+ A
A -
القدس- الوطن- أمين بركة
يتهم اليهود الإثيوبيون المؤسسة الرسمية في إسرائيل بالتمييز العنصري والاستعلاء العرقي ضدهم، الأمر الذي دفعهم لتشكيل جماعات ومنظمات تطالب بحقوقهم.
ويشكل اللون والمظهر أساسا اعتمده العديد من يهود إسرائيل في معاملتهم مع الإثيوبيين؛ ما شكل ويشكل أهم مشاكل اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى سياسة استيعابهم من قبل الحكومة؛ حيث تم الاستيعاب على أساس جماعي؛ ما أدى إلى تبعيتهم للمؤسسات الرسمية؛ وحرمهم فرصة التكيف مع المجتمع الإسرائيلي؛ خلافا لسياسة استيعاب الروس التي تمت على أساس فردي؛ يمنح المستجلب (المهاجر) بموجبها «سلة متكاملة» (مبلغا ماليا، وامتيازات، ودعما مجانيا من الحكومة بما يتعلق بالسكن والعمل والتعليم).
وظلت إسرائيل لسنوات عديدة تتجاهل اللاجئين الإثيوبيين الذين تم استجلابهم للكيان لهدف سياسي غير معلن متعلق بالتوازن الديموغرافي مع الفلسطينيين.
إهمال متعمد
في هذا الصدد، ينقل مركز «مدارات» للدراسات الإسرائيلية تقريرا لصحيفة «هآرتس» العبرية، يبين وجود إهمال واضح من قبل السلطات الإسرائيلية ضد اليهود الإثيوبيين، الأمر الذي جعل أبناء هذه الطائفة يفقدون ثقتهم بأجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها الشرطة وأجهزة التعليم والرفاه.
وقالت هآرتس في تقريرها: «إن التمييز العنصري ضد الإثيوبيين واضح جدا في السلوك اليومي لأبناء هذه الطائفة، مثل أن يمد الشاب الإثيوبي يده إلى جيبه بحركة سريعة كي يتأكد من أنه يحمل بطاقة هويته، بمجرد أن يرى سيارة شرطة».
من خلال بحث أعده البروفسور غاي بن بورات والدكتور بيني يوفيل من جامعة بئر السبع، تبين أن 31 % من الإثيوبيين لا يثقون بجهاز الشرطة الإسرائيلية، بينما كانت هذه النسبة بين سائر السكان 15 %.
ويوضح البحث أن 41 % من الإثيوبيين قالوا إن دوريات الشرطة تستوقفهم من دون مبرر في أحيان متقاربة جدا، بينما هذه النسبة كانت 17 % بين سائر السكان.
واعتبر 27 % من الإثيوبيين، و5 % فقط بين سائر السكان، أنه في حال قدموا شكوى ضد أفراد الشرطة فإن التعامل معهم سيكون أسوأ من التعامل مع غيرهم.
وتبرر الشرطة هذه المعطيات وهذه النظرة إليها بأنه بين السنوات 2006 و2011 ارتفعت نسبة الملفات الجنائية ضد شبان إثيوبيين بـ8 %.
وتتالت الشكاوى في الآونة الأخيرة حول تعمد الشرطة عدم إبلاغ ذوي فتية قاصرين بأمر اعتقالهم.
وقالت «هآرتس» في تقريرها: «إن الشبان الإثيوبيين يخافون من التحدث حول عدوانية الشرطة تجاههم، ولذلك فإن الكثيرين منهم يتحدثون إلى وسائل الإعلام طالبين عدم الكشف عن هويتهم».
وقال أحدهم، ويدعى أفاتا: «أفراد الشرطة يمسكون بنا في الشوارع، ولا يدافع عنا أحد هنا؛ وسنضطر إلى مواجهة ذلك لوحدنا»، مشيرا إلى أن التعامل العنصري مع الطائفة الإثيوبية لا ينحصر في جهاز الشرطة وحدها.
