+ A
A -
أطلق البشر في أرجاء المعمورة عدة أسماء على النفط أهمها الذهب الأسود، البترول، القطران، الكحيل، القار، الزيت الأسود، الكاز، السائل الثقيل، وبسببه اندلعت حروب وتصارعت أقاليم وتحركت جيوش بين دول كانت تعتبر شقيقة وصديقة، كما تغيرت أنظمة وانقسمت قارات وانهارت حكومات وأغلقت هيئات رسمية وخاصة، واغتيلت شخصيات سياسية واقتصادية وإعلامية وعسكرية، فيما سيق البعض إلى السجون والمعتقلات بتهم أو بأخرى. ويعتبر القرن العشرين هو قرن النفط بكافة المقاييس.


فخلال الحرب العالمية الأولى تبين بوضوح للقادة العسكريين أهمية هذه المادة التي تحرك كل شيء على الأرض وفي البحر وساحة المعارك والتجهيز اللوجستي، كما عرف الاقتصاديون أهمية النفط للتواصل التجاري والصناعي والزراعي والسياحي والمالي والاجتماعي، فقد توسعت الموانئ البحرية والمطارات الدولية والطرق السريعة والأنفاق والجسور والصناعات الثقيلة، وتم تشييد الفنادق والمنتجعات بأعداد كبيرة، والمجمعات التجارية والأسواق، حيث انتعشت السياحة وازدهرت الأعمال المصرفية والبنوك، وتقدمت أبحاث الفضاء الخارجي، وكل ذلك بفضل مكتشفي ومستخرجي ومكرري ومسوقي النفط، كما تحركت السيولة النقدية أضعاف ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، وتحول العالم إلى بلد صغير مترابط ومتقارب على كافة الصعد، وهذه العوامل أظهرت أهمية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية، حيث ينتشر النفط القابل للتصدير بكثافة في تلك الأقاليم.
وأصبحت هذه المناطق محط أنظار العالم السياسي والمالي والعسكري.
وبدأت مرحلة الصراع والنزاعات والسيطرة والنفوذ بين الدول الكبرى والدول الإقليمية، وكانت حرب الخليج الأولى سنة 1980، وحرب الخليج الثانية سنة 1991، ثم اجتياح العراق سنة 2003 وحروب أفغانستان الأولى حتى سنة 1997، وحرب أفغانستان الثانية سنة 2001، ومؤخرا حروب سوريا واليمن وليبيا وقد حدث مشهد سياسي هام سنة 1990 حينما تفكك الاتحاد السوفياتي إلى عدة دول، حيث ظهرت دول آسيا الوسطى وشرق أوروبا وورثت روسيا الاتحادية المقعد في مجلس الأمن وحق النقض الفيتو والمحافل الدولية.
هذا وتعتبر روسيا الاتحادية واحدة من أهم الدول النفطية في العالم حيث تمتلك مخزونا هائلا من البترول والغاز الطبيعي، كما نفضت الصين غبار الشيوعية الاقتصادية بمهدها الرأس مالي وتحولت إلى الأسواق المفتوحة تجاريا، بعد أن تسلمت جزيرة هونغ كونغ من بريطانية سنة 1999، حيث حولت الأقاليم الصينية إلى النموذج الهونغ كونغي، وكذلك فعلت الهند وفيتنام واغلب الدول الشيوعية السابقة، وهنا ظهرت أهمية النفط أكثر فأكثر، وارتفعت أسعاره إلى أرقام خيالية وصلت سنة 2012 إلى 149 دولارا للبرميل الواحد، مما ساهم ببطء التنمية الشاملة في اغلب دول العالم الثالث والتي لا تملك مخزونا من الذهب الأسود، وهذه العوامل أدت بالمستهلك إلى البحث عن الطاقة البديلة خلال العقود المنصرمة مثل الطاقة الشمسية والنووية والكهربائية والهوائية والعودة للفحم الحجري وتدوير المخلفات، ثم ظهر مؤخرا في الولايات الأميركية البترول والغاز الصخري والرملي بعد اكتشاف تكنولوجيا كيميائية جديدة تساعد على الحفر في الصخور الجبلية والأودية الوعرة، وهو مفهوم جديد في عالم الطاقة جعل المعروض يتزايد حتى دخلنا في مصطلح تخمة المعروض، فانهارت الأسعار ووصلت في منتصف سنة 2015 إلى 38 دولارا للبرميل الواحد، ولكن ورغم كل ما ورد يبقى النفط السلعة الأهم في عالم الطاقة، يليه الغاز ومشتقاته، وهو إذن يستحق تاريخيا أن يطلق عليه تسمية الذهب الأسود.
