+ A
A -
فن «الملحون»، من أنواع الطرب التي ابتكرها المغاربة الأمازيغ بعد أن تأثروا بالموسيقى الأندلسية خلال القرن السابع الهجري في العهد الموحدي للمغرب، فوظفوا النغمات والإيقاعات للتغني بقصائد الشعر والنثر سواء باللغة العربية الفصحى أو باللهجة الدارجة، وبدأ الملحون بالمدح النبوي ومناجاة الله ثم الرثاء، وكان له دور كبير في المقاومة ضد الاحتلال الإسباني والفرنسي والبرتغالي، وانتشر الملحون بين الناس كفن شعري وإنشادي وغنائي، موطنه الأول كان مدينتي سجلماسة وتافيلالت الأمازيغية– جنوب المغرب- ثم انتشر ليصبح فنا شعبيا تتغنى به الفرق في مختلف مدن المغرب.
وتشتمل قصيدة الملحون على كلام ينتظم، لكن في غير ضبط محكم لوحدة الوزن فيه والقافية، وتنقسم قصيدة الملحون إلى خمسة أركان، هي المقدمة، أو السرابة وهي قطعة قصيرة تؤدى على غير ما تؤدى به القصيدة، ثم الدخول، وهو شطر في استهلال القسم بدون عجز، والقسم الثالث هو الحربة، وهي اللازمة، ويؤديها الشداشة وهم جماعة المغنين والعازفين، والقسم الرابع هو الأقسام، وهي الأبيات المغناة، أما القسم الخامس فهو الدريدكة، وتختم القصيدة وتنشد على إيقاع سريع.
تراث مغربي
يقول نورالدين الشماس رئيس رابطة فناني الملحون بالمغرب لـ الوطن: إن «الملحون» فن مغربي أصيل، تمسك به أهل المغرب خلال ثمانية قرون تقريبا، وورثوه لجيل بعد جيل كما هو منذ ابتكره الأجداد الأوائل، بنفس القواعد الضابطة في الغناء والانتقال بين المقامات والوصلات، وأيضا ضوابط الأداء والتعبير من الكلام والنغم وحركات الأداء، دون التأثير بأي لون من ألوان الموسيقى الذي عرفه المغرب في ما بعد، وبقي الملحون فناً تراثيا يحاكي حياة الناس ومشاكلهم اليومية حتى الآن، وبرغم تراجع شعبية الملحون في المغرب عن ذي قبل، إلا أنه مازالت فرق الملحون منتشرة بالقدر المطمئن لبقاء هذا الفن المغربي الأصيل، كأحد أهم الفنون التراثية في المغرب، حيث تضم الرابطة ست جمعيات فنية للملحون مقيد بها أكثر من 248 فرقة شعبية كاملة ومعتمدة، بها حوالي 81 مغني «ملحون» مشهورا ومحبوبا شعبيا، يقيمون حفلات يوميا في جميع انحاء المغرب، وأيضا خارج المغرب، بالإضافة إلى أن وزارة الثقافة المغربية حريصة على إقامة مهرجانين لفن الملحون سنويا، الأول في شهر يناير من كل عام ويقام في مدينة مراكش والثاني في شهر مايو ويقام في مدينة أصيلة- شمال المغرب- كمساهمة من الدولة في تخليد هذا الفن المغربي الأصيل.
تذوق الأصالة
وتشير الفنانة حياة بوخريص، إلى أنها عشقت فن الملحون منذ الصغر لالتزامه بقواعد اللغة العربية الصحيحة في الغناء، واختيار القصائد العظيمة لعمالقة الشعر الصوفي لغنائها، وحتى اللهجة المغربية لا يتم غناء أي كلمات لا تلتزم بآداب وضوابط هذا الفن الأصيل، كذلك الموسيقى الاندلسية الأصلية التي أصر الفنانون على التمسك بها، كل هذه الأمور جعلتني أعشق فن «الملحون»، لأني وجدت فيه رسالة فنية وليس مجرد غناء للتسلية، كما عشقت في فن الملحون التمسك بالآلات الوترية والايقاعية الأصيلة والتي تضيف للكلمات العربية الفصحى نوعا من السحر الذي يصيب قلوب المستمعين قبل آذانهم، وهذا الأمر لاحظته خلال الحفلات التي أقمناها في فرنسا وهولندا واسبانيا، حيث تفاعلت الجماهير معنا بشكل كبير جدا بالرغم من ان كلمات الأغاني كانت باللغة العربية الفصحى وبالدارجة المغربية، وكان أغلب الحضور أجانب، لكنهم تذوقوا الأصالة في هذا الفن واستشعروا مواطن الجمال فيه حتى دون ان يفهموا معنى كلماته.
تمسك بالقواعد
ويضيف الفنان سعيد المفتاحي، الشهير بسفير الملحون، أن فن الملحون مازال موجودا في المغرب بسبب تمسك الفنانين به وبقواعده وأصوله وحرصهم على عدم تأثره بأي من المستجدات والتطورات الفنية في المغرب والعالم، وقمنا بالجهود الذاتية بتأسيس روابط وجمعيات لدعم الفنانين وتأمينهم قدر الإمكان، ونبحث بالتنسيق مع وزارة الثقافة المغربية سبل دعم فن الملحون على المستوى الجماهيري وإعادته إلى سيرته الأولى كفن شعبي أصيل يعتز ويفتخر به كل مغربي، كما نسعى أيضا لإنشاء معاهد لتعليم فن الملحون في مدن تطوان ومراكش والعيون، ليكونوا إضافة إلى المعهدين الموجودين حاليا في فاس ومكناس لنشر فن الملحون بين الأجيال الجديدة التي عزفت عن الفن المغربي الأصيل للتعلق بالموسيقى والأغاني الغربية البعيدة عن ثقافتنا وهويتنا وهو ما له تأثير سلبي كبير على الفن والهوية المغربية.
copy short url   نسخ
30/05/2016
1554