وقال تقرير «هآرتس» إن الإثيوبيين يلقون معاملة عنصرية وإهمالا من جانب الوزارات أيضا، حيث أن قيادات إسرائيلية صرحت بأن على الحكومة وضع توجه جديد وشامل تجاه المجتمع الإثيوبي يتجاوز البيروقراطية الموجودة.
ويؤكد حاخامون إثيوبيون إن الحاخامية الرئيسية في إسرائيل تميز ضدهم وتضطهدهم، وذلك على خلفية لون بشرتهم السوداء فقط، رغم التحديات التي واجهوها من أجل أن يتمكنوا من نقل عشرات الآلاف من اليهود من إثيوبيا إلى إسرائيل و«من أجل الحفاظ على يهوديتهم ومعتقداتهم في إثيوبيا في الماضي».
في السياق، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريرا آخر جاء فيه، أن الحاخامية الرئيسية في إسرائيل قلصت الغالبية العظمى من صلاحيات الحاخامين الإثيوبيين، ومنعتهم من مزاولة أبسط مهامهم، مثل عقد قران عروسين إثيوبيين، وحتى أنها أرغمت بعضهم على إجراء عملية ختان ثانية، ولم تعترف بالختان الذي أجري في إثيوبيا.
والتعامل العنصري مع الإثيوبيين في إسرائيل لم يتوقف عند هذا الحد، بل إن إسرائيل ترفض التعامل مع وحدات الدم التي يتبرع ع بها مواطنون إثيوبيون لبنك الدم بادعاء أنها قد تكون مصابة بجرثومة مرض الإيدز.
ولا زالت «نجمة داود الحمراء» تحظر تبرعات بالدم من أشخاص من أصول إفريقية.
وهناك قضية ثانية أثيرت في الأعوام الأخيرة وتتعلق بقيام أطباء وممرضات إسرائيليات بحقن النساء الإثيوبيات، من دون علمهن، بمادة «ديبو بروفيرا» لمنع حملهن، خلال تواجدهن في معسكر بانتظار نقلهن إلى إسرائيل، كما أن هذه الممارسات استمرت لفترة محدودة في إسرائيل أيضا.
إلى جانب ذلك، يرفض رؤساء سلطات محلية إسرائيلية، استيعاب الأولاد الإثيوبيين في مدارس مدينتهم.
وبمسألة الهوية، فبعد وصول الإثيوبيين لإسرائيل، عانوا من مسألة الهوية الدينية والثقافية، واتضح أن معظمهم لم يستطع الاندماج، ولكن الشباب الذين خدموا بالجيش اجتازوا أزمة الهوية نسبيا، وشكلوا هوية إسرائيلية، بجانب التماثل في القيم المركزية للثقافة الإثيوبية.
أرقام ومعطيات
ووفقا لمعطيات نشرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي في نهاية العام 2015، بلغ عدد السكان من أصل إثيوبي في إسرائيل حوالي 135.5 ألف في نهاية العام 2013، ولد منهم 86 ألفا في إثيوبيا و49 ألفا في إسرائيل.
وتسكن غالبية الإثيوبيين في منطقتي وسط إسرائيل بنسبة 38 % وجنوبها 24 %.. وأن نحو 88 % من الإثيوبيين متزوجون من إثيوبيات، ومعدل سن الزواج في هذا المجتمع 29 سنة بين الرجال و26 سنة بين النساء، وهو أعلى من معدل الزواج بين اليهود في إسرائيل.
وتنجب المرأة الإثيوبية 2.8 طفل بينما هذه النسبة ترتفع إلى 3 أطفال بين اليهود عموما في إسرائيل.
وتشير الإحصائيات أيضا إلى أن 51 % من التلاميذ الإثيوبيين يتعلمون في مدارس تابعة لجهاز التعليم الحكومي الديني، و45 % في جهاز التعليم الحكومي، فيما تقدم 88 % من التلاميذ الذي أنهوا الصف الثاني عشر إلى امتحانات «التوجيهي»، بينما هذه النسبة هي 82 % في مجمل جهاز التعليم العبري.
