+ A
A -
عمان- الوطن- سليمان قبيلات
في الفترة ما بين أغسطس 1991 حتى يوم إعلان زوال الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر 1991 كان الروس يقفون أمام تساؤلات التاريخ التي ألقاها فجأة في أحضانهم. أما أقساها فكان عن حجم الهزات الارتدادية التي ستلي انفراط عقد الدولة المركزية.
توقع الروس انفجار كل متاعب القرون الماضية دفعة واحدة، وهو ما كان، ليس مع أوكرانيا(أوكرايينا) وحدها، بل مع جل الجمهوريات التي أعلنت استقلالها.
فجأة قذفت الجغرافيا لعناتها التي أخفاها التاريخ طويلاً.
فعلى شكل «حروب صغيرة» بدأت «الشعوب الشقيقة» في الدولة المنهارة، تصفية حسابات التاريخ.
ذلك ما حدث ولا يزال في «ناغورنو كارباخ» بين أذربيجان وأرمينيا. في حين ظلت «أوسيتيا» خاصرة هشّة في جيورجيا.
بينما كانت شبه جزيرة القرم تؤجل انفجار بركانها إلى أن شاءت التدخلات الدولية إطلاق حممه بعد نحو ربع قرن من «التعايش مع المجهول»، على حد تعبير مؤرخين روس وأوكرانيين.
يلوذ الباحث بالفضاء الجيوسياسي ليتعرف عن قرب على أسباب الأزمات التي قد تبدو مفاجئة في ثورانها.
ومن بين أحدث هذه الأزمات التي تشغل السياسة الدولية تبرز أزمة الشرق الأوكراييني وكذلك أزمة شبه جزيرة القرم بعد ضمها إلى روسيا وهو ما يعده الغرب «تغييراً فجّاً» في جغرافية القارة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، تجب مواجهته، الأمر الذي يبعث بيئات الحرب الباردة وصراع الشرق والغرب، وإن بمعطيات جديدة.

يوفر التاريخ أسانيد كثيرة لمقولة، إن روسيا هي أوكرايينا (حسب اللفظ باللغة الأوكرايينية) وأكرايينا هي روسيا، هذه حقيقة تؤكدها مسارات التاريخ بعد ظهور «كييف الروسية» أو «روسيا الكييفية» في القرن الحادي عشر لميلادي و«كييف ام المدن الروسية». تبعا لذلك يتساءل الباحث المطل على مماطلة التاريخ في الكشف عن غضب الجغرافيا ولعناتها: هل كان نيكيتا خروتشوف وليونيد بريجنيف وبودغورني قادة الاتحاد السوفياتي، روساً؟ هل كان تاراس شيفشنكو، شاعراً روسياً خالصاً؟ وهل كان سيرغي موروليوف عالم الفضاء الشهير، روسيا؟
روسيا الحديثة وشقيقتها أوكرانيا المتشكلة للتو، محكومتان بالتوافق، ذلك انهما لم تكونا إلا كذلك ولن يطول الزمان حتى تعودا كما كانتا. ذلك ما يراه مؤرخون روس وأوكرانيون، على حد سواء.
هنا؛ يبدو للساسة قول آخر، وفي التاريخ كان رأيهم هو الأهم. فكل من الحكومتين في موسكو وكييف تقولان بأحقية موقفها في النزاع الذي دخلت على خطوطه القوى الدولية التي تنازع روسيا موقفها منذ متيرنخ ونابليون حتى نظريات زبغينيو بريجنسكي وهنري كيسنجر في حشر روسيا في شرقها بصفتها «البداوة التي لم تلتحق بعد بالركب الأوروبي الحضاري».
وتظهر خريطة أوروبا، الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي تمثلها أوكرانيا، لروسيا والغرب معا. بلاد مترامية الأطراف وثروات لا تعد ولا تحصى، وقوة انتاج هائلة، لكنها بلاد «قلقة» عبر التاريخ وموزعة الهوى والهويات داخليا.
