكثير من المعاني،
فالهدم ليس له سوى معنى واحد هو الإلغاء
* * *
خطأي قول عابر دبّجه سوء فهم..
ابحثوا في ضمير خطئي..
ستجدون فيه فضيلتي.. ومحبتي..
وهذا هو عزائي أمام مرآتي
رب أغفر لهم أفعالهم..
لأنهم لا يعلمون ما يقولون، ويفعلون..
لأنهم لا يعلمون أنهم لا يعرفون سوى قراءة الكلام، لا المعاني
لأنهم لا يعلمون أن معنى الكلام بما ليس فيه..
معنى الكلام في ضميره.. لا في منطوقه
معنى الكلام العميق فيما يخفيه.. لا فيما يستظهره
* * *
إذا ما أنا كنت قد أخطأت..
فقد تركت كلامي يطوف حول معانيه..
تركت كلامي يسعى بين الوضوح.. والصراحة..
تركت كلامي يقف على المنبر، ويتلو عظته
تركت كلامي يقدم معانيه قرابين اعتذار
أما أنتم فقد استمرأتم أخطاءكم على غير ما جبلتم وتربيتم عليه