الوطن الاقتصادي حصل على كتاب حديث يؤرخ لبدايات ظهور النفط في الكثير من دول العالم من بينها دولة قطر، وهو كتاب «رواد الكحيل»، للباحث الدكتور إبراهيم عبدالكريم كريديه، حيث أشار فيه إلى أن الشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني هو رائد ومؤسس صناعة النفط في دولة قطر دون منازع من الألف إلى الياء حيث كان بمثابة وزير للطاقة بالإضافة إلى منصبه وليا للعهد فقد ساعد الجيولوجيين بكافة رحلات الاستكشاف والتنقيب وسهل لهم أعمالهم ورافقهم في أغلبها، وبعد تلك المرحلة ساهم بشكل كبير في عملية الاستخراج حيث سافر بنفسه إلى عدة دول إقليمية لاستجلاب المعدات اللازمة على نفقته علما بأن جده الشيخ محمد وجده المؤسس الشيخ جاسم كانوا من الأثرياء وهذا ما ساعده لإنجاح مشروعه الطموح وهو استخراج الذهب الأسود من حقول بلاده حيث استعان بأرصدتهم المالية لتطوير مراحل الاستكشاف والاستخراج والتكرير فهو شخصيا من أشرف على بناء مدينة دخان النفطية وميناء زكريت اللوجستي البترولي وطرق المواصلات منهم إلى الدوحة.
كما يضم الكتاب صورا خاصة تنشر لأول مرة عن تاريخ صناعة النفط القطري.
ويضيف في كتابه رواد الكحيل صفحة صـ 43: «بدأت رحلة النفط في قطر بتاريخ 23/3/1922 عندما استقبل الشيخ حمد بن عبدالله بن جاسم آل ثاني الرائد المتقاعد المهندس الميكانيكي النيوزيلندي فرنك هولموز وهو ممثل هيئة المشاريع الشرقية النقابية العامة في الشرق الأوسط، ومقرها الرئيس في لندن، والمتخصصة باستكشاف واستخراج الثروات الطبيعية الذي وصل على متن السفينة الهندية التي تحمل العلم البريطاني «بانجو» قادما من الكويت يرافقه وفد من الفنيين والإداريين والحقوقيين العاملين في مجال الثروات الطبيعية»، وبالمناسبة الرائد هولموز كان من كبار الباحثين الاستكشافيين والجيولوجيين الذين عملوا على التنقيب عن القطران لفترة طويلة جدا حمل خلالها لقب «أبا النفط»، وبعد ان احسن الشيخ حمد بن عبدالله استقبالهم أسكنهم في استراحة خصصها لهم في منطقة راس بوعبود عرفت لاحقا باستراحة الإنجليز، والتي أصبحت فيما بعد مقرا لشركة نفط قطر للعمليات البرية والبحرية، ومازال موقعها هناك إلى حينه، وفي اليوم التالي بدأت الجولة الأولى من المفاوضات الرسمية في مقر الحاكم الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني بالريان حيث طلب هولمز حق امتياز طويل الأمد لهيئة المشاريع الشرقية التي يمثلها في الشرق الأوسط، ولكن الشيخ حمد بن عبدالله طلب التريث فوافقه والده الرأي، ثم اصطحبهم الشيخ حمد برحلة برية صحراوية إلى مناطق جنوب ووسط البلاد للبحث عن تشكيلة التربة وأنواعها الجيولوجية وتركيبة الطبقة الأرضية الرسوبية الأحفورية الطوبوغرافية الجيرية. وفي اليوم الرابع عادوا من جديد إلى مفاوضات حق الامتياز بمقر الحاكم علما بأن اتفاقية الخط الأحمر الاحتكارية لم تكن موجودة آنذاك وكان بإمكان حكومة قطر توقيع الاتفاقية التي تناسبها دون العودة إلى شركة «نفط العراق» ولكن الحكومة القطرية قررت التريث.
وكان هولموز قد شرح للشيخ حمد أهمية النفط وخصائصه وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانعكاساته الإيجابية على مستقبل المجتمع القطري.
