+ A
A -
عمان– الوطن- رانيا الهندي
قبل نحو ثلاث سنوات، خاطب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، العالم محذرا من أزمة «مياه طاحنة» سيواجهها نصف سكان الكرة الأرضية بحلول العام 2030.
لم يكن بان كي مون، الوحيد آنذاك الذي أعرب عن قلقه تجاه تنامي هذه الأزمة، فنواقيس الخطر دُقت في كل مكان ومن قبل مختلف المؤسسات الدولية والإقليمية والوطنية التي حذرت من خطر تلاشي حياة ثلث سكان العالم منهم مليون طفل يقضون كل عام عطشى، أو بسبب الآفات الناتجة عن تلوث المياه وانعدام إمداد الصرف الصحي.
تعد مشكلة المياه من أصعب التحديات التي واجهت وتواجه صانعي السياسات، فتشعباتها قد تغير المشهد السياسي في العالم كما المشهد الاقتصادي، فماذا يعني نقص المياه؟ وما هي أسبابها؟ وما هي التداعيات التي تخلفها ندرة المياه على دول العالم قاطبة؟
تعني أزمة أو شح المياه، حالة الموارد المائية في العالم بحسب الطلب البشري عليها.. ويتم تعريف ندرة المياه بطرق عدة، فالندرة المائية هي عدم وجود ما يكفي من المياه لتلبية الطلب، وتشمل أعراضها التدهور البيئي الشديد، انخفاض في مستوى المياه الجوفية، وعدم المساواة في توزيع المياه.
أزمة المياه بالأرقام
تشير إحصائيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى إن نحو 1.2 مليار نسمة، أو ما يقارب 1/5 سكان العالم يعيشون في مناطق تعاني من نقص حاد من المياه.. بينما يواجه نحو 1.6 مليار آخرون ما يسمى بـ«اقتصادات شح المياه».
ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءاً مع استمرار النمو السكاني، تغير المناخ، وعدم الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة في مجال المياه.
وبينما يرجح أن يرتفع عدد سكان العالم، وفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة من 7 مليارات حاليا إلى 9.1 مليار بحلول العام 2050، فإن الطلب من المستهلكين وقطاع الصناعة والزراعة سيخضع الموارد المائية «المحدودة» لمزيد من الضغوط.
ولمعرفة ندرة المياه، يقيس علماء المياه عدد السكان مع حجم المياه المتاحة، ووفقاً للأمم المتحدة فإن وصف المنطقة التي تعاني من الإجهاد المائي، يكون عندما تنخفض إمدادات المياه السنوية لأقل من 1.700 متر مكعب للشخص الواحد، أما المنطقة التي تواجه ندرة في المياه فتكون تلك التي تنخفض إمدادات المياه فيها لأقل من 1000 متر مكعب للشخص الواحد، أما الندرة المطلقة في المياه فهي تلك التي تنخفض الإمدادات لأقل من 500 متر مكعب في السنة.
وعادة ما يدعو الخبراء إلى ضرورة إقرار حد أدنى للمياه المتجددة لكل نسبة من السكان، قبل الخوض في تفاصيل هذه القضية «الشائكة» ثم تصنيف الدول التي تمتلك الحد الأدنى من المياه على أنها تعاني من «نقص في المياه» .
إذ يخلق نقص أو ندرة المياه، شعوراً لدى الدول بأنها «غير حصينة وغير آمنة» مما يضطرها إلى البحث عن أمن مائي أفضل، متحدثا عن أبرز المظاهر التي يحدثها نقص المياه كالجفاف الذي يتسبب في قتل الماشية والمحاصيل الزراعية، وقد يتعدى الأمر إلى زوال قطاعات اقتصادية تعتمد على المياه مثل الزراعة والتي بدورها تعتمد على الري وطاقة الكهرباء والصناعة والسياحة.