ومن وجهة نظر الحكم الروسي، أيّا كان الجالس في الكرملين، فإن أوكرانيا تعد منطقة عازلة بين روسيا وأوروبا، وبصورة خاصة مجموعة دول أوروبا الشرقية السابقة، التي انضمت الآن إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). بيد أن ما يزيد الحساسية الروسية تجاه أوكرانيا هو شرقها المنحدر من اصل روسي وشبه جزيرة القرم مقر الأسطول الروسي، ومستقر تاريخ العسكرية الروسية. فموسكو لا تنسى أن قرارا متسرعا اصدره نيكيتا خروتشوف الامين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، أواسط خمسينيات القرن الماضي، الحق القرم بأوكرانيا على الرغم من اهميتها لروسيا. كان الأمر في حينه قرارا غير ذي أهمية فأوكرانيا كانت ضمن الاتحاد السوفياتي. وإذ ذاك لم يظهر ان لهذا القرار ستكون تبعات خطيرة بعد عقود؛ فمن كان يصدق أو حتى يتخيل أن «دولة العمال والفلاحين» ستزول قبل مغيب شمس القرن العشرين.
أما الشرق الأوكراني الذي تسكنه غالبية روسية مطلقة فلم يكن يشكل أي مشكلة في الاتحاد السوفياتي السابق، حتى حانت لحظة التفكك التي أطلقت صواعق «القنابل الصغيرة» ونكأت «دمامل» كانت تنتظر التقيّح.
يعيش الروس في الشرق الأوكراني منذ قرون في مقاطعات غنية بالثروات الطبيعية والزراعية، الأمر الذي كان مبعث قلق عند النخب الحاكمة الجديدة بعد إطاحة فيكتور يانكوفيتش في ربيع 2014. شعر الروس في الشرق الأوكراني بان الحكم الجديد يستهدفهم، فوجدوا الملاذ والسند في روسيا المجاورة شرقا. ما زيد الطين بلة هو السياسة المعادية لروسيا التي بدأت تتخذ منحى مؤسسياً في التربية والتعليم والإعلام وفي قطاع الخدمات. سادت اجواء عنصرية حتى بلغ الأمر منع حكومة كييف تداول اللغة الروسية في المدارس، الأمر الذي كان بمثابة إعلان حرب على الملايين التي لا تعرف سوى هذه اللغة.
تلك الفترة المجنونة عبر عنها البرلماني الروسي فياتشسلاف نيكونوف، قائلا: روسيا كانت ضد الانقلاب العنيف (الثورة التي شهدتها أوكرانيا لإطاحة حكم فيكتور يانكونفيتش)، التي خطط الأميركيون لها على الأغلب، والذين تتركز أهدافهم في ضم أوكرانيا للناتو، وهذا خط أحمر لروسيا. وأضاف: «تعتبر روسيا ما حدث تهديدا لوجودها، وستتخذ ما يلزم لمنع حدوثه».
لحظة الوضوح النادرة، التي تحدث خلالها البرلماني الروسي، جاءت تعبيرا حقيقيا عن أهمية الشرق الأوكراني وشبه جزيرة القرم، التي تمنح الأسطول الروسي في البحر الأسود مدخلا للبحر المتوسط، وكان تحرك موسكو بشكل دراماتيكي أمراً لا مفر منه.
بنادق «الناتو» تطل على نافذة موسكو
رددت روسيا كثيرا ولا تزال ان الحكام في كييف الحالية هم مجموعة من النازيين الجدد الذين استغلوا الإطاحة بالرئيس المنتخب في العام 2014 لاجتياح شرق أوكرانيا، وطرد سكانها الذين يتحدثون اللغة الروسية، على أن المحللين يرون أن هذه هي الذريعة التي تخفي موسكو وراءها السبب الاستراتيجي الحقيقي للتدخل العسكري في القرم ومن ثم اجراء الاستفتاء الذي اسفر عن إلحاقها بروسيا باعتبارها «الوطن الأم».
في الوقت ذاته، يرى المحللون ان استعادة القرم مرة أخرى، زاد من مكاسب الكرملين، خصوصا وأن شبه الجزيرة تحظي بشعبية بين نسبة كبيرة من الشعب الروسي. فالمواطن الروسي الذي يقيم بعيدا عن القرم يردد: القرم كانت دائما أرضا روسية، والحقيقة أن سياسيا جاهلا (خروتشوف) أعطاها لأوكرانيا، وكل الحديث حول التدخل الروسي كذب.