ويشار إلى أن نسبة التلاميذ الإثيوبيين الذين يتسربون من المدارس الرسمية هي 5.5 % بينما النسبة العامة في جهاز التعليــم العبــري هـي 4.5 %.. ومعطيات التسرب هذه لا تشمل المدارس الدينية الخاصة.
وتوضح المعطيات أن معدل الفقر في المجتمع الإثيوبي أعلى منه في المجتمع الإسرائيلي بشـكل عـــام، وتشــيــر المعطيــات إلى أن قرابــة 70 % من الأولاد، دون سن 18 عاما، هم من عائلات تعيش تحت خط الفقر.
كذلك فإن نسبة الطلاق مرتفعة في المجتمع الإثيوبي، و18 % من الأولاد يعيشون في عائلات أحادية الوالدين، وربع الأولاد يعيشون في عائلات مكونة من أكثر من ستة أشخاص، كما أن نصف أبناء الشبيبة الإثيوبيين يعيشون في عائلات سن الوالدين فيها أعلى من 55 عاما.
وأظهر بحث نشر في العام 2011 أن 53 % من المشغلين الإسرائيليين يرفضون تشغيل إثيوبيين، وذلك من دون علاقة بمؤهلاتهم. كذلك تبين أن 70 % من المشغلين يمتنعون عن ترقية الإثيوبيين الذين يعملون لديهم.
وتشير أحدث المعطيات إلى أن نحو 50 % من الجنود الإثيوبيين دخلوا إلى السجن أثناء فترة خدمتهم العسكرية، وأن العاملين الإثيوبيين يربحون ما بين 30 % إلى 40 % أقل من العاملين العرب، لأن الكثيرين منهم يعملون داخل مجتمعهم الصغير.
وتشير إحصاءات أيضا إلى أن نسبة الانتحار بين الإثيوبيين أعلى بعشر مرات من النسبة العامة في إسرائيل.
وتتماثل الغالبية العظمى من الإثيوبيين مع اليمين الإسرائيلي، وبضمن ذلك حزب الليكود.. وهم يمتنعون عن التصويت لحزب العمل، الذي انبثق من حزب «مباي» الذي حكم إسرائيل حتى العام 1977، وذلك بسبب رفضه تهجيرهم إلى إسرائيل.
ودخل الكنيست عدد قليل جدا من الإثيوبيين، وهم شلومو مولا من حزب كديما، وأبراهام نغوسا من حزب الليكود، وشمعون سولومون وبنينا تمنو- شاتا من حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل).. كذلك ضمت قوائم مرشحي معظم الأحزاب الإسرائيلية مرشحين إثيوبيين لكنهم لم ينتخبوا.
دفاع عن الحقوق
التعامل العنصري ضد الإثيوبيين في إسرائيل، دفع العديد من المنظمات الحقوقية للدفاع عن هذه الفئة في عدة مجالات، وأبرزها منظمات: «الرابطة الإسرائيلية من أجل يهود إثيوبيا» وهي منظمة اجتماعية تنشط في مواضيع متنوعة، وانبثقت عن (الرابطة الأميركية من أجل يهود إثيوبيا)، التي نشطت منذ العام 1969 وحتى العام 1993.
وهناك أيضا منظمة «فيدل» التي تأسست في العام 1996 وتنشط في مجال التربية والتعليم والاندماج الاجتماعي لأبناء الشبيبة الإثيوبيين بواسطة المدارس. وتقوم المنظمة بتفعيل مراكز للشبيبة في أنحاء البلاد وبرامج جماهيرية للأهالي.
ومنظمة «نصعد معا»: تأسست في العام 2006 وتنشط في مجال التقدم في المجالين القيادي والعمل. وأيضا هناك منظمة «تبكا» التي تأسست في العام 1999 وهي منظمة قانونية تعمل في المجال الحقوقي لصالح المجتمع الإثيوبي.
