+ A
A -
بيروت- الوطن- نورما أبو زيد
ترتدي زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون إلى قطر، أهمية كبرى وطابعاً مميّزاً، لكونها ثاني زيارة خارجية لعون بعد المملكة العربية السعوديّة الشقيقة، وهذا دليل على أهميّة ومتانة العلاقات اللبنانيّة- القطريّة، ومن المتوقّع أن تفتح هذه الزيارة صفحة جديدة من التعاون بين قطر ولبنان، وأن تؤدّي إلى قفزة نوعيّة في مسيرة العلاقات بين البلدين.
يحمل الرئيس الضيف إلى الدوحة التي يزورها اليوم عدّة ملفات ستكون محور بحث مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدّى، أبرزها المسائل المشتركة بين البلدين، والتعاون في المسارات الاقتصاديّة والاستثماريّة، وهذه الزيارة تأتي تتويجاً للعلاقات القديمة بين البلدين، التي دعّم ركائزها سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي قدّم دعماً منقطع النظير للبنان.

تاريخ العلاقات
لقد بدأ تبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وقطر في العام 1972، بتأسيس أوّل سفارة للبنان في الدوحة، وأوّل سفارة لقطر في بيروت، وابتداءً من العام 1995، تاريخ تسلّم سمو الأمير الوالد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم، شهدت العلاقات اللبنانيّة- القطريّة تطوراً نوعياً، بلغت قمّتها مع فورة الإعمار التي شهدتها قطر بحلول العامين 2004 و2005، بحيث فُتح الباب واسعاً أمام الشركات اللبنانيّة للمساعدة في عملية الإعمار، وتعدّى عدد اللبنانيين المقيمين في الدوحة الـ 80 ألف لبناني، وهو رقم قياسي، وكان اللبنانيون في الدوحة وما زالوا موضع رعاية شاملة، الأمر الذي جعل الحضور اللبناني مميّزاً.
أبرز أوجه احتضان الدوحة للحضور اللبناني، تمثّل بتكفّل دولة قطر ببناء المدرسة اللبنانية، ومن ثمّ تكفّلها ببناء السفارة اللبنانية.
دعم قطري متعدّد
خلال «عدوان تموز/ يوليو» في العام 2006 وفي السنوات التي أعقبته، رأت قطر في لبنان رمزاً للقوّة والكرامة والصمود، ومثالاً حيّاً في تحرير الأرض ومقاومة المحتلّ، وهذا الواقع حثّ الدوحة على تقديم كلّ أشكال الدعم للبنان، منطلقة من تعليمات سمو الأمير الوالد وتوجيهاته، وقد ساهمت توجيهات سموّه بشدّ أواصر العلاقات بين البلدين على مختلف المستويات، وأعطت لبنان وضعاً تفضيلياً مميّزاً في إطار العلاقات الثنائية.
البداية كانت في المحافل الدولية، بحيث لعبت الدبلوماسيّة القطريّة دوراً محورياً خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006، ونجحت من خلال هذا الدور بتعديل بنود القرار الدولي 1701 الذي قضى بوقف النار، لكي تتوافق بنوده ومصلحة لبنان، وبعيد العدوان مباشرة فاجأ سمو الأمير الوالد، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لبنان والعالم بزيارة تاريخية إلى ضاحية بيروت الجنوبيّة، ليكون الزعيم العربي الوحيد الذي يزور بيروت قبل أن تنفض غبار العدوان الإسرائيلي عنها، ويعلن تضامنه مع لبنان وشعبه، إضافة إلى مشاركة كتيبة قطريّة في «قوات حفظ السلام» في جنوب لبنان.
دبلوماسيّة قطر الذكيّة التي كانت محطّ إعجاب وتقدير اللبنانيين في حينها تحدّث عنها النائب أحمد كرامي، الذي قال إنّ «الدور الذي لعبته دولة قطر في قيادة الدبلوماسيّة العربيّة آنذاك في المحافل الدوليّة، مكّننا من تسجيل المطالب اللبنانيّة في القرار 1701، وشكّل تسجيل هذه المطالب انتصاراً للدبلوماسيّة القطريّة وانتصاراً لنا كلبنانيين».