قبل ايام، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «ان الإدارة الأميركية لدى تعاملها مع العديد من القضايا الدولية، لا تأخذ بعين الاعتبار مواقف الدول الأخرى». وأضاف «أن ذلك يتعلق بقضية توسع حلف الناتو شرقا».
بوتين أعاد إلى الأذهان أن «روسيا الجديدة التي رأت النور بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، كانت تسعى لبناء مجتمع ديمقراطي واقتصاد سوق، وكانت تأمل في أن يتعامل الغرب مع الانفتاح الروسي بالمثل. لكن الدول الغربية كانت تفكر في مصالحها القومية فقط وسعت لتفكيك روسيا على غرار الاتحاد السوفياتي. وفي هذا السياق جاء الدعم الغربي للانفصاليين في شمال القوقاز، باعتبار أن ذلك يضعف قيادة روسيا ويجعلها أكثر تأثرا بالضغط الغربي لدى حل القضايا الدولية».
وتحدث الرئيس عن محاولات الغرب لحل أزمة يوغوسلافيا بمعزل عن أي دور للرئيس الروسي بوريس يلتسين الذي كان الغرب يصفه بأنه شريك له، وعن شروع الناتو في التوسع باتجاه الحدود الروسية، وعن خروج واشنطن بشكل أحادي من اتفاقية الدفاع المضادة للصواريخ، ومواصلتها تطوير منظومة الدرع الصاروخية في أوروبا حتى بعد إيجاد حل للقضية النووية الإيرانية. ودعا بوتين الولايات المتحدة إلى العمل مع كييف من أجل تنفيذ اتفاقات مينسك الخاصة بتسوية النزاع المسلح في جنوب شرق أوكرانيا، باعتبار واشنطن الطرف الوحيد الذي يتمتع بالتأثير الحقيقي على السلطات الراهنة في كييف.
وأكد الرئيس الروسي أن مسألة تبعية القرم أغلقت نهائيا، بتصويت سكان شبه الجزيرة خلال الاستفتاء في مارس 2014، لصالح الخروج من قوام أوكرانيا والانضمام لروسيا.
وحول الاهتمام الروسي الكبير بأوكرانيا، يؤكد المحللون ان هناك أسبابا سطحية؛ تتعلق بعمق التواصل الثقافي، ورغبة موسكو في البقاء بالقرب من هذا البلد ذي التاريخ المشترك، وموطن هذا العدد الكبير من الروس، فضلاً عن الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية؛ كون أوكرانيا مصدرًا للغذاء ومعبرًا لصادرات الطاقة الروسية.
لكن هناك أسبابا أعمق؛ حسب المحللين، الذين يعتبرون أن أوكرانيا ترسم، أو تكسر، صورة روسيا كقوة عظمى، التي تبدو سيئة منذ سقوط جدار برلين.
في هذا الشان بدا لافتا ما كتبه المحلل السياسي، دان دريزنر، في مجلة فورين بوليسي: «روسيا بدون أوكرانيا دولة، لكنها بأوكرانيا إمبراطورية»، فحتى إذا لم يتمكن الرئيس الروسي من ضم أوكرانيا، فإنه يرغب في إبقائها بعيدة عن الاتحاد الأوروبي.
مؤلف كتاب «أسس الجيوبوليتيكا» المفكر ألكسندر دوغن في كتابه يذهب في اتجاه مغاير، داعيا إلى إيجاد «الإمبراطورية الروسية»، وهو يعتبر ان الفيدرالية نظام مرفوض في روسيا، كذلك فإن مفهوم «الدولة الأمة» غريب على الشعب الروسي والثقافة الروسية.
دوغن وهو يستعرض التجربة الروسية لنظام الدولة في العهدين القيصري والسوفياتي، ينتقد كلاً من هذين النظامين ويصل مع الأوراسيين الروس إلى نتيجة مفادها أن قدر روسيا الجغرافي والثقافي أن تكون إمبراطورية أوراسية.