وتعد الزراعة من أكثر القطاعات كثافة في استخدامات المياه، إذ تمثل حالياً أكثر من 90 % من إجمالي الاستهلاك.. وعادة ما تكون استخدامات المياه في الزراعة غير فعالة مما يؤدي إلى إساءة استغلال موارد المياه الجوفية، فضلاً عن نضوب التدفق الطبيعي للأنهار الرئيسية، في حين أن تزايد عدد سكان العالم يزيد الضغط على موارد الأراضي والمياه، والنمو الاقتصادي.
إن اقتصاديات شح المياه تحدث، عندما يكون هناك نقص في استثمار الإدارة السليمة لتلبية الطلب من الناس الذين لا يملكون وسائل مالية لاستخدام مصادر المياه أو بناء البنية التحتية المناسبة. فعلى سبيل المثال، في منطقة آسيا والمحيط الهادي والتي يسكنها نحو 60 % من سكان العالم، إلا أنها لا تملك إلا 36 % من الموارد المائية العالمية
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة، فإن استخدام المياه العالمي نما بمعدل يفوق ضعف معدل الزيادة السكانية في القرن الماضي.
وعلى الرغم من أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي موطن لنحو 60 في المائة من سكان العالم، إلا أن لديها 36 % فقط من موارد المياه العالمية. في العام 2009 كانت حصة الفرد من المياه نحو 2970 متراً مكعباً، ورغم أنها ليست علامة على ندرة المياه، إلا أنها لا تزال أقل من نصف المعدل في العالم والبالغ 6236 متراً مكعباً سنوياً.
وتعاني أجزاء من شمال الصين، والهند، وباكستان، من شح على الصعيدين المياه والاقتصاد.. في المقارنة، فإن متوسط كمية المياه المتاحة للفرد في أميركا اللاتينية 7200 متر مكعب و2466 متراً مكعباً في منطقة الكاريبي.. فيما تعد 66 % من إفريقيا قاحلة أو شبه قاحلة، وأكثر من 300 مليون شخص في جنوب الصحراء الكبرى يعيشون على أقل من 1000 متر مكعب من الموارد المائية.
في المقابل، تمتعت كل من أميركا الشمالية وأوروبا بشكل جيد بموارد المياه المتجددة. كندا والولايات المتحدة لديها نحو 85310 و9888 متراً مكعباً للشخص الواحد، على التوالي. في حين أن أوروبا لديها 4741 متراً مكعباً للشخص الواحد.. والناس في هذه المناطق تستهلك قدراً كبيراً من المياه التي تستخدم في إنتاج السلع والمنتجات خاصة الزراعية مثل الحبوب، والتي يمكن تداولها.. وفقاً للأمم المتحدة، فإن كل شخص في أميركا الشمالية وأوروبا (باستثناء دول الاتحاد السوفياتي السابق) يستهلك ما لا يقل عن 3 متر مكعب يوميا من المياه الافتراضية في المواد الغذائية المستوردة، مقارنة مع 1.4 متر مكعب في اليوم في آسيا و1.1 متر مكعب يومياً في إفريقيا.
ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، فإن استخدامات المياه في العالم نما بمعدل أكثر من ضعف معدل الزيادة السكانية في عدد سكان العالم في القرن الماضي، مما أدى لمزيد من الضغوط على موارد المياه العديد والأراضي، النمو الاقتصادي والثروات الفردية التي دفعت لتحول الناس من تناول الوجبات الغذائية النشوية إلى تناول اللحوم ومنتجات الألبان والتي تتطلب عادة المزيد من المياه.. فعلى سبيل المثال، إن إنتاج كيلوغرام واحد من الأرز يتطلب نحو 3500 لتر من الماء، بينما يحتاج كيلوغرام من لحم البقر إلى 15000 لتر من المياه.
وقد كان لهذا التحول الغذائي أكبر الأثر على استهلاك المياه على مدى السنوات الثلاثين عاما الماضية ومن المرجح أن تستمر لفترة طويلة من منتصف القرن الحالي، وفقاً لـ«الفاو».
وبموجب السيناريو الذي يفترض زيادة كفاءة استخدام الطاقة من وسائل الاستهلاك، يقدر مجلس الطاقة العالمي أن الاحتياجات المائية لإنتاج الطاقة يمكن أن ينخفض بنسبة 2.9 % بحلول العام 2050.
