+ A
A -
الناقد الدكتور عماد الضمور أستاذ النقد الأدبي في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن، ناقد كرّس نتاجه النقدي حول الأدب الأردني شعرا وقصة ورواية، وخلال مسيرته النقدية رفد المكتبة الأردنية والعربية بإصدارات نقدية أغنت المكتبات، فقد صدر له: «آفاق نقدية، كتاب المراثي، مباهج النص، الإبداع المكاني في الشعر الأردني، عمان..وهج المكان وبوح الذاكرة، وضانا.. سحر المكان وتجليات الإبداع».
الوطن التقت د. الضمور وحاورته حول جوانب مهمة في تجربته النقدية، وحول على قضايا أخرى ملحة في النقد العربي.

من المعروف أن حركة التأليف الإبداعي يجب أن يواكبها حركة نقدية تقف خلفها مفسرة وراصدة لجوانبها المختلفة، ما مدى مساهمة النقد في إثراء الأعمال الإبداعية الصادرة، وهل يُسهم- أحياناً- في الحدّ من أثرها في نفوس المتلقين؟
- في الحقيقة النقد عملية سابقة ولاحقة للإبداع، فالشاعر أو الروائي هو أول ناقد لعمله، إذ إنه القارئ الأوّل له، وعند صدور هذا العمل فإنّه يصبح ملكاً للآخرين.
إذ يقوم الناقد على توضيح المعنى والمساهمة المعرفية في استقصاء جذور النص الثقافية واكتناه رؤاه العميقة وبيان رسالته الفكرية بعيداً عن المباشرة والسطحية؛ فالإبداع الأدبي حالة فكرية نفسية عميقة لا بدّ من حالة نقدية موازية لها، تعمّق من مفهوم الفن وتكشف عن جماليات النص المختلفة.
إنّ النقد ليس دراسة وتجريبا فحسب، بل هو موهبة وخبرة جمالية كذلك، يكون للمرجعية الثقافية، وعمق الرؤية والحساسية الجمالية دور مهم في إرساء معالم حالة نقدية فاعلة.
ألا ترى معي أن الأدب النسوي يُثير مجموعة من الأسئلة الإشكالية، هذه الإشكالية تقودني إلى التساؤل وأنت الدارس للنظرة التأملية في شعر فدوى طوقان، برأيك هل الأدب النسوي يعتمد على الأدب والثقافة الذكورية كما يُقال؟
- بدءاً ترفض كثير من الكاتبات التمييز بين الكتابة النسائية والذكورية، وذلك في إطار المساواة بين الكتابتين، فالأدب النسوي لا يلقى اهتماماً بمعايير الرجل؛ لأنه يعكس واقع حياة المرأة بكلّ عفوية وصدق، وهذا يجعله يبتعد عن الثقافة الذكورية إلا عندما يكون الصراع الأنثوي مع عالم الذكور، فعند ذلك تستند الكتابة النسوية في وظيفتها وتكوينها لدحض ما يكتبه الرجل من تكريس لعالم الذكورة وإلغاء لعالم المرأة.
إنّ الثقافة الذكورية تكون حاضرة بوصفها مقابلاً لأنوثة تبحث عن حريتها وتريد تحقيق ذاتها بعدما وجدت كثير من الكاتبات في الثقافة الذكورية عائقاً يمنع من تحقيق وجودها؛ فالإبداع النسوي يسعى إلى مقاومة حالة الاستلاب الفكري الذي تعانيه المرأة استناداً إلى دور رئيس تقوم به في النظام الاجتماعي بعيداً عن سلطة الرجل.
القصيدة المقاومة وشعر التصوف وكذلك ظاهرة الرثاء في الشعر الأردني، قمت بدراستهم، ما هي النتائج التي تمخضت عن هذه الدراسات المنتخبة؟
- المقاومة، والرثاء، والتصوف موضوعات يكاد يجمعها فعل الموت ولون الدم وتبعثها رؤى التحرر والانبعاث، وهي موضوعات أثيرة عند الشعراء في الأردن.
لا نبالغ في القول: إنّ خطاب المقاومة أصبح إحدى مقومات القصيدة العربية المعاصرة؛ إذ أصبح هذا الخطاب متزامناً مع الخطابات الفكرية أو الثقافية عامة. واستنبت العديد من التوجهات التي تخدم المبدعين من جهة، وتكسب اهتمام المتلقين من جهة ثانية.