وتعتبر هذه المنظمات أن هناك أعمال عنف تمارس ضد المهاجرين الأفارقة خاصة الإثيوبيين، ترافقها حملة تحريض، واسعة، في ظل سعي إسرائيلي إلى حبس هؤلاء المهاجرين وطردهم.
وتؤكد المنظمات أن احتجاجات الأفارقة من أصل إثيوبي تنتهي بوعود سياسية بأخذ قضاياهم على محمل الجد، لكن الفكرة العنصرية التي أقيمت إسرائيل على أساسها، والتي تنبع منها سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ستبقى تداعياتها تعصف بإسرائيل.
وأيضا تؤكد المنظمات فشل عملية استيعاب الإثيوبيين، الأمر الذي يجعل المجتمع الإسرائيلي يشهد مزيدا من حالات الاستقطاب التي تؤشر لفشل «بوتقة الصهر الإسرائيلي».
الجدير ذكره في هذا السياق، أن الحروب الأهلية والانقسامات السياسية، والاستبداد شكلت عوامل طرد للعديد من أبناء القارة السوداء، بشكل خدم تطلعات إسرائيل؛ فهي الدولة التي تحسن استغلال المواقف، وقلبها لصالحها وفق خطط تضعها بإحكام.
وقد قررت إسرائيل عام 1973 استجلاب العديد من يهود الفلاشا؛ لمواجهة النمو الديموغرافي العربي؛ «حين قرر حاخام الطائفة السفاردية (الشرقية) عوفاديا يوسف اعتبار طائفة (بيتا يسرائيل) الإثيوبية، طائفة يهودية؛ خلافا للحاخام الأشكنازي (شلومو غورين). وتم ذلك على فترات، وفق عمليات منظمة، بدأت عام 1977 حيث هاجر المئات؛ ومن عام77 19 حتى 1983».
وأيضا تم استجلاب 6000 إثيوبي؛ وفي عملية «موشيه» تم استجلاب 7000؛ وكان آخر العمليات «عملية سليمان» عام 1991؛ حيث تم استجلاب 15000 إثيوبي؛ وارتفع عددهم سنة 2008 إلى 106900 مستجلب «مهاجر».
وتتميز عملية استجلاب الإثيوبيين، باختلاف كبير عن الإسرائيليين، ترك أثره على المجتمع الإسرائيلي من زاوية التصور الذاتي، والهوية الجماعية، خصوصا في ما يتعلق بتعميق فكرة التعدد الثقافي، كما أن منح الجنسية الإسرائيلية، قبل البت بيهودية المستجلب نهائيا، له تأثير كبير على المدى الاستراتيجي، خصوصا بمسألة «يهودية الدولة» وحل الصراع الدائر بعنوان «من هو اليهودي»، والعلاقة بين الدين والدولة.
استخفاف بالحقوق
وانتقدت جمعية «حقوق الإنسان من أجل مساعدة العمال الأجانب»، سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الأجانب، واعتبرت أن الإجراءات الإسرائيلية تتناقض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379 الذي اعتمد في العاشر من نوفمبر 1975 واعتبر الصهيونية «شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري».
وجاء القرار الأممي اعتمادا على الوقائع والأحداث التي ثبتتها اللجان المختصة في مختلف مجالات حقوق الإنسان، بل طالب القرار دول العالم بمقاومة الأيديولوجية الصهيونية باعتبار أنها «تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين».
ورغم أن القرار ألغي في ديسمبر 1991 كشرط لدخول إسرائيل في مفاوضات السلام في مدريد، فإن حقوقيين يعتبرون أن إلغاءه لا يغير شيئا من واقع عنصرية إسرائيل لأن الإلغاء جاء لاعتبارات سياسية محضة.
وتبرز ظاهرة العنصرية بين المكونات اليهودية للمجتمع الإسرائيلي، ثم تتسع الدائرة لتصل إلى السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948، لتتجاوزهم إلى باقي الفلسطينيين، حيث تؤيد غالبية اليهود فكرة الفصل العنصري.
copy short url   نسخ
22/10/2016
2730