وعلى صعيد متّصل بالدور الذي لعبته قطر خلال عدوان تموز وبعده، نوّه كرامي بمشاركة قطر في قوات حفظ السلام «اليونيفيل» لمساعدة لبنان على الوفاء بالتزاماته تجاه القرار 1701» وقال إنّها «الدولة العربيّة الوحيدة التي شاركت في قوات حفظ السلام، ونحن ثمّنا ذلك عالياً في حينها».
تضامن قطر مع لبنان لم يقتصر على الوجه المعنوي، بل حمل وجهاً مادياً أيضاً، بحيث تكفّلت الدوحة بعيد وقف إطلاق النار مباشرة بإعادة إعمار القرى والبلدات الجنوبية التي دمّرتها آلة الحرب الإسرائيليّة، وتولّت ما بين 2006 و2010 إعادة إعمار 12 ألف وحدة سكنيّة كانت هدفاً للنيران الإسرائيليّة، في حملة تولّتها فرق تحت إشراف قطر، سلكت عبرها الأموال طريقها بشكل مباشر من الدوحة إلى الجهة المتضرّرة، ليدشّن بعد ذلك سمو الأمير الوالد إنجاز إعادة الإعمار الضخم بزيارة تاريخيّة ثانية إلى لبنان في صيف العام 2010، ولكن هذه المرّة الوجهة كانت جنوب لبنان، وحملت زيارته أكثر من رسالة إلى إسرائيل التي تحتلّ الأراضي الفلسطينيّة.
احتواء الأزمة الداخلية
بعد مساعدة لبنان على احتواء إفرازات عدوان العام 2006 في المحافل الدوليّة كما في إعادة إعمار ما تهدّم، وصل الدعم القطري إلى حدود احتواء الأزمة الداخلية التي عصفت بلبنان كواحدة من إفرازات حرب العام 2006، عبر استضافة «مؤتمر الحوار الوطني» في الدوحة عام 2008 الذي أنتج اتفاقاً سياسياً على انتخاب رئيس للجمهوريّة وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة.
بالنسبة لرئيس حزب «الناصريين الأحرار» الدكتور زياد العجوز، «اتفاق الدوحة منح قطر سمعة عالميّة، واحتلّت الدوحة من خلال أدوارها في لبنان ووساطاتها الأخرى مكانة مرموقة وباتت موضع اهتمام عالمي، وتحوّلت في تلك الفترة إلى طاولة لفضّ النزاعات في المنطقة ككلّ، من لبنان إلى اليمن وإلى دارفور وليبيا والعراق وفلسطين والسودان».
ولفت العجوز إلى أنّ «اللبناني لا يمكن أن ينسى الإسهامات القطرية في لبنان»، ونوّه بالدبلوماسية القطرية التي «تعتمد على القوّة الذكيّة التي تجمع ما بين القوّة الناعمة والقوّة الصلبة»، ورأى أنّه «نادراً ما تتمكّن دبلوماسيّة من الجمع بذكاء بين الضمير الإنساني والقوّة، ودبلوماسيّة قطر تمكنّت من ذلك».
إسهامات قطر في تلك الفترة لم تقتصر على الدبلوماسيّة بل طالت الحياة الثقافيّة أيضاً، إذ ساهمت بمشروع النهوض بالمكتبة الوطنيّة التي تأسّست في العام 1921، من خلال هبة قدّمها سمو الأمير الوالد في العام 2006.
تعزيز قدرات لبنان
الصفحات المشرقة في كتاب العلاقات اللبنانيّة- القطريّة كثيرة، وقد شهدت العلاقة بين البلدين بعد العام 2010 فصلاً آخر، عنوانه تعزيز قدرات لبنان في مواجهة الأعباء المترتّبة عليه جراء النزوح السوري الكثيف إلى الأراضي اللبنانية، من خلال تقديم الديوان الأميري مساعدات مباشرة للنازحين السوريين إلى لبنان، وقد ساعدت هذه المساعدات التي تعاقبت خلال سنوات الأزمة السورية على تحمّل لبنان تداعيات الأزمة السوريّة اقتصادياً وأمنياً، وأزاحت عبئاً مالياً كبيراً عن كاهل لبنان، بحيث تنوّعت هذه المساعدات بين المأكل والملبس وكسوة الشتاء وإفطارات رمضان والمعاينات الطبية والأدوية من خلال مستوصفات ثابتة وأخرى متنقلّة إضافة إلى دفع بدلات السكن لبعض الحالات.