وقد تمثلت المقاومة في النماذج الشعرية المدروسة من خلال المحاور التالية: ترسيخ الهوية الفلسطينية في النفوس، وتجسيد معاناة الفلسطينيين، والبعد الثوري، والأمل بالتحرير.
أمّا من الناحية الفنية فقد امتازت القصيدة المقاومة ببنائها السردي ونهجها القصصي فضلاً عن المباشرة في اللغة.
لا عجب أن تتأثر القراءة النقدية للشعر الأردني بالإرث الفكري الحضاري لحركة التصوف الإسلامية، وبيان أثرها في العمل الأدبي، مستندة في ذلك إلى الدراسات النقدية العربية الحديثة، التي حاولت الكشف عن فكر المتصوفة، ورؤاهم الفكرية، وأثرها في إبداع تجربة شعريّة معاصرة، تعكس الواقع بكلّ أبعاده الوجدانية.
وفيما يخص دراستي الموسعة لظاهرة الرثاء في الشعر الأردني، فقد وجدت أنها انعكاس للحروب والنكبات التي مُنيت بها الأمة العربية، وبخاصة المرحلة التي أعقبت نكسة (1967م) التي تعدّ من أغنى مراحل قصيدة الرثاء خصباً بالأفكار، وتعدداً في المضامين، حيث سيطرت مفردات الحزن والكآبة، وجلد الذات على الخطاب الشعري؛ لذلك أصبح النموذج الواقعي مسيطراً على القصيدة العربية الحديثة بشكل عام، يوقظ المتخاذلين، ويشدّ عزائم المناضلين، ومع أنه اختلط بالنموذج الرومانسي إلا أنّه كان لوناً مميزاً للقصيدة المعاصرة في الأردن على وجه الخصوص.
وفي جانب التجربة الشعرية كشفت قصيدة الرثاء عن خصوصية هذه التجربة في شعر المرأة، فنجدها تُظهر المعاناة، والإيغال في الحزن عند انتشار حالة الفقد إذ أظهرت النماذج الشعريّة السابقة، تميّز مجموعة من الشاعرات في موضوع الرثاء، كما في الدواوين الشعريّة لأمينة العدوان، وهيام الدردنجي، وشهلا الكيالي وسلوى السعيد.
وأفرزت قصيدة الرثاء في الأردن مجموعة من الشعراء الذين أجادوا في تصوير أحزان الأمة، وانتكاساتها المتتالية، وهم شعراء يمكن تقسـيمهم إلى فريقين: الأول وِلد من رحم نكبة فلسطين، وعاش معاناة الفقد، وألم الفراق، أمثال: عبدالرحيم عمر، وعزالدين المناصرة، ومحمد القيسي وإبراهيم نصرالله وغيرهم، ممن غلب الطابع الرثائي المتشح بالمعاناة على أشعارهم، والثاني، فريق انطلق من رسالة الالتزام بقضايا الأمة، والتأثر لانكساراتها، أمثال: خالد محادين، ومحمود التل، وحبيب الزيودي.
ومن الناحية الفكرية كشفت قصيدة الرثاء في الأردن عن توظيف واعٍ للزمن، واستغلال طاقاته الإيحائية، حيث اختلف الشعراء في موقفهم منه، فأكثرهم اتخذ موقف العداء، منطلقين من سلبية فعله، وكثافة الجراح والآلام التي تسببها حركته المستمرة، وبعضهم اتخذ موقف الباحث عن الزمن المفقود، ينشد الحقيقة، ويبحث عن عالم مثالي.
د. عماد الضمور، بوصفك ناقداً تخصصت في معاينة وتحليل الشعر الأردني، كيف قرأت اللحظة الشعرية المعاشة وخطابها مكانيّاً؟
- اللحظة الشعريّة هي لحظة تفاعلية، والمكان هو أحد المؤثرات الباعثة على تفاعل المبدع مع بيئته ووجوده الإنساني، والشاعر الأردني لم يكن بعيداً عن روح أمكنته بل قدّم في دواوينه صورة جمالية رائعة لأمكنة معشوقة وراسخة في الذاكرة، إذ تجاوزت هذه الصورة طبيعة المكان الواقعية إلى جعل المكان خيالاً تحياه الذات الشاعرة؛ ذلك أن الصورة لها قدرة على تجسيد المكان والحركة والزمان وإعادة إنتاج الفضاء المادي بطريقة جمالية، تستعين بأدوات التشكيل الفني؛ لتخلق الجديد مبرزة الإحساس بالجمال وإدراك جوهر الأشياء.
