+ A
A -
إسماعيل الصمادي
كما أصبحت، في الآونة الأخيرة، الوجبات الطعامية الغربية السريعة من أكثر الوجبات استهلاكا دون أن يدرك المرء ماهية البهارات التي تعطي لما يلتهم النكهة المستساغة، أصبحت مفردة ديمقراطية من أكثر المفردات استلفاظا، ورغم شيوع استخدام هذه المفردة، أو هذا المصطلح نجد أن معناه مازال غائما، وعائما، وفضفاضا في ذهنية العالم العربي، وحتى الطبقة المثقفة منهم، كما أن هناك عدم وضوح، وتميز، وتشخيص، ومقاربة بين مصطلحي، أو مفردتي الحرية، والديمقراطية.
إن الحرية، والتي هي الأم الروحية، أو الأخلاقية للديمقراطية ذات الطابع الإيديولوجي، تقف عند حدود الآخرين، وبذلك تتحدد الحرية بجدار يفصل بين طرفين متجاورين، والحرية التي يمكن لأي كيان فردي أو جماعي أن يمارسها مرتبطة بالزمان، والمكان، وبالتالي بالمجتمع، وتبعا لذلك فإن الديمقراطية أيضا مرتبطة بالزمكان، وبذلك فإن لكل مجتمع مفهوما خاصا بالحرية، والديمقراطية، ومن الخطأ فرض مفهوم الحرية، والديمقراطية لأمة ما على أمة أخرى، وهو تماما ما يسعى إليه النظام العولمي الذي تتسيد عليه قسرا الولايات المتحدة الأميركية التي تريد فرض مفاهيمها الأخلاقية، والإيديولوجية ككل، والديمقراطية بشكل خاص على مجتمعات شديدة الاختلاف عن المجتمع الأميركي من حيث تشكله التاريخي، وبنيته الأخلاقية، والدينية، والعرقية، والمجتمعية.
لكل مجتمع أخلاقياته، وسلوكياته في طرق التعبير، والديمقراطية الغربية، والأميركية على وجه الخصوص، كانت وليدة تطور حراكية تاريخية طويلة دفع الغرب ثمنا لها الكثير من الصراعات المجتمعية، والسياسية والدولية، وتوازى ذلك بظهور الكثير من رجالات السياسة والفلسفة وعلماء المجتمع على هامش هذا التطور، وهذه الحراكية التاريخية للمجتمع الغربي أبعد ما يمكن عن الحراكية التاريخية في المنطقة العربية، والشرق بشكل عام التي تعتمد في حركتها على مبادئ وقيم قبلية، وأخلاقية خاصة بها، وهذا لا يعني أن المجتمعات لا تتأثر، ولا تؤثر بعضها ببعض، ولكن من غير الممكن استيراد النظم الغربية، الأميركية وإلباسها، قسرا، كما هي دون أي تعديل على مجتمعات أخرى لها سياقات تاريخية ومجتمعية مختلفة في كثير من الأوجه، وتسوّق الإيديولوجية الغربية تصوراتها من خلال بعض الشعارات الأخلاقية الإنسانية من مثل حقوق الإنسان، وهنا لنا أن نرى أن هذه الديمقراطية الغربية ذات وجهين متناقضين تماما:
الوجه الأول ديمقراطي تطل به على شعوبها في الداخل.
والوجه الثاني ديكتاتوري متجهم تطل به على جميع الشعوب الأخرى فارضة تصوراتها قسرا، وبالقوة التي تتجاوز الضغوط السياسية والاقتصادية نحو التدخل العسكري، وبطريقة دكتاتورية، احتكارية، استبدادية، وإن أي نظام سيحاول أن يقاوم هذا المشروع التبشيري، فإن ذلك يعني بالنسبة للديمقراطية، حسب المفهوم العولمي الإمبريالي، حربا عليها، ويجب إزالته، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى فقر في التنوع الأخلاقي للنظم المجتمعية الإنسانية، وهذه النتيجة، فيما لو تحققت، ستشكل إحدى النتائج الخطيرة على التاريخ الإنساني.
ومن الأمثلة على فرض التصورات التبشيرية الغربية، وهو الحرب، والاحتلال الأميركي لأفغانستان، ومن بعدها العراق، والطريف ذكره أن النمط الديمقراطي للانتخابات العراقية قد جاء بنمط طائفي لا يتفق مع روح الديمقراطية التي بشرّت به الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يجب أن يتنبه له بعض الشخصيات السياسية، والثقافية التي كانت تبشر بالديمقراطية الغربية، والذين يمكن تقسيمهم، أو تصنيفهم إلى عدة مجموعات، فالبعض من انطلت عليه الشعارات البراقة للديمقراطية، والبعض منهم من ينضوي تحت البحث عن مصالح خاصة بهم، أو ببعض الجماعات التي ينتسبون إليها.
تعتمد الديمقراطية، في سياق تمسرحها على أرض الواقع، على حوار جدلي ما بين السلطة والمجتمع، فالسلطة، على اعتبار أنها صاحبة قرار، قادرة على تطوير أنماط معينة من التقاليد والأعراف ضمن بنية المجتمع، كما أن المجتمعات قادرة أيضا على فرض هامش من إرادتها على السلطة، وبذلك لا يمكن تطوير نمط من أنماط الحكم إلا بموافقة وقبول طرفي المعادلة، السلطة التي تمثل البنية العلوية للشعب من جهة، والشعب الذي يمثل البنية التحتية للسلطة، ولكل مجتمع طبع معين يحدد نمط هذا الجدل، فالمجتمع العنيف، مجتمع متنافر، متناقض، وبذلك لا يمكن ضبط إيقاعاته إلا من خلال سلطة حاسمة ذات بنية صلبة، وتمتلك أجهزة أكثر عنفا من عنف المجتمع، بحيث يمكن للمجتمع المتنافر أن يتموضع بين أعمدة هذه السلطة دون أن يؤدي العنف إلى انهيار المجتمع رغم التنافر في وحداته، ومن هنا، فإن لكل مجتمع طباعه الخاصة التي تبرر نمطية السلطة، وهو ما يتساوق مع مقولة: كيف تكونون يولَّى عليكم.
copy short url   نسخ
28/05/2016
1959