ومفهوم أوراسيا الذي يتردد كثيراً عند المؤلف وعند كثير من الكتاب الروس بحسب المتابعين مرتبط بتقدير واقع روسيا الثقافي في كونها ليست غرباً ولا تنتمي إلى أوروبا وليست شرقاً ولا تنتمي إلى آسيا، إنها واقع جغرافي وإثني وثقافي متميز يربط بين الشرق والغرب.
«فمعركة الروس من أجل السيادة على العالم لم تنته بعد» بحسب دوغن أما الخطوات العملية لتحقيق ذلك فيرى أنها تتمثل في النقاط الأربع التالية: تجميع الإمبراطورية، العودة إلى الدين والقومية، فتح الآفاق السياسية للقدرة العسكرية الروسية، وفتح الآفاق الاقتصادية للإمبراطورية الروسية.
وهو يتحدث عن حضارة البحر وحضارة اليابسة، يشير دوغين إلى أن «الجيوسياسة جرى تنظيمها وجعلها علماً ممنهجاً منذ بداية القرن العشرين وعملت ضمن مفهومين أساسيين وهما الأكثر أهمية: البحر واليابسة. إنهما ليسا مجرد حقيقتين جغرافيتين، قوة البحر وقوة اليابسة، هما نوعان مختلفان من الحضارات، ولا يقتصران على الجغرافيا. وما هي قوة اليابسة؟ إنها الحضارة التقليدية. وما هي قوة البحر؟ إنها الحضارة الحديثة».
وفي هذا السياق عندما يأخذ الجيوسياسيون التاريخ الاستراتيجي للعالم بعين الاعتبار خلال القرنين إلى الثلاثة الماضية فقد أبدوا رأيهم بأن قوة البحر هي بريطانيا العظمى، وفي الجزء الثاني من القرن العشرين هي الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل مجتمعاً حديثاً ليبراليا فردياً نموذجياً، بينما قوة اليابسة هي روسيا. واستناداً إلى هذا التعريف للقوتين المتضادتين الأكثر أهمية في التاريخ الاستراتيجي فإن العلماء الجيوسياسيين المختصين توصلوا إلى أن هذه الهوية الجيوسياسية لقوة اليابسة (روسيا) أو القوة البحرية العائدة للبحر لهي أكثر عمقاً وأهمية من الشكل الإيديولوجي. روسيا تمثل قوة اليابسة والولايات المتحدة الأميركية وقوى حلف شمال الأطلسي تمثل قوة البحر.
دوغن يرى انه «عندما خسرنا جزءاً من مناطقنا، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي فإن الخسارة لم تكن فقط خسارة أيديولوجية بل كانت أيضا خسارة جيوسياسية».
خسائر روسيا
وبفعل العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا بعد تفجر ازمتي القرم والشرق الأوكراني، توقف نمو الاقتصاد الروسي، ما أدى بالمستثمرين الروس والأجانب إلى سحب أموالهم من
روسيا، حيث تم نزوح أكثر من 150 مليار دولار من البلاد سنة 2014، وهوما خالف حتى توقعات البنك المركزي الروسي الذي توقع نزوح 100 مليار دولار في أقصى تقديراته. ويؤكد مدير المركز الأوروآسيوي في المجلس الأطلسي جون هيربست على هذا فيقول: إن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا تركت آثارها على روسيا، حيث تم تسجيل تراجع في النمو الاقتصادي الوطني، أكدتها تصريحات المسؤولين الروس، وهناك هروب كبير لرأس المال من روسيا، وبسبب تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية، خسرت روسيا الكثير من احتياطاتها المالية، عندما حاولت وقف السقوط الحر للعملة الروسية الروبل، التي فقدت أكثر من 50 في المائة من قيمتها.