إنّ أهم ما يُميّز الخطاب المكاني عند الشعراء الأردنيين هو الطابع التصويري الذي رسم من خلاله الشعراء المكان الأردني، ممّا منح نصوصهم الشعريّة بعداً تأثيريّاً جمالياً، انتقلت عدواه للمتلقي ورؤيته الذوقية ومقاييسه النقدية في تأويل النصوص الشعريّة.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى حضور شاعر الأردن مصطفى وهبي التل(عرار) في الخطاب المكاني عند الشعراء الأردنيين؛ لما يمثله من تجربة شعريّة متميّزة منذ نشأة إمارة شرقي الأردن حتى وقتنا المعاصر، إذ أثرت قصائده الشعر الأردني بمفردات المكان النابضة بالانتماء لتراب الوطن، إذ ظهر هذا جليّاً في نتاج كثير من الشعراء، وبخاصة عبدالرحيم عمر، وحيدر محمود، ومحمود فضيل التل، وحبيب الزيودي ومحمود الشلبي، وعبدالله منصور، وسعيد يعقوب وغيرهم من الشعراء الأردنيين؛ فالمكان الأردني ملهم ومكتنز بالرؤى والأفكار.
عطفاً على ما سبق، لقد درست المكان في الشعر الأردني في كتابك «عمّان وهج المكان وبوح الذاكرة» إلى أي مدى استفدت من المناهج النقدية في تحليلك لخصوصية الشعر في المكان الأردني؟
- إنّ صورة المكان في الشعر تندرج ضمن سياق معقد تحكمه العملية الإبداعية التي تُلامس عمليتي التفسير والتأويل، ويمتد بإيحاءاته المتشابكة؛ ليكسب المعنى الشعري محمولات دلالية أكثر خصباً، لذلك فإنّ اقتصار عملية التأويل على معطى فكري محدد، يجعل من دراسة صورة المكان في الشعر دراسة ناقصة، إذ لا بدّ من إبراز جوانب أخرى ذات علاقة وثيقة تربط الشاعر بأمكنته، وهي جوانب اجتماعية ونفسية وفلسفية وتاريخية وجمالية، تمنح المكان درجة من العمق في الخطاب وتأثيراً مضاعفاً في الخيال.
لذلك لا يمكن في دراسة المكان الوقوف على منهج نقدي محدد لطبيعة العلاقة التي تربط الإنسان بالمكان، وهي علاقة ذات أبعاد فكرية متعددة، ممّا جعل دراسة الخطاب المكاني في الشعر تقتضي إدراكاً لعمق العلاقة التي يرسخها المكان في ساكنيه.
قصيدة النثر شكلٌ من أشكال القصيدة العربية، ولها حضورها اللافت في المشهد الثقافي العربي، ويُقال بأن هذه القصيدة قد أفادت الشعريّة العربية، كيف تعلّق على هذه المقولة، وأين تكمن خصوصية هذه القصيدة؟
- قصيدة النثر حاضرة بقوة في المشهد الشعري المعاصر؛ بعدما أصبح من الصعب إيجاد حدود فاصلة وثابتة بين الشعر والنثر، فكلاهما يتبطن في أثوابه جوهر الآخر، إذ تأخذ قصيدة النثر من النثر حريته، ومن الشعر فضاءاته التصويرية متجاوزة الوزن إلى مسألة الإيقاع التصويري، كما هو في قصائد أدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وغيرهم ممن كتب قصيدة النثر.
لقد أغنت قصيدة النثر الشعريّة العربية بما قدمته من تقنيات لغوية أثرت اللغة الشعريّة، وبخاصة بما تمتاز به من تكثيف وتوفره من توتّر منتج للصورة وبما تحققه من شفوية دالة، ذلك أن الكتابة تعتمد الكلام بوصفه مخزوناً لغويّاً غير منفصل عن أساسه الاجتماعي العام، فضلاً عمّا تقدمه قصيدة النثر من نماذج راقية للصورة الشعريّة بأنواعها: الذهنية، والحسيّة، والمركبة، وبما تعكسه من رؤيا ذات فاعلية إنسانية ترتبط بالموت، والولادة، وما تعكسه هذه الثنائية من حركة مستمرة تتجاوز الفكر إلى اللغة الشعرية بمجازاتها وتراكيبها المدهشة.
copy short url   نسخ
09/12/2016
2703