مساعدات قطر للنازحين السوريين إلى لبنان كانت طيلة السنوات السابقة محطّ شكر اللبنانيين لاسيّما منهم أبناء الشمال حيث تتركّز المساعدات القطرية على الكتلة البشريّة الأكبر المتواجدة هناك، وقد علّق النائب أحمد كرامي على المساعدات القطريّة بالقول «إنّها نجّت لبنان من انفجار اجتماعي كان حتمياً لولا تدفّق المساعدات الذي تزامن مع تدفّق النازحين».
إطلاق سراح المختطفين
في العام 2013، ذهبت قطر إلى لعب دور مختلف عن أدوارها السابقة في الساحة اللبنانيّة، بحيث ساهمت في شهر أكتوبر في الإفراج عن عدد من الموقوفين اللبنانيين في مدينة أعزاز السوريّة، بعد سنة ونصف السنة على اختطافهم، وقد عكست هذه المبادرة القطريّة دعم قطر المتواصل لقضايا لبنان، كما ونجحت الوساطة القطريّة في إطلاق 16 جندياً لبنانياً كانوا مختطفين لدى «جبهة النصرة» في العام 2015.
في 31 أكتوبر الفائت، بعيد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة، كانت قطر من أوّل المهنّئين بوصوله إلى سدّة الرئاسة ووضع حدّ للفراغ في رأس الجمهورية، وقد زار وزير خارجية قطر، سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بيروت، ليعرب للرئيس المنتخب عن تهنئة الدوحة له، وقد اعتبر لبنان أنّ الزيارة هي لفتة كريمة وعربون محبّة وتضامن من دولة قطر، وأفصح الوزير خلال زيارته عن استعداد قطر لتقديم كافّة أشكال الدعم للبنان، كما ووجّه دعوة للرئيس اللبناني لزيارة قطر، يلبّيها الرئيس اللبناني الآن، وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة سلسلة من الزيارات الرسميّة الرفيعة المستوى بين البلدين، أدّت إلى توقيع اتّفاقيات وبروتوكولات عديدة تناولت جوانب مختلفة.
النائب في البرلمان اللبناني أنطوان سعد، توقّف عند زيارة الرئيس ميشال عون إلى دولة قطر بالقول: «حسناً فعل الرئيس باتّخاذه قرار زيارة المملكة وقطر في أولى زياراته الخارجيّة»، وأشار في هذا الإطار إلى أنّ «البلدين لهما أياد بيضاء في لبنان»، ورأى أنّ «الحدث كبير من الناحية المعنويّة، وآثاره مهمّة للمرحلة الحالية وللمرحلة المقبلة، لأنّه يعيد المناخات إلى سابق عهدها بين لبنان الرسمي ودول مجلس التعاون الخليجي، ولكن التحدّي الأكبر الذي يواجهه عون في مرحلة ما بعد الزيارة يكمن في كيفيّة إقناع «حزب الله» بتجنيب لبنان واللبنانيين مزيداً من الخضّات في العلاقة مع دول مجلس التعاون».
أمّا الدكتور العجوز، فيرى أنّ «الرئيس اللبناني يقدّم نفسه خلال زيارته الخليجية بصورة الرئيس الوسطي، لأنّه يعرف أنّ إيران و»حزب الله» لا يمتلكان كلّ مفاتيج إنجاح عهده، وأنّه يستحيل عليه أن يمضي عهده بسلاسة من دون مظلّة عربيّة»، ويتّفق العجوز مع سعد لناحية «إمكانية إحباط «حزب الله» أيّ أثر إيجابي جرّاء سياساته الخارجية التي تستهدف دول الخليج».
