+ A
A -
قالت وثيقة سرية وضعتها الولايات المتحدة إن رحيل بشار الأسد عن السلطة في سوريا متوقع في الفترة ما بين فبراير ومارس من العام المقبل 2017 أي بعد مغادرة الرئيس باراك اوباما الحكم بفترة بسيطة.
هذه الوثيقة أوردتها وكالة الاسوشيتيدس برس الاميركية الموثوقة مؤخراً، وجاء فيها انه غير معروف على وجه الدقة اليوم الذي لن يعود فيه بشار الاسد حاكماً لدمشق، فقد جاء هذا التوقع متطابقاً مع خطة وضعتها الامم المتحدة لعملية التحول السياسي التي رعتها طويلاً بموجب «تفاهمات فيينا» الموضوعة حالياً في الثلاجة، والتي شاركت في وضعها طائفة كبيرة من الدول ذات المصلحة.
وتابعت الوكالة انه في مارس «2017» سوف يتخلى الاسد عن الرئاسة وستغادر حلقته الضيقة معه وان مغادرته سيتبعها انتخابات لاختيار برلمان ورئيس جديدين في اغسطس من العام نفسه.
هذه الوثيقة تفجرت منذ شهور وقبل وقتها وانه في مارس من العام الحالي وبعد استقالة بشار، ستبدأ على الفور مفاوضات التحول السياسي بحسب الجدول الذي حدده المبعوث الدولي استيفان دي ميستورا. وكان من المفترض حسب الخطة السرية ان تدار الدولة السورية خلال فترة انتقالية، من قبل حكومة مؤقتة مكونة من لجنة امنية تضم ممثلين للاسد والمعارضة.
وكان يفترض ان يأتي بعد تشكيل اللجنة الأمنية وضع خطوات انتقالية تشمل اصلاحات كبيرة وترشيح جهاز تشريعي وبدء مؤتمر للمانحين الدوليين لتمويل التحول واعادة الاعمار. وقضت الخطة السرية كذلك انه ابتداء من مايو 2016 وعلى مدى ستة شهور من ذلك العام، ان توضع مسودة جديدة للدستور يصوت عليها الشعب في استفتاء يعقد في يناير عام 2017 وهو ما يتلوه رحيل الاسد وحلقته الداخلية تمهيداً لتسلم حكومة منتخبة تتسلم جميع الصلاحيات من الحكومة الانتخابية بعد انتخابات اغسطس المفترضة.
ولكن لم يحدث شيء؟
ولكن بعد ان دخل الصراع السوري عامه السادس في شهر مارس الماضي وسقوط اكثر من «300» ألف قتيل يحمل المجتمع كله تقريباً بشار الاسد مسؤولية هؤلاء القتلى وامثالهم من المصابين عدا ثمانية ملايين مهجر، بعد ذلك كله لم يحدث شيء وما زال الاسد في السلطة دون ان تظهر عليه علامات الرحيل، وسط تخبط روسي فاضح. فموسكو كانت قد اتفقت حول تلك الوثيقة السرية مع واشنطن، غير ان رئيس سوريا- السابقة طبعاً- بشار الاسد كان قادراً على اللعب حتى في رأس بوتين مقنعاً اياه بان من رفع السلاح في وجه النظام لا يتحدى النظام وحدة، وإنما يتحدى ايضاً المظلة الروسية التي تحميه، وانطلاقاً من هذه المعادلة الموغلة في الخطأ والخديعة تبنى الروس وجهة نظر بشار ووجدوا ان من يتحدى النظام يجب ان يقضى عليه، غير راغبين في الاقرار بان اغلبية الشعب السوري تعارض بشار الاسد ليس فقط– وهذا سبب مهم– لان 85 % من سكان سوريا سُنة يحكمون انفسهم وبلادهم انطلاقاً من هذه الاغلبية، ولكن لان بوتين نفسه يكره السُنة الذين حركوا الشيشان.
حقيقة الاغلبية السُنية لم يعطها الروس حقها ربما انطلاقاً من ذات السبب الذي جعل الاميركيين هم ايضاً يقفون إلى جانب الاقلية الشيعية في سوريا والعراق ضد الاغلبية السُنية في الأولى والسُنة الذين يشكلون نصف الشعب في الثانية.