وضع المياه في الدول العربية
إقليمياً، تعاني جميع الدول العربية تقريباً من ندرة المياه، مع استهلاك للمياه يتجاوز بكثير مجموع الإمدادات المتجددة، حيث زاد عدد سكان العالم العربي وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثلاثة أضعاف إلى 360 مليون نسمة منذ عام 1970 وسيرتفع إلى نحو 600 مليون بحلول عام 2050 إن أزمة المياه التي يعاني منها العالم العربي تحديدا تعود في أساسها إلى الزيادة المطردة في عدد السكان التي يرافقها معدلات استهلاك عالية للماء والغذاء، إلى جانب وقوع معظم أراضي الوطن العربي في المنطقة الجافة وشبه جافة التي تقل فيها معدل الأمطار عن 300 مم سنوياً. وتتفاوت معدلات الأمطار السنوية بين 25 متر مكعب في الصحراء الكبرى و1.800 متر مكعب في جنوب السودان، بينما يبلغ معدل التبخر السنوى 2.250 متر مكعب لذا ففي الوقت الذي يحتل فيه الوطن العربي 9 % من مساحة اليابسة (14 مليون كم2) فإن مصادر مياهه المتجددة لا تتعدى 7 % من مياه العالم (337 مليار م3 سنوياً) هذا بالإضافة إلى المشكلات الناتجة عن تردى نوعية المياه وتلوثها في مناطق عديدة من الوطن العربي. يمكن تقسيم الموارد المائية التقليدية في الوطن العربي إلى مياه متجددة (338 مليار متر مكعب في السنة منها 296 مليار متر مكعب مياها سطحية و42 مليار متر مكعب تغذية خزانات المياه الجوفية) ومياه غير متجددة (15000 مليار متر مكعب) يستثمر منها حاليا 160 مليار م3 في السنة (140 مليار متر مكعب مياها سطحية و20 مليار متر مكعب مياها جوفية) نسبة 83 % للزراعة و12 % للصناعة و5 % للأغراض المنزلية أما المصادر السنوية غير التقليدية للمياه فتبلغ 8 مليارات متر مكعب مياه صرف معالجة و2 مليار متر مكعب مياها محلاة تنتجها 2.900 محطة. كما أن حجم الاستثمار في تنمية موارد المياه في الوطن العربي لا تتعدى 47 %، رغم الزيادة المطردة في عدد السكان واعتماد العرب على استيراد أكثر من 50 % من احتياجاتهم الغذائية، لذا فمن الأهمية بمكان أن تزيد دول النفط العربية شحيحة الموارد المائية استثماراتها في مشاريع المياه في دول عربية أخرى خصوصا في ظل وجود ملايين الهكتارات من الأراضي غير المستغلة والقابلة للزراعة، مما سيساعد على الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ويزيد الإنتاج الزراعي والدخل القومي للدول العربية الأقل ثراءً. ويشدد الرئيس السابق لصندوق البيئة العالمية، محمد العشري، في إحدى مقالاته التي تحدث فيها عن الكوارث البيئية من أن عدم اتخاذ أي خطوات ليس خيارا مطروحا، وقال: «من طبيعة البشر الانتظار حتى حدوث أزمة ليبدأ التحرك… لن يكون من الملائم الانتظار حتى تحدث كارثة هائلة حقا تعاني فيها أعداد كبيرة من الناس بلا داع».. كما ستساعد إجراءات لمواجهة المشكلات البيئية في المنطقة على التعامل مع آثار مستقبلية لارتفاع حرارة الأرض.. وقال العشري «التعامل مع قضايا المياه سيكون له فائدة مزدوجة تكمن في الاستجابة لقضايا التغير المناخي وأيضا معالجة المشكلات الناجمة عن النمو السكاني وسوء الإدارة والضعف الشديد للمؤسسات المعنية بالمياه».
copy short url   نسخ
08/11/2016
8849