وبعد مغادرة الوفد برئاسة أبا النفط البلاد أرسلت شركة الأنجلو- فارسية من ميناء بوشهر الإيراني على وجه السرعة ممثلها الخاص السير أرنولد ويلسون الذي، وصل الدوحة بتاريخ 1/4/1922 وكان في استقباله الشيخ حمد بن عبدالله وتوجه على الفور للقاء حاكم البلاد مؤكدا له حرص الشركة على توقيع حق امتياز نفطي لمدة طويلة معه، وأبلغه أن هناك وفدا رسميا سيقوم بالتنقيب والمعاينة في وقت لاحق وانه قادم لطرح الموضوع رسميا. وبتاريخ 18/4/1924 عينت شركة النفط الأنجلو فارسية المستشرق الكابتن البحري وليم ريتشارد وليمسون وكيل مفتش لأعمالها بمنطقة الخليج لمكافحة ومحاصرة تحركات الرائد المتقاعد فرنك هولموز الباحث دائما عن حق امتياز نفطي في تلك الأقاليم وذلك قبل توقيع معاهدة الخط الأحمر الاحتكارية لمنطقة الشرق الأوسط لصالح شركة «نفط العراق».
في سنة 1933 تحالفت كل من شركة نفط العراق وشركة نفط الأنجلو- فارسية في بعثة استكشافية جيولوجية مشتركة للبحث عن البترول حيث جالت في صحراء وسواحل قطر الشرقية والغربية.
وبتاريخ 13/8/1925 وقعت المملكة العراقية اتفاقية امتياز حصري مع شركة النفط الأنجلو فارسية الرائدة آنذاك بالصناعة النفطية. وبتاريخ 15/9/1925 وصل المندوب السامي البريطاني الرائد جيمس كارميشال مور من الكويت إلى الدوحة وكان في استقباله الشيخ حمد بن عبدالله ثم اجتمع مع الشيخ عبدالله بن جاسم وأبلغهم بمضمون الاتفاق النفطي الذي تم توقيعه مع الحكومة العراقية واكد لهم انه سيشمل لاحقا تحالف مجموعة شركات النفط العالمية تحت مظلة «شركة نفط العراق» وستكون من أكبر الشركات البترولية في العالم. وبتاريخ 23/1/1926 وصل إلى الدوحة المهندس البترولي كالوست سركيس كولبنكيان عراب اتفاقية الخط الأحمر الإقليمية الدولية الذي شجع بدوره الشيخ حمد على الدخول باتفاقية امتياز مع شركة الأنجلو- فارسية لكفاءتها العالية في عملية التنقيب والاستخراج.
وبتاريخ 1/2/ 1926 وصل من المنامة رئيس هيئة الباحثين الجيولوجيين الملكيين البريطانيين العسكري السابق جورج مارتن لي، وبعد لقاء مطول مع الشيخ حمد بن عبدالله استأذنه أن يسمح لبعثة ويليامسون بالحضور للقيام بما يلزم من عمليات البحث والتنقيب ورغم انه كان متشائما في إيجاد النفط بالكميات التجارية المطلوبة في دولة قطر كما ادرج في تقريره.
وبتاريخ 10/3/1926 طلب المستشرق الحاج عبدالله ويليامسون والمهندس جورج لي برسالة خطية مشتركة رسمية للشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني حق الامتياز الحصري لمدة 18 شهرا.
وقد واصلت البعثة الخاصة بشركة النفط الأنجلو- فارسية، بجولات استكشافية لمناطق الغرافة وأم صلال وأم العمد وصولا لبر الخور والذخيرة شمالا، والوكرة والوكير ومسيعيد جنوبا، والريان والشيحانية والجميلية، وصولا إلى جبل دخان، غربا.. وكانت خصائص تربة منطقة دخان الأقرب لاحتمال تواجد النفط.
وبتاريخ 9/4/1926 حاولت الشركة مرة أخرى الحصول على حق الامتياز ولكن دون جدوى. وبتاريخ 31/7/1928 دخلت دولة قطر ضمن الخط الأحمر الذي يمنح شركة «البترول التركية» والتي أصبحت لاحقا «شركة نفط العراق» حق احتكار أعمال النفط هناك، علما بأن هذا الاحتكار سقط بعد الحرب العالمية الثانية حيث تقلص النفوذ البريطاني-الفرنسي بعد دخول قوة عظمى جديدة على السياسة الدولية مثل الصين وأميركا والاتحاد السوفياتي.
copy short url   نسخ
29/05/2016
4563