أحداث سبتمبر
ويظهر الآن للعيان بصورة واضحة ان احداث 11 سبتمبر عام «2001» التي شهدت هجمات بن لادن وتنظيم القاعدة على برجي نيويورك قد استغلت بصورة شنيعة ادت وستؤدي إلى المزيد من سفك الدماء والتدمير على امتداد العام ويبدو ان القيادات الصهيونية لعبت دوراً قذراً وفتاكاً في اقناع الأميركيين ومن ورائهم الاوروبيين والروس بأن جماعة بن لادن التسعة عشر هم جميعا سُنة، وانهم عندما هاجموا واشنطن ونيويورك كانوا جميعا سُنة ايضاً وليس بينهم شيعي واحد، وان «15» من «19» هم سعوديون أصليون، ساعد الصهاينة على اقناع الكونغرس المؤيد لاسرائيل بكامل اعضائه تقريباً، بان سعوديين كانوا يعلمون بالهجوم الإرهابي مسبقاً، مع انه ثبت بالدليل القاطع ومن خلال تحقيق أجرته لجنة امنية تابعة للكونغرس انه لم يكن للسعودية الرسمية ولأي مسؤول سعودي صغير أو كبير علم مسبق بالهجوم، وان الرياض بالتالي بريئة تماما.
رفض الكونغرس ان ينحاز إلى الحقيقة واصدر بأوامر مباشرة «الايباك» مجموعة الضغط الموالية لاسرائيل في واشنطن، ما سمي قانون «جاستا» الذي يعطي ضحايا هجوم بن لادن الحق في مطالبة حكومة السعودية بتعويضات. والغريب اننا لم نسمع روسياً مهماً واحداً يقول رأيه في الذي جرى ضد السعودية في الكونغرس، بل سكت بوتين وصمت كبار مساعديه وكأنهم يقرون مبدأ الانتصار للشيعة على حساب السُنة، رغم ان اوباما ووزير دفاعه آشتون كارتر ومدير مخابراته جون بريتان رفضوا كلهم نهش اللحم السعودي بهذه الهمجية التي انتهجها الكونغرس بصورة لا تعادي مصالح عشرات الدول في العالم، ولكن تعادي ايضاً مصالح الولايات المتحدة ذاتها التي اصبح الآن من حق ضحايا عشرات الحروب الاميركية على الهنود الحمر والفيتناميين والعرب والزنوج والهايتيين والغراناديين والكوبيين والعراقيين والافغان، مقاضاتها في محاكمها تماماً كما تريد هي محاكمة السعوديين، مع الفارق المهم الذي يجب ان يعيه الكل وهو ان السعوديين أبرياء فيما كل الجنسيات المذكورة هم ضحايا الحروب الهمجية الاميركية.
الشيء المؤكد الذي يجب التركيز عليه هو ان بن لادن واعوانه المجرمين كانوا اعداء للمملكة العربية السعودية وللولايات المتحدة في وقت واحد، وشن داعش والقاعدة عشرات الهجمات الإرهابية ضد السعودية تماما مثلما فعلوا ضد مدن الغرب.
روسيا ليست بريئة
السعودية بريئة لكن روسيا ليست كذلك ولا الولايات المتحدة على مستويات حكومية فقد وظف بوتين حربه في سوريا منذ سبتمبر 2015 لعدة اهداف في آن واحد ومن بينها بناء قاعدة قوة لروسيا في الشرق الاوسط من منطلق إيمانه بعظمة بلاده وقدرتها- كما يظن– على مقارعة الاميركيين كقوة عظمى تملك اكبر عدد من الصواريخ في العالم 16 ألفاً. لكن الهدف الثاني مباشرة بعد تحدي واشنطن، هو إقفال بوابات الإرهاب «الجهادي» ضد روسيا، ولديه قناعة راسخة في هذا الخصوص دفعته إلى انتقاد الرئيس.