مساهمة لبنانيّة
في الجانب الاقتصادي، لم تضئ التقارير كثيراً على حجم الحضور المالي والاقتصادي القطري في بيروت، ويتمثّل هذا الحضور في الغالب بعقارات مملوكة من أشخاص قطريين على شكل أراض ومنازل، ولكن في المقابل حجم الحضور اللبناني في الدوحة معروف، وهو يتمثّل بعدد كبير من الشركات الهندسيّة بشكل خاص، ساهمت وتساهم في نهضة الدوحة العمرانية.
وفي الجانب الاقتصادي أيضاً، وقّع لبنان وقطر عدّة اتفاقيات تناولت قطاعات مختلفة، وكانت الدوحة وما زالت تعتمد في جزء كبير من موادها الغذائية على الصناعات الغذائيّة اللبنانيّة وعلى المزروعات اللبنانيّة من خضار وفواكه.
وقد عكست زيارة الرئيس عون إلى كلّ من المملكة العربية السعوديّة وقطر ارتياحاً في أوساط الهيئات الاقتصاديّة اللبنانيّة، التي ترى أنّ لبنان لا يستطيع أن يعيش اقتصادياً من دون دول الخليج، وقد أوضح رئيس هيئة تنمية العلاقات اللبنانيّة – السعوديّة السيّد إيلي رزق، أنّ «دول الخليج تستورد من لبنان أكثر من نصف محصوله الزراعي، وحوالي نصف الصناعات اللبنانيّة»، وأضاف أنّ «الخليجيين يساهمون في أكبر المصارف اللبنانية وأكبر الفنادق»، وقال إنّ «المستثمر القطري كان سبّاقاً بالتواجد في لبنان من بين المستثمرين الخليجيين، والحكومة القطريّة كانت سبّاقة أيضاً بمدّ يد العون للبنان الرسمي والشعبي، واللبنانيون رفعوا شعار «شكراً قطر» بعد المبادرات التي اتّخذتها دولة قطر بدافع الأخوّة والتضامن».
ورجّح رزق «أن تنعكس الجولة الخليجية للرئيس عون إيجاباً على كلّ المستويات، وبخاصة على قطاع السياحة، وكذلك الاستثمارات، وغيرها من الملفات الأساسيّة التي كانت معلّقة في المرحلة الماضية، أو تمرّ بأزمات متعدّدة».
تقاطعات سياسيّة
أمّا في الملفّ الإقليمي، فثمّة تقاطعات استراتيجيّة في سياسة البلدين حيال قضايا رئيسيّة، أبرزها الصراع العربي- الإسرائيلي، وقطر كما لبنان ترى أنّ الكيان الإسرائيلي لا يمثّل خطراً على الوجود الفلسطيني وحسب، بل يشكّل خطراً وتهديداً مستمراً لشعوب المنطقة ودولها، نظراً لما تحمله إسرائيل من عقيدة عنصريّة توسعيّة، ونظراً لما تبيّته من نيات سيّئة للمنطقة وشعوبها. تتداخل المصالح وتتشابك بين لبنان وقطر في الكثير من المسارات لاسيّما المسار الأخوي الذي يعدّ الأبرز بينهما، والذي ساعد على إيجاد حالة من التعاون الوثيق وذلك عبر التشاور بين البلدين وزيارة المسؤولين المتواصلة إلى العاصمتين بهدف التشاور خلال السنوات الماضية، وإذا ما تتبّعنا مسار العلاقات اللبنانيّة- القطريّة، يمكن القول إنّ البلدين حريصان كلّ الحرص على تنميتها بطريقة سليمة وموضوعيّة، والقنوات الرسميّة بينهما تعمل وفق مصلحتيهما، متفهّمة بعمق خصوصيّة الحكم والنظام السياسي وطبيعة النسيج التاريخي والإنساني والاجتماعي والثقافي المميّز سواء للمجتمع اللبناني أو للمجتمع القطري.
copy short url   نسخ
11/01/2017
3260