عانت أوكرانيا تاريخيا من الغزو الخارجي، رغم تمتعها دوما بالقوة والأرض، مما أدى في كثير من المرات إلى تقاسمها بين القوى الإقليمية المجاورة لها، فخضعت أجزاء منها للامبراطورية الليتوانية، وأخرى للامبراطورية البولندية، بعد أن انهارت في القرن 12 ميلادي، بسبب الغزو المغولي للبلاد، رغم أنها كانت تعيش عصرها الذهبي قبله، وهي تمتلك أكبر جيش في أوروبا، وأراضي خصبة، لذلك يعتبرها الأوروبيون السلة الغذائية المستقبلية لهم، فوجود الأنهار جعلها بلدا يتمتع دوما بالاكتفاء الذاتي في غذائه، وهو الأمر الذي كان يركز عليه الغزاة تاريخيا، فمن أسباب إصرار ادولف هتلر على ضمها لألمانيا، أنه كان يعتبر احتلاله لها أمرا قد يحقق لألمانيا رخاء في الغذاء، وهو الأمر الذي عاد اليوم بشكل آخر، فأوروبا تريد ضمها إلى ما بات يعرف بالشراكة الشرقية، وهو المشروع الذي ظهر بعد الحرب الروسية الجورجية- نظرا للمقدرات الإنسانية -46 مليون نسمة- والزراعية والصناعية الهامة التي يزخر بها هذا البلد.
أميركا وحسابات الرابح الأكبر
يرى المحللون ان الولايات المتحدة الاميركية حققت مكاسب كبيرة من وراء الأزمة الأوكرانية، إذ إن ضم روسيا لجزيرة القرم، وفر لواشنطن فرصة كبيرة لاستعادة دورها الكامل في القارة الأوروبية، فالأوروبيون وإن كانوا يمثلون ثقلا اقتصاديا إلا أنهم سياسيا يعانون من أزمات داخلية عديدة، أثرت على وحدة القرار السياسي.
ويستعيد المحللون ما كان الساسة الاوروبيون ينادون به بعد نهاية الحرب الباردة، وهو استقلال السياسة الخارجية الأوروبية عن نظيرتها الأميركية، لكن ذلك لم ينجح كثيرا، بسبب نشوب عدة أزمات جعلت الأوروبيين يعيدون التقارب مع الولايات المتحدة، فالحرب الروسية الجيورجية أعادت هزت ثقتهم بقدرتهم على مواجهة التحديات الأمنية الكبرى.
واعتبر المحللون، ان ضم جزيرة القرم لروسيا دفع الأوروبيين للاستفاقة من غفلتهم الأمنية حسب التعبير الأميركي الذي كان يعاتب أوروبا على محاولات التقارب مع روسيا، فكان من مكاسب الأميركيين على الجبهة الأوكرانية عزل روسيا دولياً، وإدانتها، بل تم استبعاد روسيا حتى من اجتماعات الدول الثماني الكبرى، ولم توجه الدعوة للرئيس الروسي للانضمام للاحتفال السنوي الذي يقام في بولندا، حيث يحتفل الحلفاء بتحرير آخر معسكرات الجيش النازي في أوروبا، رغم أن الروس كانوا أصحاب الفضل في تحريره.
حاليا، تمكنت الولايات المتحدة من تثبيت ودعم حكم موال لها في كييف، ذلك ان غالبية النخب الحاكمة في أوكرانيا تكونت وتربت في أحضان كبار السياسيين الأميركيين، وهو ما يضمن راحة أكبر لأميركا على المدى البعيد، وقد بلغت الزيارات الرسمية الأميركية لأوكرانيا عددا قياسيا، حيث شارك الأميركون في تنصيب الرئيس الأوكراني، وهي إشارة قوية لروسيا على أن عهداً جديداً قد بدأ، حيث حضر جو بايدن مراسيم تنصيب بيتروبوروشينكو، وساهم الأميركيون في تسريع تسليم الصندوق الدولي لحزمة المساعدات، ولم تتوقف المساعدات المالية والعينية الأميركية لأوكرانيا، ترسيخا لقضية هامة، وهي أن أميركا تتبنى الحكومة والشكل الجديد الذي صارت عليه الدولة الأوكرانية، ولعل أبسط دليل على ذهاب البيت الأبيض بعيدا في دعمه لها، هو المناورات التي جرت في أوكرانيا في 15 سبتمبر2014، الأمر الذي أغضب روسيا كثيرا، فلأول مرة تحدث مناورات على هذا المستوى وبحضور أكثر من 1300 ضابط أميركي.
copy short url   نسخ
27/10/2016
9462