اردوغان انه يعمل على «اسلمة» تركيا وكأن تركيا ليست دولة إسلامية استردت بالفعل هويتها السُنية التي صادرها اتاتورك منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ولابد من الاعتراف بأن بوتين ينظر إلى حلب السورية كما نظر وما زال، إلى غروزني عاصمة الشيشان وإلى عواصم الجمهوريات الإسلامية في شمال القوقاز. فكل هذه الجمهوريات الفقيرة مسلمة سنية تعتبر الروس اعداء تاريخيين خاضت معهم عشرات الحروب الدامية على مدى العصور. ومن هذه الزاوية بالذات تلاحمت مشاعر بوتين مع مشاعر الغرب الذي عانى في السنوات الاخيرة من «الإرهاب الجهادي».
لهذا فإن مستقبل بشار الاسد ليس بعيدا عن هذه القراءة، فهو يصنف من خلال اختبار محسوبا على الشيعة كعلوي متحالف مع إيران منذ ما قبل اندلاع الصراع السوري قبل ست سنوات. وانطلاقا من تجربة بوتين نفسه مع القوقازيين الذين قاتلوا مع داعش وما زالوا حتى اليوم، وهم المواطنون الروس الذين يحملون جوازات سفر تطبع في موسكو، وجد «القيصر» نفسه في الملعب الغربي في تصفية الإرهاب بالذات، فهو يحاربهم كدول في حلف الناتو، ويتحالف معهم كأعداء لدواعش والقاعدة.
مع ورثة بن لادن
وهكذا تطورت الامور، أو هكذا على الاقل يفهمه الغربيون والروس فيما يتعلق بأسامة بن لادن وورثته من عشرات وربما المئات من الجماعات المسلحة التي تربط نفسها بالجهاد وأكثرهم بالواقع بعيدون عن أصوله وشروطه.
ومن هنا ايضا نجد انفسنا مضطرين إلى النظر للعراق وسوريا كإقليم واحد يعاني ذات المخاطر في وقت فتحت فيه إيران فاها على سعته لابتلاع اكبر قدر ممكن من البلدين. ولولا وجود الروس في سوريا، للحقت تلك الدولة بالعراق التي ابتلعها الفرس عن بكرة أبيها، وعينوا حيدر العبادي حارساً إيرانياً اميناً على ابتلاع العراق، وخلفاً لنور المالكي، وفي خدمته «54» مليشيا شيعية مسلحة يشرف عليها ويضمها «الحشد الشعبي» ومن بينها حزب الله وبدر وسرايا كذا وكذا وكتائب كذا وكذا والزينبيون والنجباء والطلائع والزاحفون والجند والشهداء المستعدون للموت بكلمة واحدة من الولي الفقيه.
لا خطة سرية
الخطة السرية التي وضعتها أميركا حول نهاية بشار الأسد في مارس «2017» ووافق عليها الروس، لم يعد معمولاً بها وليس هناك في الواقع ما يثبت ان فعاليتها حتى هذه اللحظة، رغم انه لا يغيب عن بال واشنطن وموسكو ان رئيساً كبشار محروق تماماً حتى لو ان رتبته بيضاء وضميره ناصع لأنه امضى ست سنوات مرافقاً لواحدة من اسوأ مجازر العصر.. علماً بأنه يتخلى قائدها عن الحكم اذا قتل في عهد رؤسائها مواطن واحد، أو انهار جدار أو تسببت حفرة شارع في مدن احد المواطنين.
في بالك عندما يكون الرئيس نفسه مداناً من قبل شعوب العالم كافة عدا الإيراني والروسي، وهو يحمل في وزره مئات الآلاف من الحيوات، عدا ملايين الجرحى والمشردين. بشار محترف في كل الاحوال وبقاؤه خزيٌ وعار معلقان في رقبة من يمكنونه من ذلك، برفقة الجماجم والاشلاء.
صحيح ان بشار انتهى ولكن بالمقابل سوريا انتهت ودول عربية اخرى انتهت هي وحكامها الذين فشلوا ان يكونوا اوصياء حتى على انفسهم. لا اظن ان بشار سيتعرف على نفسه لو نظر في المرآة، ومثله الكثيرون من قتلة شعوبهم. ستأتي الحرية في نهاية الامر على حساب المزيد من التكلفة وأنهار الدم وجثث الاطفال. سيطول الانتظار، لكن لتاريخ كل شعب حساباته ومعادلاته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
copy short url   نسخ
27/10/2016
1272